نتائج الانهيار الاقتصادي والمعيشي اظهرت جانباً منها جمعية حماية المستهلك في بيان اصدرته، كشف ان نتائج تطور اسعار السلع والخدمات للفصل الثالث من العام الجاري، هي كالتالي: “خضار انخفاض 0،7%، فواكه ارتفاع 8،43 %، لحوم ارتفاع 79،14%، البان واجبان ارتفاع 47،58%، الخبز ارتفاع 42،70%، محروقات ارتفاع 103،37%، اتصالات ومواصلات ارتفاع 194،3%، …”.
تبيّن الارقام اعلاه، شدة التدهور الذي فتك بالاقتصاد اللبناني، ووضع معه المواطن من الطبقتين المتوسطة والفقيرة في أدنى سلم درجات الفقر، اضافة الى عدم وضع حلول سريعة وجذرية توقف عجلة الانهيار الكبير.
حصرية القرار الاقتصادي مهما كان نوعه الإصلاحي، رقابة او تنظيم، تعود للحكومة، ولا وجود لأي نتائج فعلية أو مؤشر لقلب الاوضاع على نحو ايجابي حتى الساعة، وبحسب مصادر اقتصادية لـ “ليبانون فايلز”، فإنه “يتوجب على الحكومة الاسراع في استعادة نشاطها وتفعيل جلسات اعمالها وإلا فإن الوضع المعيشي والاقتصادي سيزداد سوءاً وبشكل كارثي، خاصة وان الخطة الاقتصادية الإنقاذية قد تأخرت كثيراً”.
واعتبرت المصادر ان “أخطر ما في الامر هو انفلات السوق وفوضى التسعير، بغض النظر عن السلع او الخدمات، حيث لا رقابة جدية او فعلية تمارس على التجار، في حين لم يتم منع التداول بالدولار في العمليات التجارية، الامر الذي حوّل المواطن الى رهينة يخضع لمزاج سعر الدولار”.
وتتصدر مشكلة المحروقات واجهة الازمة نتيجة ارتفاع اسعارها الذي بات يحدده سعر صرف الدولار في السوق السوداء من جهة، والنقص الحاد لهذه العملة في سوق التداول من جهة أخرى.
واشار المصادر الى ان “هناك عدة طروحات توضع على الطاولة، منها ضخ الدولارات من قبل مصرف لبنان في السوق معتبرين ان شأن ذلك المساهمة في خفض الاسعار، ولكن هذا الطرح لا يشكل اي حل مع وجود هامش ربح مرتفع كثيراً، لذا وقبل اي اجراء من هذا القبيل يجب تفعيل الرقابة وفرض سيطرة مشددة على السوق والاسعار، والا فإننا مقبلون على اتساع الحلقة التضخمية التي نعاني منها اكثر فأكثر وهو ما سسينجم عنه عواقب وخيمة، ربما أدّت في المدى المنظور الى انقطاع السلع وضرب الامن الغذائي بعد تراجع القدرة الشرائية التي نشهد فصول انهيارها بشكل تدريجي”.
وقالت: “اذا ما استمر الوضع من دون معالجات سريعة وجدية فسيؤدي ذلك الى القضاء على ما تبقى من اقتصاد من خلال تلاشي ثروات التجار انفسهم، وهنا سينقلب السحر على الساحر، بسبب فقدان الليرة قيمتها فيصبح الربح مهما كان مرتفعاً دون اي جدوى او تأثير”.
والاجدى هنا ان تقوم الدولة بتنظيم اللعبة الاقتصادية من خلال اجراءات فعالة وحاسمة، فالوقت المستقطع والمهدور أصبح أكثر من مكلف، خاصة وان المواطن متروك لحل ازماته بنفسه.
“Lebanonfiles”
كما كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”: الطموح بالتعافي الاقتصادي والعمل على الخروج من الأزمة بالاصلاحات، يتحول يوماً بعد آخر إلى جموح لتأمين الحد الأدنى من الغذاء للمقيمين، من أجل البقاء فقط على قيد الحياة. فالارتفاع الهائل بالاسعار يوسّع شريحة العاجزين عن الوصول إلى مصادر الطعام، ويهدّد بالمجاعة في المقبل من الأيام.
تشير أرقام “برنامج الأغذية العالمي” WFP إلى أن 22 في المئة من اللبنانيين، و50 في المئة من اللاجئين السوريين، و33 في المئة من اللاجئين من جنسيات أخرى يعانون من انعدام الأمن الغذائي. وبحسب “التقرير القُطري الموجز” للوكالة الدولية التابعة للأمم المتحدة، فان سعر الجزء الغذائي من “سلة إنفاق الحد الأدنى للبقاء” SMEB بلغ 387 ألف ليرة لبنانية في آب الفائت. وهو ما يمثل زيادة بنسبة 628 في المئة عن تشرين الأول 2019. ومن المتوقع أن يرتفع سعر السلة بمعدلات كبيرة مع رفع الدعم الكلي عن المازوت والجزئي عن البنزين، وارتفاع سعر الصفيحة الواحدة منها من حدود 82800 ليرة و107300 ليرة على التوالي في شهر آب الماضي، إلى حدود 235200 و242800 في آخر تسعيرة صادرة في 13 هذا الشهر.
نسبة المهددين بالجوع ترتفع
إستناداً إلى تقديرات البنك الدولي حول عدد السكان البالغ 6.8 ملايين نسمة، 25 في المئة منهم من اللاجئين، نستطيع الاستنتاج أن هناك مليوناً و122 ألف لبناني (22%) لا يستطيعون الوصول إلى الحد الأدنى من الطعام، وهم يعيشون على أقل من 19 دولاراً في الشهر الواحد، أي بحدود نصف دولار يومياً. هذا الواقع “المخيف”، بحسب عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي صادق علوية، “قد يكون أخطر بكثير في حال استبعدنا هامش التفاؤل، أو التقليل من المصيبة، بنسبة 10 إلى 15 في المئة الذي عادة ما تتضمنه التقارير الدولية. حيث من المتوقع أن يكون الرقم الحقيقي للعائلات العاجزة عن تأمين احتياجاتها من الطعام مضروباً بـ 1.5 مرة، أي بحدود 1.7 مليون شخص”. ومع هذا فان النقاش السياسي الذي يجب أن تضطلع فيه كل من السلطة التنفيذية والتشريعية ما زال بعيداً عن التصدي للأزمات والمشاكل. فـ”لم نر أي معالجة جدية للأزمة الصحية والغذائية والاستشفائية والتعليمية… واللائحة من المتطلبات الأساسية تطول بسبب عجز الحكومات عن الاهتمام بالأولويات، رغم ما أعطيت من إمكانيات”، يقول علوية، “فأُقر قانون للانفاق على أساس القاعدة الإثنتي عشرية مثل العام الذي سبقه، وأقر ايضاً قانون البطاقة التمويلية في المجلس النيابي. ولكن لا نتيجة تُذكر على ارض الواقع. حتى وصلنا إلى مرحلة يناشد فيها البنك الدولي السلطة البدء بتوزيع البطاقة التمويلية”. وعلى الرغم من أن البطاقة التمويلية ليست الخلاص للمشاكل، خصوصاً بعدما امتص ارتفاع سعر صرف الدولار وتحليق أسعار المحروقات قيمتها الشرائية، إلا أنها “تقي مئات الآلاف من الموت من الجوع”، بحسب علوية، و”هي تشبه من حيث المبدأ المعالجات التي تقوم بها المنظمات الدولية برمي أكياس الرز والقمح في مجاهل الدول المتخلفة تحت عنوان “إن لم تصل إلى كل المستحقين فلا بد أن تصل إلى جزء كبير من المعوزين”.