تلف العتمة لبنان، عتمة من نوع آخر، فغياب التيّار الكهربائيّ غيّب معه أضواء الحياة، ورقدت القطاعات كافّة في ثبات عميق.
الإنهيار الإقتصاديّ الذي يشهده لبنان حجز الدرجة الأصعب في التاريخ اللبناني، حرب اقتصادية باردة قلبت الموازين حتى بات اللّبناني يعاني، فيحاول، من ثمّ يفشل ويعجز!
والعجز جرّاء تدهور القطاعات كافة وتراجع الإنتاجية على كافة الأصعدة إضافة الى صرف أعداد تتزايد كلّ لحظة لموظّفين من عملهم الى أن باتت البطالة أمراً بديهياً، تُسجّل أعلى الدرجات وتتخطّى معدّلها الطبيعي.
بالنسبة الى البطالة، لا تتوفر أرقام رسمية حول أعداد العاطلين عن العمل وذلك بالرغم من أهمية هذا الأمر كمؤشر اقتصادي واجتماعي، فنسبة البطالة التي أعلنتها إدارة الإحصاء المركزي بعد مسح بالعينات جرى بين نيسان 2018 وآذار 2019 هي 11.6%. لكنّ الواقع هو خلاف ذلك فتشير استطلاعات «الدولية للمــعلومات» أن عدد العاطــلين عن العمل قبل 17 تشرين الأول 2019 كان نحو 350 ألفاً أي بنسبة 25% من حجم القوى العاملة، وهذا الرقم يؤكده بعض وزراء العمل السابقين.
ونتيجة حالة الشلل التي شهدها لبنان منذ 17 تشرين الأول 2019 والتي زادت حدةً مع تفشي وباء الكورورنا فقد صرف من العمل نحو 80 ألفاً ليرتفع العدد الإجمالي إلى 430 ألفاً أي بنسبة 32%.
وفي هذا الاطار ، أكّد رئيس الإتحاد العماليّ العام بشارة الأسمر لـ «الديار»، أنّه «بسبب الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها لبنان وبعد الأزمات الإقتصادية التي طالت كافة القطاعات، ارتفعت نسبة البطالة بمعدّل 55% للذكور و أكثر من 65% للإناث. ويبقى هذا الرقم في معرض احتمال التصاعد ما لم تحصل خطوات عملية سريعة من جميع الجهات لتداركه».
وحذّر الأسمر «من صرف أعداداً كبيرة من الأساتذة والموظفين في المدارس الخاصة نتيجة عدم قدرة الأهالي أو امتناعهم عن تسديد الأقساط المتوجبة عليهم ، وبالتالي تقليص عدد الصفوف وصولاً إلى إغلاق عدد من المدارس. وهذه النسبة تشكل 25% من إجمالي عدد العاملين في المدارس الخاص. كما أنّ إقفال عدد من المطاعم والفنادق والمؤسسات السياحية نتيجة عدم القدرة على تحمل ارتفاع الأعباء وتراجع المداخيل، وهذا الامر طال نحو 50 ألف عامل، البعض منهم يعمل ولكنه يتقاضى راتباً مخفضاً بنسبة 20%-75%. إضافة الى إقفال عدد من المؤسسات التجارية الصغيرة التي تبيع الألبسة والاحذية وسلعاً غير أساسية نتيجة تراجع حركة البيع بفعل ارتفاع الأسعار نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية وهذا الأمر قد تسبب بصرفب بين 20 ألف و25 ألف عامل».
أمّا في ما يخصّ الهجرة وسعي اللبنانيين الى البحث عن فرص العمل في الخارج، تخوّف الأسمر من تداعيات الأزمة اللبنانية وتأثيرها على العروض الخارجية المقدّمة للّبنانيين، وقال «قد لمسنا فرقاً واضحاً لجهة تدني نوعية العروض الماديّة التي يحصل عليها اللّبنانيون في الخارج نظراً لإنهيار الليرة الوطنية، وبالرغم من الطلب المتزايد على اليد العاملة اللّبنانية، وخاصّة الفنيّة أي المهنية، إلا أنّ العرض المادّي تأرجح وتراجعت رواتب اللّبنانيين في الخارج».
أمّا بالنسبة للموظفّين الحاليين، وتضخّم غلاء المعيشة الى ما فوق 150%، اشار الى «انه بات من الضروريّ العمل على زيادة الحدّ للأجور من أجل إتاحة المجال للموظّف من شراء وتأمين المستلزمات الأساسية له ولعائلته، فبعد حديث مُكثّف عن إعادة جدولة الحدّ الأدنى للأجور يشرح الأسمر حيثيّات القضية قائلاً: «نستطيع القول بأنّ العملّ جديّ في ما يخصّ دراسة الحدّ الأدنى للأجور، فلجنة المؤشّر والإتحاد العماليّ العام إضافة الى الهيئات الإقتصادية كافّة، نعملّ جديّاً في هذا الملف وقدّ أعدّ الإتحاد العماليّ العام ورقة إصلاحية كانت ستُدرس خلال الإجتماع الذي كان من القرر أن يُعقد يوم الخميس في 14 تشرين، إلا أنّ الأحداث الأمنية التي شهدتها بيروت منعت انعقاد الإجتماع وقد تمّ تأجيله الى موعد لاحق، فالأمر مرتبط بالوضع السياسي الأمني في البلد».
وعن الخطوات الإصلاحية التي ستُبحث في جدول أعمال الإجتماع عند انعقاده، أكّد «على اقرار الحدّ الأدنى للأجور لكي يصل الى 7 ملايين ليرة لبنانية، إضافة الى تصحيح تعرفة المساعدة الإجتماعة التي تتمثّل في النقل والكهرباء والماء والمساعدات المدرسية والسكن، خاصة وأنّ تعرفة بدل الإيجارات أصبحت أيضا مرتفعة جدّاً، فسنعمل على تأمين جميع هذه الحوافز وخاصة الإستشفاء وسيجري العمل رسمياً مع الجهات الضامنة من أجل إعادة جدولة التعرفة والتغطية الطبابية والإستشفائية».
وشدّد الأسمر «على ضرورة تأمين الإستقرار الأمني والسياسي، والمطلوب أن لا تتفاقم الأوضاع السياسية لأنّها تؤثّر حتماً على الوضع الإقتصادي فليس لدينا سوى هذا البلد، فيجب أن نتمسّك فيه ونبذل كافّة الجهود من أجل نشله من أزمته، فلبنان بلد قائم على التضحية، متى غابت عنه، سنخسر الوطن!»
اعتاد اللبنانيون على الأجواء المتقلّبة في البلاد، بين حروب أسلحة وقذائف وأخرى اقتصادية باردة، تضيق النفوس وينتظر اللبنانيون الإسراع في قلب العجلة الإقتصادية من أجل الإستمرارية، فهل ستكون النهاية السعيدة التي تحمل الفرج قريبة؟ الجواب في عهدة السلم الأهلي والأمني والسياسي.
المصدر: الديار – باميلا كشكوريان السمراني