منذ انطلاق الحكومة الجديدة في أيلول الماضي، كان رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي مُتمسكاً بالإصلاح النقدي والمالي من أجل الخروج من نفق الأزمة الحاليّة. ومع هذا، كان ميقاتي حاسماً في التفاوض الإيجابي بين لبنان وصندوق النقد الدّولي، باعتبار أن هذه الخطوة تفتحُ الباب أمام مساعدات باتجاه لبنان يمكنها أن تساهم في إعادة إحياء النظام المالي فيه.
وحالياً، فإنّ الحكومة تحملُ في جعبتها خطوات إجرائيّة هدفها دعم الموظفين ورفع الحدّ الأدنى للأجور الذي يُعتبرُ مطلباً أساسياً بالنسبة للناس في ظلّ تراجع القدرة الشرائية وتدهور قيمة الليرة اللبنانيّة أمام الدولار. ووسط كل ذلك، فإن السؤال الذي يطرح نفسه دائماً: ما هي الخطوات العلاجيّة الأساسية للوضع الإقتصادي القائم؟
يعتبرُ الخبراء الاقتصاديّون أن الإصلاح في لبنان يرتبطُ بتشريعات أساسية تمهّد لوقف الانحدار المالي، وهذا الأمر يقعُ على عاتق مجلس النواب والحكومة والسلطة السياسيّة. وإنطلاقاً من هذه النقطة، يعتبرُ الإصلاح النقدي هو الركيزة الأساسية في لبنان، وهذا ما تسعى إليه حكومة ميقاتي بالتعاون مع صندوق النقد وعبرَ خطة التعافي الاقتصادي.
من أين تبدأ الخطوات العلاجية؟
يرى الباحث الاقتصادي والقانوني في المعهد اللبناني لدراسات السوق كارابيد فكراجيان أن “الإصلاح النقدي يبدأ من خطوة أساسية تتحدّد بإنشاء مجلس النقد الذي يعدّ سياسة نقدية صارمة من شأنها أن توفّر تغطية كاملة لليرة بعملة الاحتياطي، وهذه التغطية تكون بنسبة 100% وأكثر”.
وفي حديث لـ”لبنان24″، أشار فكراجيان إلى أنّه “مع اعتماد مجلس النقد، فإنّ قوة العملة اللبنانية تصبح بنفس قوة عملة الاحتياط تبعاً لسعر صرف معين، على أن تتمتع أيضاً بنفس الثبات، وهو الأمر الذي يُخفض معدلات التضخم والفائدة، ويفتح الباب أمام الإصلاح الدائم خصوصاً أن سعر الصرف والعملة هما أساس كافة التعاملات في البلد”.
ما هو سعر الصرف الأنسب؟
ومؤخراً، برزَ كلامٌ بشأن تخفيض سعر صرف الدولار إلى مستوى يترواح بين 10 و 12 ألف ليرة. وعملياً، فإن هذا الأمر يتحدّد بشكل أكيد مع خطة الحكومة الهادفة لضبط تفلّت الدولار، وسيكون هذا الأمر مرتبطاً بالمساعي مع المجتمع الدولي وصندوق النقد والبنك الدولي وكل الجهات المعنية. أما الأمر الأساس الذي يساهم في تخفيض سعر الصرف في لبنان فهو نجاح المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
بحسب فكراجيان، فإنّ “السوق هو الذي يحدّد سعر الصرف الأنسب”، موضحاً أن “هذا الأمر هو مرحلة من مراحل إنشاء مجلس النقد”، وأضاف: “في حال دخل المجلس المُشار إليه حيّز التنفيذ، فإنه سيتم تعويم سعر الصرف كلياً من دون قيدٍ أو شرط، وسيتم التداول به بحريّة مطلقة لفترة معينة بحدود الـ30 يوماً، على أن يتم اعتماد السعر النهائي بعد المدة المذكورة”.
وأضاف: “لقد أثبتت التجارب والنظريات أن مجلس النقد يستطيع أن يضبط سعر الدولار وتخفيضه وتثبيته، وعلى المدى المستمر فإن سعر العملة هذا لن يتأثر بأي زيادة للطلب”.
البداية من سعر صرف الليرة
وحالياً، فإن معدل التضخم في لبنان يصل إلى 214.63%، وذلك وفق الخبير المالي المختص في الاقتصاد التطبيقي في جامعة “جون هوبكنز” البروفسور ستيف هانكي. وكما هو واضح، فإنّ هذا الرقم كبيرٌ جداً والمسعى الأول لتخفيضه يتحدّد بالإصلاح النقدي.
وهنا، يقول فكراجيان: “بمجرّد ان يتحسّن سعر صرف الليرة، فإن القدرة الشرائية للناس تبدأ باستعادة قوتها باعتبار أن أغلب اللبنانيين يتقاضون روابتهم بالليرة اللبنانية”.
وأكّد الباحث الاقتصادي إنّ “انخفاض وتحسين سعر الليرة بناء لسياسة نقدية صالحة تبني لإصلاحات وتجذب رؤوس الأموال التي تعتبرُ رافعة أساسية للاقتصاد المحلي”، مشدداً على وجوب “اتخاذ خطوات ضرورية بشأن تقليص القطاع العام والتصرف بالمؤسسات الخاسرة أو التي يعتبرُ استثمارها ضعيفاً”.
مع ذلك، اعتبر فكراجيان أنّ “أي حديث عن انخفاض مُستدام لسعر الصرف خارج نطاق مجلس النقد، سيبقى في إطار الكلام”، وأردف: “انخفاض سعر الصرف لن يدوم كثيراً طالماً كان بعيداً عن المجلس المُشار إليه، ومهما تم ضخ أي دولارات في السوق، فإنها ستذهب سدى، ولهذا فإن الحل يكمن بمجلس النقد لضمان بقاء الدولار واستخدامه للتغطية، وعندها ستكون الليرة في مأمن من أي انحدار”.
خطوات مؤجّلة؟
من ضمن شروطه الأساسية للإصلاح، كان صندوق النقد الدولي قد شدّد على ضرورة تطبيق إعادة هيكلة الدين العام وتخفيض النفقات وزيادة الواردات. كذلك، تنص الشروط على ضرورة إعادة هيكلة القطاعين العام والمصرفي، وتحقيق استقرار لسعر الليرة ومعالجة بعض القطاعات التي تعاني من واقع سيء مثل الكهرباء.
وحالياً، فإن الاقتصاد اللبناني لا يحتمل أي زيادة للضرائب، كما أن التخفيف من حجم القطاع العام قد يكون مؤجلاً خصوصاً أننا أصبحنا على مشارف الانتخابات النيابيّة.
ويشدد مجمل الخبراء على ضرورة معالجة قطاع الكهرباء بأسرع وقت ممكن، على أن يكون ذلك مرتبطاً بحلول مستدامة لا موضعيّة. وهنا، يؤكد فكراجيان على ضرورة فتح الباب أمام المنافسة في قطاع الطاقة من أجل تقديم خدمات أكبر وتخفيف الهدر الذي أصاب مالية الدولة بانتكاسات عقيمة.
المصدر: لبنان 24