تزداد حدّة المأساة يومياً في القطاع الاستشفائي، فبعدما نبّه نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون من احتمال أن يصبح حقّ الطبابة حكراً على الأغنياء، لم تحرّك الدولة ساكناً وأصبحت السيناريوهات المستشرفة واقعاً. ذلك ان مقومات صمود هذا القطاع غير متوافرة في حدها الادنى، والمستشفيات تواصل عملها بـ”اللّحم الحي” محاولة سدّ الحاجة “بالموجود”. وباتت نسبة الأسرّة الشاغرة في المستشفيات 40%، بسبب تراجع الطلب على الاستشفاء، ما دفع بعددٍ من المستشفيات إلى إقفال بعض الأقسام التي أصبحت فارغة، بما يساعد على التخفيف من المصاريف التشغيلية. لكن، لا يبدو أن قدرة المستشفيات على مصارعة الموت قد تدوم طويلاً، إذ ان بقاء الأمور على حالها يهدد جدياً بإقفال ما بين الـ 20 والـ 30 مستشفى من أصل 127 خلال عام 2022، وفق ما أكّد النقيب هارون لـ “المركزية”.
ولفت إلى “أننا نعاني جدّاً من تبعات رفع الدعم عن معظم المستلزمات الطبية بنسبة تفوق الـ90% وكذلك رفعه عن الأدوات غير الطبية، وهذا يزيد كلفة الاستشفاء بشكل كبير، في حين أن المستشفيات تضطر الى تحميل الفروقات للمريض غير القادر على تسديدها، حيث تصل إلى عشرات ملايين الليرات في بعض الأحيان. هذه المشكلة الأساسية والأكثر إلحاحاً راهناً، إذ إن الوضع المأسوي للمريض لا يحتمل ولا يمكن الاستمرار فيه”.
وأضاف: “المازوت أيضاً يؤثر كثيراً على الكلفة الاستشفائية ونسدد ثمنه بالدولارات الطازجة، فكل مريض يكلّف يومياً 650000 ليرة لبنانية لتوليد الطاقة. ونطالب مراراً بدعم المازوت الاستشفائي لأن المولدات تشغّل طيلة 24 ساعة، والكلفة التي نتكبدها تتخطى قدراتنا المادية”.
هذا عدا مشكلة رواتب العاملين في القطاع الاستشفائي، إذ أوضح هارون أن “مهما حاولنا تصحيحها فإن الزيادات تتآكل ومعها قدرة الموظفين الشرائية نتيجة الغلاء المتواصل، وكلفة النقل باتت توازي رواتب بعض القاطنين في مناطق بعيدة عن مراكز عملهم. أوضاع الموظفين غير مريحة وهم يغادرون البلد عند أول فرصة للعمل في الخارج، ما يسبب إشكالية إضافية للمستشفيات”.
وكشف عن محاولات مضنية “مع وزير الصحة العامة فراس الأبيض للبحث عن الحلول الممكن تطبيقها، لا سيما لجهة ضبط أسعار المستلزمات الطبية وتغيير تعرفات الجهات الضامنة. مشكلة الضمان أن مدخوله لم يعد يوازي كلفة الطبابة، في حين أنه يحصّل أمواله من اشتراكات الموظفين، بالتالي رفع التعرفات يتطلب رفع نسبة الاشتراكات في المقابل، لكن لا الشركات ولا الموظفون قادرون على تسديدها. وما زاد الطين بلّة أن الدولة لم تسدد مستحقات الضمان البالغة 5000 مليار ليرة لبنانية، وهذا المبلغ خسر اليوم 90% من قيمته”.
ورأى هارون أن “ما من حل للضمان سوى حصوله على دعم سواء من الدولة عبر تسديد المبالغ التي له في ذمتها أو عبر دعم خارجي، إذ لا يمكنه القيام وحده بهذا الحمل في ظلّ تدهور قيمة العملة الوطنية بالتوازي مع رفع الدعم، ما يجعل عجزه هائلا جرّاء غلاء الأدوية والفاتورة الاستشفائية”. وأشار إلى أن “المساعي تنصّب على تأمين مساعدات خارجية لدعم الاستشفاء على حساب وزارة الصحة، مثلما حصل للتعامل مع جائحة كورونا حين تلقينا دعما خارجيا كي تغطي الوزارة فواتير طبابة المصابين بالفيروس. بالتالي، نحاول اعتماد هذا النهج لمختلف أنواع الاستشفاء”.
وعمّا إذا كانت هناك بلدان معينة يمكن أن تدعم القطاع، خصوصاً بعد الأزمة الدبلوماسية، أجاب: “نحاول العمل مع منظمات دولية وليس مع دول محددة”.
وختم هارون منوهاً بـ “جهود وزير الصحة الجبارة وغير المسبوقة لتأمين الدعم للقطاع الاستشفائي الخاص، فهو يولي اهتماما كبيراً للمستشفيات الخاصة أسوةً بالحكومية، في دليل لفهمه العميق لتركبية القطاع الاستشفائي، إذ اعتدنا على تشديد وزراء الصحة على دعم المستشفيات الحكومية. اليوم النظرة جديدة تؤمن بأن القطاع متكامل وبحاجة إلى دعم مختلف أركانه”.
المركزية