كتبت كارين عبد النور في “نداء الوطن”:
هناك إجماع على أن قطاع السياحة والسفر في لبنان مرّ بمراحل ثلاث منذ نهاية العام 2019 وصولاً إلى مرحلة الجمود شبه التام الذي شهده قبل أن يحل فصل الصيف الماضي ليخفف جزئيا من وطأته. لكن في حال تفاقمت الأزمة الديبلوماسية الراهنة والآخذة في التصاعد مع دول الخليج العربي، فقد يكون القطاع قد دخل مرحلة جديدة من التأزم بعد انتعاشة يُخشى ألا تدوم كما هو مأمول.
ضربات متلاحقة… وأين النقابة؟
المرحلة الأولى التي سبقت 17 تشرين 2019 حقق فيها القطاع أرباحاً خيالية وصلت إلى حدود الملياري دولار سنويا من عائدات مبيع تذاكر السفر.
غير أنّ بوادر التراجع بدأت تظهر واضحة في المرحلة الثانية، أي بعد الفترة التي تلت انطلاق تظاهرات تشرين ومع بروز أزمة ارتفاع سعر صرف الدولار، بحيث أجبرت مكاتب السفر على تسديد مستحقات شركات الطيران بالعملة الصعبة. هذا في حين كانت تتقاضى من زبائنها ثمن التذاكر بالليرة اللبنانية وبحسب سعر الصرف الذي تخطى آنذاك في منحى تصاعدي عتبة الـ2500 ليرة لبنانية. حصل ذلك في وقت كانت شركة طيران الشرق الأوسط (MEA) تطمح لتحقيق مكاسب مادية من خلال بيع التذاكر وفقا للسعر الرسمي – أي 1507.5 ليرة لبنانية. هنا، يعلّق السيد إيلي سعادة، مدير عام شركة SPECIAL FLIGHT للسياحة والسفر، بأن ذلك الإجراء دفع بالمسافر إلى حجز بطاقة سفره مباشرة عبر شركة طيران الشرق الأوسط، مما أدّى إلى انخفاض نسبة الحجوزات من خلال مكاتب السفر بواقع 80% تقريباً مقارنة مع السنوات السابقة. ويضيف سعادة أن تراجع القطاع بنسبة 80 إلى 90% يعود أساسا إلى القيود التي فرضتها المصارف على التحويلات الخارجية شاملة قطاع السياحة والسفر الذي يعتمد بشكل رئيسي على تحويل المستحقات بالدولار إلى اتحاد النقل الجوي الدولي “إياتا”. فقد توقف مصرف لبنان عن تحويل أموال شركات الطيران الى الخارج ما دفع بالأخيرة إلى تعليق إصدار التذاكر لمكاتب السفر والسياحة إلا في حال التسديد نقداً وبالدولار. توازياً، أجبرت شركات الطيران مكاتب السفر على دفع المستحقات سلفاً بعد أن كانت تُسدد في الخامس عشر والثلاثين من كل شهر. الضغوط لم تتوقف عند هذا الحدّ، إذ توجب على مكاتب السفر دفع الضريبة التي تتقاضاها شركات الطيران الدولية – والتي تذهب أرباحها إلى خزينة الدولة – بالدولار، بعد أن كانت تتراوح بين 50 ألفاً و300 ألف ليرة لبنانية تماشياً مع درجة الحجز. وقد ساهم ذلك بالطبع في بلوغ حجم الخسائر مستويات أعلى. فقبل نهاية سنة 2019، أفادت نقابة أصحاب مكاتب السفر والسياحة عن تراجع هائل في المبيعات من 60 مليون دولار إلى أقل من 20 مليون دولار شهرياً، ما شكل تدهوراً غير مسبوق وخطراً جدياً على قدرة عدد كبير من مكاتب ووكالات السفر على الاستمرار.
المرحلة الثالثة أتت نتيجة حتمية لتفشي فيروس كورونا، حيث دخل قطاع السياحة بصورة عامة وقطاع السفر بصورة خاصة في ما يشبه حالة من “الموت السريري”. فإقفال مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت وتعليق الرحلات كافة، أسوة بمعظم مطارات العالم، أدخل أكثر من 5 آلاف موظف في دوامة البطالة الموقتة أو طويلة الأمد. وبحسب توقعات “إياتا”، فقد تكبد قطاع النقل الجوي في العالم في تلك المرحلة خسائر فاقت 250 مليار دولار وهي مرشحة للاستمرار لغاية سنة 2022 على الأقل. ولنا في هذا الإطار أن نتخيل أثر ذلك على بلد صغير كلبنان يعيش أساساً أزمة اقتصادية غير مسبوقة.
السيدة إيليان هاروني، المسؤولة عن قسم الإدارة في وكالة بويز للسياحة والسفر، تقول إنه في حين سعت مؤسستها لإبعاد شبح الإيقاف عن العمل وتخفيض الرواتب عن موظفيها، إلا أنّ الكثير من الوكالات الأخرى خضعت مرغمة للأمر الواقع مخفضة الرواتب بواقع يفوق 40%، ناهيك عن تقليص عدد الموظفين في الكثير من الحالات كما أن العديد من المكاتب والوكالات أغلقت أبوابها تماماً. وبحسب بعض الأرقام، فإن 60 إلى 70% من موظفي القطاع باتوا يتقاضون نصف راتب لا أكثر.
ولا يفوت السيدة هاروني التذكير بعدم توفر أية تسهيلات للقطاع رغم الظروف الاستثنائية التي يمر بها. وتتساءل “أين النقابة من ملاحقة المكاتب غير المرخصة والتي ينعكس وجودها سلباً على إنتاجية المكاتب المسجلة لدى اتحاد النقل الجوي الدولي؟”. فالمكاتب المرخصة بالكاد تؤمّن ما يكفي لضمان الاستمرار ولو بالحد الأدنى من تكاليف كهرباء وإيجارات ويد عاملة ومصاريف تشغيلية متفرقة، أضف إليها الاشتراك السنوي الواجب الدفع للاتحاد الدولي بقيمة 300 دولار. أما المكاتب غير المرخصة، والتي تُقدر بالمئات وتنشط غالبا عبر الإنترنت (ONLINE)، فهي معفية من معظم، إن لم يكن جميع تلك الأعباء. وللمتعاملين معها أن يحصلوا على ما يشتهون من عروضات كثمرة للمنافسة “غير الشريفة”. أما تفشي ظاهرة الحجوزات الوهمية هنا، فهي حكاية أخرى.