لم يَعُد مُجدِياً كثيراً الدّخول في خلفيات العثرات المالية والإقتصادية في لبنان، خصوصاً أنها ليست تقنية فقط، بل سياسية – أمنية بنسبة مهمّة. واستناداً الى ذلك، قد لا يكون ممكناً تماماً انتظار الخطط والمشاريع الرسمية، للتعامُل مع الأزمات الإنسانية التي من المتوقَّع أن تزداد سوءاً، كلّما مرّت الأيام والأسابيع والأشهر.
وبالتزامن مع المشهد هذا، نعود الى الملايين، أو المليارات بحسب بعض المعلومات، التي دخلت لبنان بعد انفجار مرفأ بيروت، والتي “استراحت” في بعض الجيوب والأيدي “المدنيّة”.
غريب كيف أن الأزمة الإنسانية استفحلت بعد أشهر من دخول الكثير من “الإنسانيات” الى خزائن المنظّمات والجمعيات غير الحكومية، والى مستودعات بعض “المدنيّين” في البلد، في وقت أن الملايين لا تزال تتدفّق حتى اليوم، لاستكمال إعادة إعمار بيروت، بينما يؤكّد خبراء أن ما دخل لبنان بين آب 2020 وحتى الساعة، من ضمن الأُطُر “المدنيّة”، كان قادراً على إعادة إعمار منازل ومؤسّسات 100 مدينة بمساحة بيروت، بموازاة تلبية الحاجات الإنسانية لكتلة بشرية تفوق عدد سكان العاصمة ولبنان، بكثير، في وقت نرى فيه أن “الشحادة” من الخارج مستمرّة حتى الساعة، وبطُرُق متعدّدة.
استنساخ؟
وبما أن الشفافية مفقودة في لبنان، رسمياً، ومدنياً، نسأل عمّا إذا كان استنساخ بعض المبادرات الإنسانية الخارجية ممكناً في الداخل اللبناني، بما يضمن إيصال الحاجات الإنسانية الى أصحابها من جهة، ويؤمّن شفافية العمل على هذا الصّعيد، من جهة أخرى.
مليون دولار
“أبو فلّة”، واسمه الحقيقي حسن سليمان، هو طالب جامعي في العشرينيات، و”يوتيوبر” كويتي، يحظى بأكثر من 5 ملايين مُتابَعَة على “إنستغرام”، فيما تخطى عدد مشاهدات قناته على “يوتيوب” الـ 2.5 مليار مشاهدة.
قبل نحو أسبوعَيْن، أطلق سليمان مبادرة إنسانية جمع من خلالها مبلغ مليون دولار لصالح تبرّعات خيرية، قد تجنّب أكثر من 17 ألف لاجئ ونازح برد الشتاء، وذلك من خلال 28 ساعة من البثّ المتواصل.
نائم
ووعد سليمان بعَدَم إيقاف البثّ المباشر حتى جمع المبلغ المطلوب، فانتهى به الأمر نائماً أمام الكاميرا من أجل تحقيق هدفه، وذلك في إطار حملة مشتركة مع مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
وأشادت المفوضية بجهوده، لافتةً الى أن مبادرته أتت في ظلّ استمرار معاناة اللاجئين والنازحين في منطقة الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا.
فهل يُمكن أن ينسحب هذا النوع من المبادرات على استفادة إنسانية مضمونة في لبنان، خصوصاً أن المبالغ التي تُجمَع بهذه الطريقة يمكن إخراجها من الأيدي اللبنانية، بموازاة تكليف مؤسّسة أو ربما مؤسّسات دولية بالتحقيق في شأن المحتاجين إليها، من البداية وحتى النهاية؟
احتمالات
رأى مصدر مُتابِع للملفات الإنسانية في لبنان أن “تعميم هذا النوع من المبادرات على نطاق أوسع، يحتاج الى آليّات خاصّة، قد لا تكون مُمكِنَة أو ناجحة في لبنان”.
ولفت في حديث لوكالة “أخبار اليوم” الى أن “الحملات الفردية لا يمكنها أن تقود الى النتائج المرجوّة على الصعيد اللبناني الداخلي، انطلاقاً من أن أموال المودعين محجوزة، ولا إمكانية للاتّكال إلا على أموال المغتربين التي لولاها، لكنّا في واقع إنساني أسوأ اليوم. أما الحصول على مساعدات من أجانب، فهذا لا يمكن معرفة احتمالاته الفعلية، نظراً الى الأوضاع السياسية في لبنان، أيضاً”.
وأشار المصدر الى أن “مؤتمرات دعم لبنان في السنوات الأخيرة، انطلاقاً من “سيدر”، وصولاً الى تلك التي تتعلّق بالواقع الإنساني بعد انفجار مرفأ بيروت، بقيت كلّها في إطار بعيد من أي ترجمة على الأرض. ولا بدّ من الإشارة في هذا الإطار أيضاً، الى أن الولايات المتحدة الأميركية نفسها، أنفقت الكثير من الأموال على الجمعيات والمنظمات غير الحكومية في لبنان، وعلى مختلف مكوّنات المجتمع المدني، صُرِفَت كلّها في غير مكانها”.
وختم: “نتفاوض حالياً مع “صندوق النّقد الدولي” لنحصل منه على برنامج بمبلغ مالي، تبقى قيمته الفعلية أقلّ من الأموال التي أُنفِقَت دولياً على الجمعيات والمنظمات غير الحكومية في البلد، منذ العام الفائت. ولو صُرِفَت تلك الأموال في مكانها منذ 2020، لما كانت الأزمة الإقتصادية والإنسانية استفحلت خلال الأشهر الماضية، أصلاً. وبحسب بعض الأرقام المتوفّرة، تُقدَّر قيمة ما دخل الى لبنان من أموال ومساعدات، للجمعيات والمنظمات غير الحكومية، بنحو 7 مليارات دولار، تبخّرت كلّها خلال مدّة زمنية قصيرة، دون معرفة وجهة استعمالها وإنفاقها”.