كتب موريس متى في “النهار”:
بدأت رحلة تعديل احتساب بعض الرسوم والضرائب لكي تتلاءم مع سعر الصرف الحالي في ظل استحالة الاستمرار باعتماد سعر صرف #الدولار الرسمي عند 1500 ليرة، في وقت تسعى وزارة المال إلى تأمين مزيد من الإيرادات في المرحلة المقبلة لتغطية النفقات الإضافية، وأبرزها زيادة الاجور وبدل النقل، والتكاليف التشغيلية التي ارتفعت بشكل كبير نتيجة تدهور سعر الصرف.
خلال اللقاء الحواري الذي استضافه المجلس الاقتصادي والاجتماعي قبل بضعة أيام، جزم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بقرب إدخال تعديلات لزيادة الاجور وبدل النقل، وان الدراسات في هذا الصدد باتت جاهزة وسيواكبها بحث في الايرادات، والاهم ان أي قرار بزيادة الانفاق يجب ان تواكبه إجراءات تساعد في زيادة الإيرادات، ليؤكد ميقاتي إستحالة الابقاء على الدولار الجمركي على سعر 1500 ليرة، معتبرا ان منصة “صيرفة” ستكون في المستقبل الاكثر اعتمادا، ما يطرح تساؤلات حول سعر صرف الدولار الجمركي الذي سيُعتمد.
ففي الاشهر الماضية، عملت وزارة المال على وضع اقتراح لرفع الدولار الجمركي إلى 10 آلاف ليرة ليعود الحديث إلى سعر صرف دولار جمركي على اساس منصة مصرف لبنان، اي 12 الف ليرة، وصولا إلى إمكان اعتماد سعر “صيرفة” الذي يقارب حاليا 18 الف ليرة بهدف زيادة ايرادات الدولة وتمويل المساعدة الاجتماعية لموظفي القطاع العام ورفع بدل النقل وغيرها من الإنفاق الاضافي. ولا بد من الاشارة إلى ان الرسوم الجمركية تختلف باختلاف بلد المنشأ، وتراوح ما بين 5 إلى 25%، إلا ان السلع المستوردة من الدول العربية والتزاماً باتفاقية التيسير العربية، ومن الاتحاد الاوروبي والمرفقة بشهادة منشأ اوروبية، معفاة من الرسوم الجمركية. أما الواردات من بقية دول العالم مثل تركيا والصين والولايات المتحدة، والتي تعتبر من اكبر المصدرين إلى لبنان، فان وارداتها تخضع للرسوم الجمركية، وبالتالي سترتفع اسعار كل السلع الواردة من تلك الدول، علما ان معظمها يُعدّ من الكماليات.
في هذا السياق، يرى رئيس جمعية الضرائب في لبنان هشام مكمل ان أي زيادة في سعر صرف الدولار الجمركي، وفي ظل تدهور القدرة الشرائية وزيادة التكاليف المعيشية، سيؤدي حتماً إلى مزيد من الإرتفاع في الأسعار بحجة يقدمها التجار مرتبطة بزيادة التكاليف ما يؤدي حكماً إلى مزيد من الإنكماش الإقتصادي وانخفاض في الإستهلاك وينعكس سلباً على الإقتصاد اللبناني المتدهور حالياً والذي يتوقع ان ينهي العام 2021 عند نسبة إنكماش تقارب 11%.
ويشير مكمل إلى أن نية الحكومة من هذا الاجراء تبقى تأمين مزيد من الايرادات، ولكن في هذه الظروف الدقيقة وخلال مرحلة الانكماش التي يمر بها الاقتصاد اللبناني، فأي تعديل لرفع الرسوم يؤدي إلى انخفاض إيرادات الخزينة من العوائد الجمركية والضريبية التي ستنتج عن انخفاض الإستيراد أو زيادة التهرب الجمركي، اضافة إلى التهريب عبر الحدود في ظل غياب الدولة وعدم قدرتها على ضبط المعابر الحدودية واقفال المعابر غير الشرعية والتفلت الحاصل في الأسواق، ما سينعكس أيضاً انخفاضا في تحصيل ضرائب الدخل، وكل ذلك في ظل غياب دور الدولة وأجهزتها الرقابية والمساءلة غير المتوافرة. وكان رئيس الحكومة أكد أن مشروع موازنة العام 2022 جاهز في الوقت الذي تعمل الحكومة حاليا على إعادة النظر بالارقام ليكون المشروع منجزا بالكامل في الموعد المحدد، على ان يلحظ الزيادات المرتقبة بالنسبة إلى الإيرادات المحصلة نتيجة تعديل بعض الرسوم بالرفع لناحية آلية إحتسابها.
يعتبر رئيس الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين المحامي كريم ضاهر ان تحديد سعر جمركي جديد للواردات على اساس سعر منصة “صيرفة” المعتمد من قِبل المصرف المركزي، أو على أساس القيمة الفعلية للدولار الأميركي أو للعملة الأجنبية تجاه العملة الوطنية في السوق غير الرسمية أو خلافها، هو من الحلول المجتزأة في غياب أي إستراتيجية وطنية ومسعى جدي لتوحيد سعر الصرف، وذلك نظراً إلى شحّ المدخول الضريبي وانخفاض قيمة الإيرادات العامة المتأتية من تلك الرسوم وعجز الدولة الكلي عن تمويل نفقاتها والتزاماتها المالية البديهية وفي مقدمها الرواتب والأجور والتعويضات في القطاع العام.
ويلفت ضاهر إلى ان هذا الموضوع سبق وشهد جملة إجراءات وتدابير لجأت إليها وزارة المال في الفترة الاخيرة بهدف تدارك ومعالجة الوضع المستجد الناتج عن تدهور سعر صرف الليرة ومترتباته ومنها القرار الرقم 893/1 تاريخ 21/12/2020 الذي حدد أصول تسجيل العمليات التجارية وعناصر الأصول والخصوم في السجلات المحاسبية، الحاصلة أو المكتسبة بعملات أجنبية والتي تتأثر قيمتها بتقلبات أسعار تلك العملات، اضافة إلى الإعلام الرقم 114/ص1 تاريخ 15/1/2021 الذي حظر على أصحاب المهن التجارية والصناعية وغير التجارية وأصحاب المهن الحرة إصدار فواتير إلى المستهلكين بغير الليرة اللبنانية إستناداً إلى المادة 25 من قانون حماية المستهلك، وكل النصوص القانونية والضريبية الأخرى، وإعلام مديرية الواردات رقم 455/ص2 تاريخ 27 تموز2021 لجهة إلزام أصحاب العمل الذين يسددون للعاملين لديهم أجورهم بالدولار الأميركي أو بأي عملة أجنبية أخرى، إحتساب قيمة الضريبة المتوجب إقتطاعها من قِبلهم على أساس قيمة الأجور بالعملة الوطنية محتسبة على أساس القيمة الفعلية للدولار الأميركي أو للعملة الأجنبية تجاه العملة الوطنية.
ويؤكد ضاهر ان هذه القرارات والإعلامات قد استتبعا موجة عارمة من الإنتقادات والإعتراضات من سائر شرائح المجتمع الرازح تحت وطأة الأزمات المستعصية والمتتابعة ولاسيما الشركات والأفراد العاملين منهم، وذلك في غياب أي تصور إنقاذي أو تشريعات أو تدابير عملانية تندرج ضمن مخطط عام شامل ومتكامل ومكتمل المعالم والتفاصيل. ويذكّر بأنه جرى الطعن بالقرار الرقم 893/1 تاريخ 21/12/2020 لعدم نظاميته وتجاوزه حدّ استعمال السلطة وحرية تصريف الأعمال.
أهداف هذه القرارات تلحظ إجراء احتساب الضريبة بالليرة اللبنانية وفقاً للقيمة الفعلية للعملية أو للعملة الأجنبية من دون تحديد ماهية هذه القيمة أو كيفية احتسابها، مع الاشارة إلى ان المواد القانونية والتنظيمية ذات الصلة لجهة تحديد سعر صرف العملة والضريبة المترتبة من جراء العمليات والمدفوعات المحررة بالعملة الأجنبية، تنحصر ببعض النصوص النادرة التي تشير إلى “سعر صرف رسمي”، ومع العلم ايضا أنه قد يتعذّر على معظم المكلفين وخصوصا من هو خاضع للضريبة على القيمة المضافة متابعة سعر الصرف بتاريخ العملية، حيث إنّ السعر قد يتغير خلال اليوم الواحد، ناهيك بأن هذا الأمر قد يخلق إشكالية لدى بعض الزبائن الصادرة الفواتير باسمهم بشأن القيمة التي يجب عليهم اعتمادها في حسم الضريبة
ويعود ضاهر ليؤكد انه “سبق وطُرح موضوع الدولار الأميركي الواجب التصريح عنه بصدد احتساب وتسديد ضريبة الرواتب والأجور والإشتراكات المتوجبة للصندوق الوطني للضمان الإجتماعي في حال كان العامل أو الأجير يتقاضى معاشه بالدولار الأميركي؛ كما جرى تناول هذا الموضوع في إطار كيفية احتساب سعر الصرف لبدلات الأجور المتفق عليها والمحررة بالعملة الأجنبية أو بالنسبة إلى القروض المصرفية المحررة بالعملة الأجنبية. وقد صدر العديد من الآراء الإستشارية والقرارات القضائية بهذا الخصوص، منها استشارة لهيئة التشريع والإستشارات لدى وزارة العدل بتاريخ 30/3/2021 إعتمدت سعر الصرف الرسمي أي 1507.5 ليرات للدولار الواحد لتحديد الإشتراكات المتوجبة لصندوق الضمان الإجتماعي، وقد استندت في ذلك إلى إرادة المشرّع التي استخلصتها من تشريعاته في الآونة الأخيرة.
أما بالنسبة إلى التشريع المتعلق بالضرائب والرسوم فهو تشريع إستثنائي وخاص؛ كون قوانين الضرائب والرسوم هي قوانين خاصة واستثنائية يقتضي عدم التوسع في تفسير أحكامها وحصرها في نطاق ضيق لعدم مخالفة مبدأ عام مرتبط بالإنتظام العام كرسه الدستور، لذلك يرى ضاهر أن من الأفضل والأنسب العودة إلى القانون ولاستصدار تشريع خاص ومدروس يعتمد على المحاكاة الإقتصادية ودراسة وقع الأثر الإقتصادي لتحديد سعر صرف رسمي جديد موحد أو عائم أو مرن يُعتمد بشكل شامل وموحد ومنصف في جميع العمليات والصفقات. وينهي بالتأكيد ان الاجراءات التي سيتم إتخاذها وإن أتت مجتزأة وغير مدروسة، لا تندرج ضمن قرار إستراتيجي لتوحيد سعر الصرف، وإصدار القوانين اللازمة في هذا الصدد يمكن وصفها بالخطوة الناقصة.