يُفنِّد الخبير الإقتصادي والمالي الدكتور محمود جباعي أسباب الأزمة التي يمرّ بها سعر صرف الدولار من 20 إلى25 % أسباب سياسية من 10 إلى 15 % مُضاربات وأمور أخرى يبقى حوالي 60 % مُرتبطة بالعجز التجاري حيث لدينا 12 مليار دولار عجزاً في ميزان المدفوعات، وعدم دخول رساميل جديدة بالدولار إلى المصارف ممّا شكل ضغطاً على سعر صرف الليرة بعد فقدان الثقة بها.
ويَتناول موضوع الديْن الذي يُشكل بدوره ضغطاً على إرتفاع سعر صرف الدولار، فهناك 37 % دين خارجي و63% دين داخلي بالليرة اللبنانية وهذا كان له تأثير إيجابي بخفض الدين من 56 مليار دولار إلى 4.1 مليار دولار بالليرة اللبنانية لأنّ الدولار هو على 1500 ليرة لبنانية.
أمّا الديْن الخارجي فهو 31.312 مليار دولار لليورو بوند و1.9 مليار للشركات المُتعددة الأطراف وهذه الديون بالدولار وبسبب تخلف الحكومة عن التسديد فإنّ ذلك يُسبِّب بإرتفاع سعر صرف الدولار بعد أنْ إنخفض وضع لبنان الائتماني .
ويلفتُ إلى أنّ “للإقتصاد الريعي الذي يَعتمده لبنان تأثير سلبي أيضاً على سعر الصرف حيث يستورد لبنان 85 % من إستهلاكه وهو ما يسبب بخروج الدولار من البلد”.
إضافةً إلى أنّ “تعاميم مصرف لبنان ساهمت إلى حدّ كبير في رفع سعر صرف الدولار لا سيّما التعميم القاضي بإعتماد سعر صرف الدولار على 3900 ليرة لبنانية في المصارف، حيث كانت الكتلة النقدية بالليرة 5400 مليار ليرة لترتفع إلى 45 ألف مليار ليرة أيْ بفارق 40 ألف مليار ممًّا تسبَّب بتدهور سريع لسعر صرف الليرة”.
ومن سياسات المصرف التي تزيد من حجم الأزمة إلزام المصارف بتقوية رأسمالها بالعملات الأجنبية وفق التعميم 154 وهو ما دعاها إلى التوجه للسوق السوداء لشراء الدولار .
كما أنّ منصّة صيرفة التي سعّرت الدولار بـ 21 الف ليرة إضافة إلى العامل السياسي والإضطرابات الداخلية والأحداث ساهموا جميعاً بخلق مناخ سلبي لدى المواطن الذي توجّه إلى تبديل العملة اللبنانية بالدولار ممَّا رفع السعر من 21 إلى 25 ألف ليرة .
ولا يخفِ دكتور جباعي بأنّ “المرحلة خطيرة جداً بعد أنْ فقدنا 94% من قيمة العملة الوطنية وإذا وصل سعر صرف الدولار إلى30 ألف ليرة نكون قد فقدنا تقريباً 100% من قيمة العملة ممّا يؤشّر إلى إرتفاع الدولار بأرقام قياسية”.
وحتى لا نصل إلى هذه المرحلة ما هي الحلول المطروحة؟ يُجيب دكتور جباعي على ذلك مبتدئاً بالحكومة إن لم تكن مُجتمعة على الأقل أنْ يجتمع رئيسها ووزير المالية ووزير الإقتصاد مع حاكم مصرف لبنان لوضع خطة لضبط الصرف، ويطالبون الحاكم بأن يقوم المصرف المركزي بواجبه القانوني لحماية الوضع المالي.
وتبدأ المعالجة برأيه مالياً من:
1-منع OMT من سحب الدولارات من السوق حيث تسحب يومياً ما بين 6 الى 7 مليون دولار .
2-أنْ تعود المصارف إلى دورها الطبيعي وتمتنع عن شراء الدولار من السوق السوداء أي الصرّافين.
3-منصّة صيرفة التي تعتبر من أفشل المنصّات لأنها تقوم ببيع الدولار فقط، وليس كما في دول أخرى تعرََّضت لمثل حالة لبنان حيث قامت المنصات ببيع وشراء الدولار وعلى المنصة أنْ تقوم بهذا الدور بأسعار مقبولة أي تمتصّ الليرة وتضخ الدولار لينزل السعر تدرجياً .
وهذه الأمور الثلاث من شأنها أن تُخفض سعر صرف الدولار بحدود 3 آلاف الى 3.5 آلاف .
كما أنّ عدم إلزام شركات ومحطات المحروقات بتأمين 10% بالدولار وتركها على الليرة اللبنانية سيُخفّف الضغط على طلب الدولار ويُساهم في إنخفاضه، حيث يَصل مع الاجراءات الأربعة هذه إلى 20 ألف ليرة.
أمّا سياسياً فإنّ عودة الحكومة وحلّ الأزمة مع الخليج والإنفراجات الداخلية من شأنها أنْ تعمل على مزيد من الاإنفراجات بتحسّن سعر صرف الليرة.
أمّا الإصلاحات لتحسين وضع الليرة على المدى البعيد فيقتضي القيام بإصلاحات بنيوية، أوّلها دعم القطاعات الزراعية والصناعية التي يُمكن أنْ تُخفّف ما بين 7 إلى 8 مليارات دولار من حجم الإستيراد بالدولار ممّا يعني حُكماً المحافظة على الدولار في الداخل فيبدأ بالتراجع تدريجياً.
والإصلاح الأهمّ هو في قطاع الكهرباء الذي يكلف إستيراد بـ 4 مليار دولار سنوياً بين فيول لشركات الكهرباء ومازوت للمولدات الخاصة، وعلى الدولة هنا ان أنْ تُسارع إلى دراسة عروض لقطاع الكهرباء ممّا يوفر هذه المليارات ويَجعل الدولار يتراجع إلى مستوى مقبول جداً.
ويحتاج الأمر أيضاً إلى خطّة تعافي شاملة وإعادة الثقة بالمصارف، إلَّا أنه هنا لا يُعوّل كثيراً على السياسيين الحاليين بإمكانية القيام بهذه الخطوات أو وضع خطة التعافي، إلَّا أنّه يؤكّد أنّ الحلّ ليس صعباً وليس بمُعجزة بَل يَحتاج إلى قرار جريء من أجل الإصلاح.