لا يجوز أن تبقى هذه الفوضى العارمة في علاقات أصحاب الودائع مع المصارف، تحت بصر البنك المركزي الذي أطلق الحبل على غاربه للبنوك، التي تتحكم ليس بأموال المودعين وحسب، بل وأيضاً بصحتهم ومصير عائلاتهم.
في ظل غياب قانون الكونترول على الودائع، أمعنت إدارات المصارف في أساليب إستغلال حاجات الناس لأموالهم لقضاء حاجاتهم الضرورية، وتوفير متطلبات معيشتهم، وتأمين نفقات الطبابة والإستشفاء والدواء، وفرضت إجراءات همايونية، لا تمت إلى قانون النقد والتسليف بصلة، ولا علاقة لها بالقوانين المصرفية والمالية المرعية الإجراء، بحيث تُفاجِئ المصارف زبائنها كل يوم بتدابير لتخفيض حجم السحوبات النقدية، مقابل زيادة الرسوم والنفقات التي تتقاضاها على الحسابات والكشوفات والتحويلات، والتي وصلت وقاحتها إلى حد إقتطاع ١٠بالمئة من مجمل المبلغ المخصص لتوطين الرواتب، في حال تم تحويل المبلغ، كلياً أو جزئياً، من حساب إلى آخر في نفس الفرع. بمعنى أن المؤسسات التي تصل رواتب موظفيها إلى ٢٠٠ مليون ليرة، عليها أن تتحمل ٢٠ مليوناً إضافياً لتغطية عمولة المصرف !!
وكأن سياسة النهب المنظم لأموال أصحاب الودائع لا تكفي، من خلال إبقاء سعر الدولار المصرفي ٣٩٠٠ ليرة، رغم وصوله إلى عتبة ٢٥ألف ليرة في السوق السوداء، وإعتماد هذه التسعيرة في الأسواق لتحديد أسعار المواد المحلية الصنع والمستوردة، فجاءت الإجراءات الأخيرة بتخفيض سقف السحوبات إلى ثمانية ملايين كحد أقصى، وزيادة الرسوم والمصاريف الأخرى على الزبائن، لتزيد من الأعباء والضغوط على المودعين الذين فقدوا جنى أعمارهم وأموالهم في إستغلال المصارف للأزمات المالية التي يتخبط فيها البلد.
لقد وصلت لصوصية بعض المصارف إلى حد إجبار الزبائن على إستلام جزء من تحويلاتهم من أبنائهم في الخارج بالليرة اللبنانية، وبسعر ١٢ ألف ليرة للدولار، أي بأقل من نصف السعر في السوق السوداء. كما يشكو العديد من الموظفين من عدم تمكنهم من الحصول على رواتبهم الموطّنة في المصرف، الذي يكتفي بصرف نصف الراتب فقط، على أن يدفع النصف الآخر بعد ثلاثة أو أربعة أسابيع. فكيف يمكن لأي موظف أن يكفي حاجات عائلته بنصف راتب فقط.
تُرى لماذا يغض البنك المركزي النظر عن هذه التصرفات الشاذة للمصارف، وأين هي الدولة العلية في حماية ما تبقى من حقوق المودعين، والحد من سرقة البنوك لأموال الناس الغلابى؟