وكأن النبطية تعيش “ع غير كوكب” رغم ما يصيبها من هزات معيشية وإرتدادات إقتصادية لا مثيل لها، غير ان الأمور تبدو وكأن شيئاً لا يحصل. لا يعنيها ما يحدث في لبنان، تهتز الدنيا ولا تقع خارجها، فيما الوضع داخلها لا يهتز، فالناس اعتادت الصمت وعدم الاعتراض، والكل يسأل ضدّ من يعترض؟ ضدّ السلطة أم التجار؟ فالأخيرون يفتكون أكثر بالناس، يضعون قوانين صارمة عليهم، يفرضون تسعيرة دولار خارج تسعيرة السوق السوداء، يتلاعبون بالأسعار والاوزان من دون حسيب أو رقيب، حتى الدواء لم يسلم من شر ألاعيبهم، ويبررون تصرفهم بحجة “حماية مصالحنا”، يضعون 2000ليرة لبنانية زيادة على سعر الصرف ولا من يعترض من الزبائن. حتى المستشفيات تسلك نفس الأسلوب، فالكل يريد ركوب موجة تحقيق الربح السريع ولو على حساب الفقراء، ولم يعد هناك من يرأف. حتى الأحزاب نفسها التي يفترض بها ان تهز العصا وتقف الى جانب الشعب أقله في هذه الظروف، تجدها غير مبالية، فهناك اولويات أهم من جشع التجار وتلاعبهم بمصير الناس. فضدّ من يعترض الشعب في فدرالية السرقة اذاً؟
كاد أن يجنّ فؤاد بعدما قصد محلاً لبيع الادوات الطبية في مدينة النبطية ليشتري سماعة طبية، فصاحب المحل اشترط عليه الدفع بالدولار الفريش او باللبناني بزيادة 2000ليرة على كل دولار أميركي، حاول فؤاد استيضاح سبب الزيادة طالما الدولار بـ25 الف ليرة، فأجابه صاحب المحل “بدنا نحمي حقنا، وان كانت زيادة غير مبررة، ولكن كل التجار والمحال تتبع نفس الاسلوب”.
يبدو أن قوانين جديدة فرضها تجار النبطية على البيع والشراء، تقضي بزيادة الحصار أكثر على الناس، اذ تسجل النبطية ومنطقتها اعلى نسبة غلاء ربما في لبنان، فالكيلو الذي يباع في صيدا بـ50 الف ليرة، يُباع في النبطية بـ120 الف ليرة، على سبيل المثال كيلو سمك اجاج يباع في صيدا بـ60 الف ليرة أما في النبطية فسجل 120 الف ليرة، في حين سجل كيلو اللحم 230 الف ليرة، ليصبح اللحم خارج حسابات الناس نهائياً، مثله مثل الدجاج والخضار. أما الفاكهة فباتت حصراً للاغنياء، اذ بالكاد يتمكّن المواطن من شراء جرة غاز ودفع فاتورة اشتراك. واللافت حجم التلاعب في السلعتين، فالجرة التي تباع على أساس سعة 10كيلو لا تسجل سوى 6 كيلوات ونصف أي بنقص3 كيلو من وزنها ما يضع المواطن أمام معضلة شراء قارورة شهرياً بـ289 الف ليرة بعدما كان يشتريها كل شهرين، وهو ما يعتبره محمد “غشّاً وسرقة على عينك يا دولة ويا وزارة اقتصاد”. الاخيرة برأيه تبدو غائبة كلياً عما يحصل في متاجر ومحال النبطية، فالكل “فاتح على حسابو”، يضع تسعيرته غير القانونية والوزارة غائبة بحجة ان لا اعداد كافية للمراقبين لضبط السوق. حجة يعتبرها محمد “شرّعت السرقة العلنية من جيب المواطن وكأننا نعيش في فدرالية السرقة”.
لا يختلف اثنان على اطلاق تسمية فدرالية السرقة والغش على منطقة النبطية، فهنا تباح كل المحظورات، وكل تاجر يتكئ على حزب يدعمه، يتصرف وكأنه الحاكم بأمره، حتى من يعترض ويشكو يحاسب بدلاً من محاسبة التاجر، فهنا يضع الميكانيكي 3 دولارات زيادة على سعر البرغي الذي كان بنصف دولار، وصاحب المطعم يضع 25 الف ليرة ربحاً على كل سندويش مع عرض، اما بائع الفلافل فخرج من سوق الشعبية وباتت السندويش بـ20 الفاً و25 الف ليرة، ليخسر الشعب آخر سندويش شعبي في تاريخه. حتى المتاجر الغذائية تضيف 30 الف ليرة كربح على كل سلعة. فالعدس الذي كان يباع الكيلو منه بـ15 الف ليرة حين سجل الدولار 20 الفاً اليوم يباع بـ60 الف ليرة، ما يسحب آخر الاكلات الشعبية “المجدرة” من مائدة الفقراء، ليصبح السؤال المشروع “شو ممكن ياكل الفقير”؟ سؤال بات يؤرق الناس حقاً، اذ يزحفون الى مراكز الخدمات الاجتماعية بحثاً عن صندوقة اعاشة، ولا يخرجون شاهرين سلاح جوعهم ضدّ من سرقهم، وهذا يبرر سرّ خروج النبطية من سباق الاعتراض.
ch23