كتب ذو الفقار قبيسي في” اللواء”:
بات واضحا بما لا يحتاج إلى دليل أن خطة المصارف بالإستمرار في «تجفيف» القوة الشرائية لودائع الدولار لديها عبر صرفها بالليرة بسعر أقل من ٥ إلى ٦ أضعاف السعر الحقيقي في السوق الموازية، هو «تصفير» جزء كبير من الودائع، أي الوصول إلى جعلها «صفر»، بحيث يمكن للمصارف عندها وضع اليد على جزء كبير من الإحتياطي الإلزامي (البالغ حتى الآن ١٤ مليار دولار). وقد تمكنت المصارف على أي حال بهذه الطريقة وسواها من خفض ودائع الدولار لديها من ١١٥ مليار دولار إلى ١٠٧ مليارات دولار خلال عام واحد فقط من حزيران ٢٠٢٠ إلى حزيران ٢٠٢١ والحبل على الجرّار.
ولو لم يكن هذا الهدف هو ما تخطط له المصارف لهذه الودائع، فهل يمكن أن توضح للرأي العام لماذا رغم مرور نحو عامين على الأزمة التي احتجزت خلالها ودائع الدولارات والإستمرار بصرفها بـ«حفنة» من الليرات، لم ترد هذه الأمانات إلى أهلها، وتدفع للمودعين نقدا وبالدولار احتياطي ودائعهم البالغ ١٤ مليار دولار رغم ان جميع الأطراف من الدولة إلى مصرف لبنان إلى المصارف، تجمع كلها على تسمية هذا المبلغ بـ«إحتياطي الودائع الإلزامي». فهل هو فقط إلزامي للمصارف بأن تضعه فقط في مصرف لبنان كما هو الحال، ودون أن تكون ملزمة بأن تعيده إلى أصحابه المودعين؟! والسؤال هو إلى متى احتجازه واحتجاز أصوله معا مما تبقّى من القيمة الأصلية للوديعة التي يجري تجفيف قوتها الشرائية وعلى علم ومرأى من الدولة التي يفترض أن تتحرك بسياسة اقتصادية تقارع بها سياسة المصارف الاعتباطية – الاستنسابية عبر خطة لهذا الاحتياطي يمكن بها استخدامه بموافقة المودعين على إقامة مشاريع انتاجية بالمشاركة مع القطاع الخاص يتملكون فيها أسهما حسب حصتهم من الإحتياطي، منها على سبيل الأولوية صناعات دوائية ثبت أن لبنان متجلي فيها وقادر على تصديرها وبحيث تنخفض إستيرادات الدواء التي متوقع أن ترتفع حسب تقديرات Fitch Solution من 4,2 مليارات دولار هذا العام إلى 4,6 مليارات دولار في العام ٢٠٢٥. أو في مشروع زراعي شددت خطة «ماكنزي» على أهميته وأولويته لإنتاج «الأفوكادو» معتبرة أن لبنان بمناخه وبيئته الزراعية والمائية قادر على تصديره إلى العالم مقابل واردات بمليارات الدولارات. أو بالمساهمة في مشروع المصفاة أو المصفاتين التي يمكن بهما خفض قيمة استيرادات لبنان من المحروقات وربما تحويل هذه الإستيرادات إلى صادرات عبر تصفية مادة المحروقات الخام وتصديرها وبمليارات الدولارات، بدلا من وقوف السلطات الإقتصادية والمالية والنقدية كلها موقف المتفرج على إحتياطيات نقدية لودائع تتآكل قوتها الشرائية يوما بعد يوم بل ساعة بعد ساعة لصالح مصارف مفترض انها تحتكر حق قبول الودائع ليس بغرض عدم إعادتها وإنما لإستخدامها عبر سياسة نقدية مهماتها الرئيسية الثلاث: الإستقرار النقدي وتحقيق معدلات ملائمة للنمو وتوفير ما يكفي من فرص العمل.
وكل هذه المهام تعثرت حتى الآن، حيث الإستقرار النقدي انهار إلى الحضيض، ومعدلات التنمية تتراجع من سلبي إلى أكثر سلبية، وفرص العمل حلّ مكانها أعلى معدلات البطالة!!