كتب ذو الفقار قبيسي في” اللواء”:
الأزمة النقدية في لبنان والأزمة النقدية في تركيا تتشابهان في العديد من الوجوه مع العديد من الاختلافات في الأسباب والظروف والأحجام بين بلد صغير مثل لبنان عدد سكانه نحو ٦ ملايين نسمة، وبلد مثل تركيا عدد سكانه ٨٠ مليون نسمة وناتجه الإجمالي السنوي ٨٠٠ مليار دولار مقابل تقديرات بناتج سنوي بين ١٨ إلى ٢٠ مليار دولار في لبنان، وبمعدل دخل الفردفي تركيا نحو ١٠ ملايين دولار سنويا مقابل الدخل الفردي السنوي في لبنان (بعد الأزمة الأخيرة) أقل من ٤ ملايين دولار. وبسلطة سياسية شديدة التمركز في تركيا مقابل سلطة تشرذم سياسي في لبنان يتحول أحيانا إلى وفاق هش أو مؤقت!
وبرغم هذه الاختلافات الأساسية، فإن الأزمة في البلدين كشفت عن خلل في النظرية القائلة أن إنخفاض سعر العملة يؤدي عادة إلى تحفيز الصادرات وإزدياد عدد السياح وإجتذاب الإستثمارات، في حين ان ما حصل من إنخفاض سعر صرف الليرة في لبنان مقابل الدولار من 1507,50 ليرة إلى ٢٦٠٠٠ ليرة، وإرتفاع سعر الدولار في تركيا بين الأعوام ٢٠١٧ و٢٠٢١ من ٦ ليرات إلى ١٤ ليرة وصولا إلى ٤٠% انخفاض في قيمة الليرة منذ بداية العام، وبرغم استنزاف المصرف المركزي التركي لتثبيت سعر الصرف ١٦٥ مليار دولار على نموذج ما حصل لبنان من انفاق مليارات الدولارات لتثبيت سعر صرف لم يثبت بل إستنزف من احتياط كان ٥٠ مليار دولار قبل سنوات وهبطت الآن إلى أقل من ١٥ مليار دولار، وفي تركيا حيث انخفض السعر أخيرا ١٥% خلال بضع ساعات!! ومع ذلك يؤدي هذا الانخفاض إلى النتائج الإيجابية المرجوة، والسبب غالبا هو أن طبيعة القرارات السياسية وتركيبة النظام السياسي في بلد ما، كثيرا ما تقلب النتائج المفترضة ومعها توقعات النظرية الاقتصادية رأسا على عقب كما حصل الآن وقبل الآن في لبنان، وما يحصل الآن في تركيا.
ومثلما كثيرا ما نعيد أسباب الأزمة في لبنان إلى مضاربات وتطبيقات، تعاد الأسباب في تركيا إلى «تلاعبات ومؤامرات» على حد قول الرئيس أردوغان عن الأزمة في تركيا (تخللها إقالة ثلاثة محافظين للمصرف المركزي خلال ثلاث سنوات) واصفا السياسة الاقتصادية لحكومته بأنها «صعبة لكن غير خاطئة» و«أن تركيا تواجه مضاربات بأسعار الصرف والفائدة»، وأن «هناك صناديق مالية عالمية قصيرة الأجل تسعى لتحقيق أرباح عالية في تركيا لن نسمح لها بإعاقة الإستثمار والإنتاج وزعزعة إستقرار النمو» و«ان الهدف الفوري للحكومة هو توفير قروض بقيمة ١٠ مليارات دولار لتنشيط الاقتصاد وتوفير ٥٠ ألف فرصة عمل جديدة». على غرار القروض التي نسعى إليها بدورنا في لبنان، ولكن مع الفارق الكبير بأن القروض في تركيا تذهب في اقتصاد يقوم على الإنتاج، فيما اقتصاد لبنان على ريوع تذهب إلى «جنات نعيم» السياسيين والمتنفذين، وشعب لبنان العظيم» إلى جهنم!