إقتراح القانون المعجل المكرر الرامي الى تنظيم كيفية التصرف بـ”حقوق السحب الخاصة” وحصر استخدام عائداتها، واحد من البنود التي طرحت على جدول جلسة الهيئة العامة لمجلس النواب في الأمس. فـ”تنفيخ” بعض النواب على “لبن” المبلغ المتأتي من صندوق النقد الدولي، مرده إلى “اكتواء” اللبنانيين جميعاً بـ”حليب” تضييع الدولة ومصرف لبنان أكثر من 18 مليار دولار في ظرف سنتين على سياسة الدعم الفاشلة.
في أيلول الفائت حصل لبنان على ما مجموعه 1.135 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة (SDR)، تمثل حصته في صندوق النقد عن العام 2021 بقيمة 860 مليون دولار، وعن العام 2009 بقيمة 275 مليوناً. المبلغ أودع في حساب وزارة المالية لدى المصرف المركزي. وهو يصبح قابلاً للاستعمال من الدولة بمجرد استبدال (SDR)، بالدولار الحقيقي. وعلى الرغم من ضآلة المبلغ مقارنة بما صرف في الأعوام الأخيرة من الاحتياطيات، وبمبلغ 9.5 مليارات دولار الذي خرج بحسب “موديز” من النظام المصرفي، فان أهميته توازي احتياطيات الذهب”، بحسب نص اقتراح القانون. لذا فانه “حفاظاً على قيمة المبلغ وحسن استخدامه يجب اخضاع التصرف به لمجلس النواب. حيث “يُحظر التصرف بهذه الحقوق، بيعاً أم تفرغاً، رهناً أم تأميناً، إيداعاً أم ضمانةً، إلا بموجب قانون يصدر عن مجلس النواب”. ويُحصر في المادة الثانية من المقترح “استخدام كامل عائدات التصرف بالحقوق المشار إليها أعلاه، بتمويل البطاقة التمويلية، المنصوص عنها في القانون رقم 320/2021، حصراً، على أن يُستعان بمؤسسات دولية ضامنةً للتنفيذ العادل”.
المجلس النيابي أسقط صفة العجلة عن اقتراح القانون، وفضل رئيسه في مداخلة تعقيبية استخدام المبلغ في تمويل الكهرباء. إذ بإمكان هذا المبلغ برأيه أن “يُنشئ معامل كهرباء توفر على لبنان خلال سنة أو أكثر مبالغ طائلة جداً”ً. ولا سيما أن “أكبر مكان للهدر هو في الكهرباء”. مقابل اقتراحي نواب الجمهورية القوية تقييد المبلغ، واستخدام جزء منه للبطاقة التمويلة، واقتراح الرئيس بري استخدامه للكهرباء، مطالبات كثيرة باستخدام المبلغ لانشاء وتطوير نظام للطاقة الشمسية، ودعم المستشفيات والأدوية لتخفيض الفاتورة الصحية… وغيرها الكثير من الاستعمالات المهمة. ليبقى الأهم بحسب الباحث في الشؤون الماليّة والاقتصاديّة البروفسور مارون خاطر أن “لا يمس هذا المبلغ في الوقت الحاضر تحت أي حجة، لانه سيحرق في “آتون” المحاصصة والتقاسم السياسي والتوظيف الانتخابي في فترة قياسية، من دون أن يستفيد منه الاقتصاد والمواطن بشيء”. فالمبلغ الذي يحاول البعض تضخيمه ما هو في الواقع إلا “أقلّ من ضعف ما كان ما ينفقه لبنان خلال شهر واحد في الفترة الماضية على الدعم. حيث وصلت الفاتورة الشهرية إلى حدود 600 مليون دولار، ذهبت بشكل أساسي لتمويل الهدر والتهريب” يقول خاطر. وعليه فان “مبلغ 1.135 مليار دولار قد لا يكفي لمدة شهرين، مع كل ما يرافق عملية الصرف من فساد… وهم يريدون أن يعمّروا فيه البلد!”.
إنطلاقاً من انعدام الثقة بالطبقة السياسية، فانه من الضروري تقييد حقوق السحب الخاصة كما ورد في اقتراح القانون المقدم. إنطلاقًا من هذا المبدأ، يرى البروفسور خاطر أنَّ “كفّ يد المسؤولين عن المبلغ، وحصر استخدامه بقانون يحظى بموافقة ممثلي الشعب اللبناني لا يتأتى من ضخامته، إنما لخلق مانع أولي أمام استعمال الأموال المتأتية من تمويل خارجي بدوامة الفساد الداخلي”. يسمح ذلك بحسب خاطر أن “يكون استعمال هذه المبالغ محدد بآلية معينة تخدم مصالح المواطنين الحقيقية، بعيداً عن توظيفها في مصالح الأقلية الحاكمة والمتحكمة بمصير اللبنانيين. وعليه فان عدم استعماله في الوقت الحالي، أي قبل الانتخابات النيابية وقبل البدء بتطبيق الاصلاحات الجوهرية قد يكون أفضل للبلد والمواطنين”.
على صعيد الكهرباء المشكلة لا تتعلق بالتمويل كما يحاول البعض أن يوحي، إنما بتنفيذ الإصلاحات. وفي حال عدم تطبيق الخطط والشروط التي تركز على إنشاء الهيئة الناظمة للقطاع، ووقف الهدرين التقني وغير التقني، اللذين تصل نسبتهما إلى حدود 50 في المئة، فان أي “ضخ للأموال لن يؤدي إلى ضياعها فقط، إنما إلى استفادة جزء من اللبنانيين على حساب الآخر”، من وجهة نظر خاطر. “خصوصاً في ظل الاستنسابية في الجباية وفوضى التعليق على الشبكة في الكثير من المناطق”. وبرأيه فان “تمويل الكهرباء موجود بجزء منه في الصناديق والمؤسسات الدولية، ولا سيما البنك الدولي. والعملية تنتظر البدء بالاصلاحات والاتفاق على الخطة، وإنشاء الهيئة الناظمة بناء على القانون 452/2002 وتعيين مجلس إدارة مع رئيس جديد له. والجزء الثاني الواجب تأمينه هو بتفعيل الجباية وتخفيض الهدر وزيادة الايرادات بالمقارنة مع النفقات. والجزء الأخير يتأمن من خلال إشراك القطاع الخاص على قواعد الشفافية”. بالاضافة إلى غياب خطة الكهرباء، فهناك “مشاكل في بين الأفرقاء السياسيين على توزيع المعامل، وهذه المشاكل ستتفاقم أكثر مع اقتراب الانتخابات النيابية والرئاسية، وتحوّل الحكومة الحاليَّة، وهي لا تجتمع أصلاً، إلى حكومة انتخابات”، بحسب البروفسور خاطر. وعليه فان عدم وجود خطة للكهرباء أولاً، وانعدام التوافق السياسي على كيفية تسيير القطاع ومصيره المستقبلي ثانياً، وعدم أخذ القرار بتطبيق قواعد الحوكمة الرشيدة على قطاع الطاقة، “كلها أمور تجعل استعمال وحدات السحب الخاصة على الكهرباء مجرد هدر لها، وتعزيز للتمييز بين مواطنين يلتزمون بالقانون وآخرين غير ملتزمين”، يقول خاطر.
في الوقت الذي أسقطت فيه صفة العجلة عن اقتراح قانون تقييد استعمال حقوق السحب الخاصة أقر مجلس النواب التعديلات على اتفاقية قرض الحماية الاجتماعية المقدم من البنك الدولي. الأمر الذي سيسمح ببدء استفادة من هم أكثر حاجة من قرض الـ 246 مليون دولار الذي أقرّ في آذار الفائت. من جهة أخرى تم إطلاق منصة التسجيل للاستفادة من بطاقة المساعدة الاجتماعية قبل مدة وجيزة. ما يعني “تأمين تمويلها”، بحسب خاطر. و”ما الضغط لاستخدام الحقوق الخاصة لتمويل البطاقة، إلا بهدف الاستثمار فيها انتخابياً من قبل السلطة”.
خاطر الذي لا يرى أي فائدة من استخدام وحدات السحب الخاصة في ظل حكومة لا تجتمع، وقبل الاتفاق على خطة اقتصادية واضحة تحوز على موافقة صندوق النقد الدولي، يعتبر أن “الاستخدام الأمثل لهذه الوحدات في ما بعد، هو بدعم القطاعات الانتاجية التصديرية. فمساعدة هذه القطاعات على شراء المواد الأولية لعملية إعادة التصدير يُدخل العملة الصعبة إلى البلد، وينشط القطاعات المنتجة، ويزيد التوظيف، ويرفع من الناتج الوطني”.
إلى أن تقر الخطة الاقتصادية فان أقل واجبات النواب حظر التصرف بهذه الحقوق، كما نص مقترح القانون منعاً لهدرها. وما إسقاط صفة العجلة عنه في الأمس إلا “لغاية في نفس يعقوب”. وهذه الخطوة تترك بحسب خاطر “التباساً غير مفهوم، يخشى أن يكون الهدف من ورائه استعمال الأموال في غير مكانها الصحيح ، وبما لا يعود على البلد بأي فائدة”.
التصرف بحقوق السحب الخاصة اليوم أو في المستقبل يجب أن يستوفي معايير الشفافية وأن يكون الاستعمال خاضعاً لمذكرة تفاهم واضحة بين الحكومة ومصرف لبنان المفتوح لديه الحساب، لكيفية صرف هذه الأموال ووفق أي جدول زمني ووفق أي آلية.
ch23