كتب ذو الفقار قبيسي في “اللواء”:
جاءت زيارة وفد الصندوق النقد الدولي إلى لبنان في وقت استمرت الدولة اللبنانية في ارتكاب الإنحرافات المالية والاقتصادية، مع السعي في الوقت نفسه لكسب ثقة الصندوق للحصول على قروض. وكأن الصندوق غائب عن السمع والبصر لا يراقب ولا يحاسب ولا يتأثر بهذه الإنحرافات التي كان منها قرار مجلس النواب إسقاط صفة «العجلة» عن «التدقيق الجنائي» في حسابات إدارات الدولة ومؤسساتها، مرورا بفضيحة الكابيتال كونترول التي سعت الدولة من خلالها إلى حرمان من المودعين سابقا ولاحقا من حق إستعادة ودائعهم بالدولار عبر إعطاء المصارف صلاحية «شرعية» بدفعها بالليرة اللبنانية وبرغم الفارق الكبير بين سعر الصرف في البنك والسعر في السوق الموازية. وهي المحاولة التي إن كانت لم تلقَ الآن موافقة اللجان ربما بسبب عدم «شعبيتها» على أبواب الانتخابات النيابية، فقد تتكرر المحاولة بعد الانتخابات، حيث المصارف لن يهدأ لها جفن أو تنال راحة بال، قبل تشريع كل ما تقدّم وما سيتأخّر من إرتكابات في السطو على أموال المودعين من مقيمين ومغتربين. وهذا إضافة إلى انعدام أي إجراءات بشأن الإصلاحات الأساسية التي لا يمكن دونها الحصول على أي قروض، وهي الإصلاحات التي أعاد وفد الصندوق خلال الزيارة تكرارها على المسؤولين اللبنانيين، وفي طليعتها «برنامج تعافي» يوافق عليه الصندوق يشتمل على الإصلاحات في المالية العامة وقطاع المصارف ومصرف لبنان والسياسة النقدية والهيكلية الإدارية. وكلها وسواها ما زالت وقد تبقى عصيّة على التنفيذ أو على الورق أسيرة الخلافات بين الدولة والمصارف ومصرف لبنان وكبار وصغار المودعين.
والمشكلة انه برغم هذه الأوضاع التائهة بين تجاذبات المصالح والمنافع، ما زالت الدولة تتابع مسيرتها باتجاه الصندوق وكأن كل شيء يسير على ما يرام، في حين أن كل انحراف من قبل الدولة عن الخطوط الأساسية المرسومة يعطّل ثقة الصندوق ويؤثّر سلبا على إمكانية الحصول على قروض. وقد جاء الدرس الأخير هذا الأسبوع من تونس حيث التقرير الصادر عن الدائرة المختصة في الاستشارة وإدارة المخاطر في بنك أوف أميركا، كشف عن انعكاسات سلبية لدى صندوق النقد الدولي بسبب العجز أو التأخير الحاصل من قبل الحكومة التونسية في تحقيق الإصلاحات، ما أوجد حسب التقرير حالة من عدم الوضوح على مستوى السياسة الاقتصادية المتبعة وقلل من فرص نجاح البلاد في إدارة العلاقة مع صندوق النقد في المدى القصير على الأقل، وضيّق هامش المناورة في مفاوضات الحكومة التونسية الساعية للحصول على قرض أولي بـ1,9 مليار دولار لتلبية حاجات الموازنة العامة، وذلك بعد أن فشلت المفاوضات السابقة في تموز الماضي للحصول على قرض بـ٤ مليارات دولار بسبب إرتفاع الدين العام الذي تخطى حاجز الـ٣٦ مليار دولار وانفلاش التضخم وصعود أسعار المعيشة والتعليم والخدمات.
وبالمقارنة مع أحوال لبنان حيث الإصلاحات ما زالت اسماً على غير مسمّى، فقد سجلت معدلات أسعار الأغذية، حسب مؤشر إدارة الإحصاء المركزي، إرتفاعا «أسطوريا» تخطّى خلال ثلاث سنوات… الـ2,67%!!
وأما معدلات التضخم عموما فقد سجلت إرتفاعا ملحوظا في جميع القطاعات ومنها:
– قطاع النقل ٣٥٧% بين الفصل الثالث من ٢٠٢٠ والفصل الثالث من ٢٠٢١ بعد أن ارتفع ٩٢% بين الفصل الثاني والثالث من هذا العام.
– قطاع الصحة ٢١٢% بعد أن ارتفع ١٧٧% في الفصل الثاني والثالث من هذا العام.
– قطاع الأغذية والمشروبات غير الروحية ٢٨١% بعد أن ارتفع ٧٨% في الفصل الثاني والثالث من هذا العام.
– قطاع المطاعم والفنادق ٢٩٣% بعد أن ارتفع ٦٥% في الفصل الثاني والثالث من هذا العام.
– قطاع الألبسة والأحذية ١٦٦% بعد أن ارتفع ١٤% في الفصل الثاني والثالث من هذا العام.
– قطاع الأثاث والتجهيزات المنزلية ١٤٠% بعد أن ارتفع ٢٨% في الفصل الثاني والثالث من هذا العام.
– قطاع المشروبات الروحية والتبغ ٢١٤% بعد أن ارتفع ٧٢% في الفصل الثاني والثالث من هذا العام.
– قطاع الإستجمام والتسلية والثقافة ١٠٧% بعد أن ارتفع ١٤% في الفصل الثاني والثالث من هذا العام.
– قطاع الإتصالات ٣٢% بعد أن ارتفع ٢% في الفصل الثاني والثالث من هذا العام!