كتبت شانتال عاصي في ” الجمهورية “:
«الدولار الجمركي».. عاصفةُ هوجاء تهدّد أمن اللبنانيين الغذائي وأمنِهم المعيشي ككلّ، واستقرارِهم الاجتماعي. فللوهلة الأولى يبدو أنّه قرار سيئ بينما لهذا القرار أوجهُ متناقضة، ولكنه يبقى أمراً واقعاً لا مفرّ منه.
إعتبر أمين سرّ الجمعية الاقتصادية اللبنانية، بيار الخوري، أنّ لهذا القرار وجوهاً متناقضة، قد يبدو للوهلة الأولى أنّه قرار سيئ، ولكن كان يجب اتّخاذ هذا القرار منذ بداية الأزمة، لأننا دخلنا في خدعة السعر الرسمي للدولار وسعر السوق، ولم يتمكّن المعنيّون من تحرير سعر الدولار الجمركي. وبحسب الخوري، لو تحرّر الدولار الجمركي منذ العام 2019 لكنّا وفّرنا البذخ في الإستيراد. وخير مثال على ذلك إستيراد السيارات. والسؤال الأهم: «هل كان لبنان بحاجة لاستيراد هذا الكمّ الهائل من السيارات، أم كان الأجدى المحافظة على العملة الصعبة في البلد المأزوم»؟
من حيث المبدأ، يكمن الحل الأمثل في التحرير الكامل للدولار الجمركي ورفع سعر المستوردات. فهذا المطلوب اليوم بقدر ما هو مطلوب إقرار «الكابيتال كونترول»، فكلاهما يخفّفان من خروج العملة الخضراء من البلد.
أما إجتماعياً، وفي ظلّ الأزمات المتتالية اليومية التي تتربّص بالمواطن اللبناني، فإنّ قرار رفع الدولار الجمركي سينعكس سلباً عليه، من حيث ارتفاع أسعار السلع، في الوقت الذي لم يزد فيه مستوى الدخل الوطني. فلو ارتفعت الأسعار مع زيادة الدخل الوطني لتأمّن نوع من التوازن.
من ناحية أخرى، التجّار يرفضون رفضاً قاطعاً قرار رفع الدولار الجمركي لأنّه يؤثر على حجم أرباحهم في ظل إقتصاد متدهور وشبه معدوم.
ورأى الخوري أنّ تحرير الدولار الجمركي يمكن أن يساعد الصناعيين كثيراً، فهي بمثابة فرصة كبيرة للبنان لتطوير صناعته وإنتاجه، وخلق سياسة وطنية للتعامل مع مستوى التضخّم الذي يؤثر على ميزانية العائلات وإعادة توزيع ميزانية العائلات إلى الحدّ الأدنى الضروري.
ومن المتوقّع تحرير الدولار الجمركي قريباً، ممّا يؤدي إلى رفع الأسعار بما في ذلك الضريبة الجمركية زائد الضريبة على القيمة المضافة، ليساوي بذلك 16%، وفي حال تمّ اعتماد سعر المنصّة فالأسعار سترتفع بنسبة 12%.
إلى ذلك، شدّد الخوري على أهمية إيجاد مصادر للدولة بانتظار استعادة الأموال المنهوبة والإصلاح الإقتصادي. فالمورد الجمركي مورد سريع يجلب المال بسرعة لموازنة الدولة، وبالتالي تتمكن من تعديل رواتب موظّفيها من دون اللجوء إلى طباعة المزيد من الليرة وزيادة التضخم.
كل هذه العوامل لن تلغي حاجة أساسية، وهي إنشاء شبكة حماية إجتماعية. فلا سعر صرف الدولار ولا حتى الدولار الجمركي مسؤول عن أزمة الفقراء في لبنان، فغياب استراتيجية الحماية الإجتماعية عامل أساسي لزيادة نسبة الفقر وتدهور الوضع الإقتصادي أكثر فأكثر. كل البلدان تعيش في ظل اسعار محرّرة تزامناً مع وجود شبكة حماية إجتماعية تشمل الدواء والنقل والمصاريف الأساسية بالحدّ الأدنى، الذي يؤمّن إعادة إنتاج قوة العمل في القطاع المنزلي. أما فكرة «البطاقة التمويلية» فهي نوع من الرشوة وليست حلاً لمعالجة الأزمة.
النتائج المرجوّة
أمّا بالنسبة الى النتائج، فاعتبر الخوري أنّ هذا القرار سيأتي بالنتائج المالية المرجوّة على خزينة الدولة، ولكن لا يمكن التكهّن بكيفية توزيعها بعد دخولها إلى الخزينة في ظل دولة غير محوكمة، ينخرها الفساد وقائمة على الصفقات. ولكن بالحدّ الأدنى، نحن نكون في صدد ربح عاملين: تقييد الاستيراد اكثر، عبر رفع كلفة المستوردات، وتأمين موارد حقيقية للمواطنين لتحسين مداخيلهم.
سعر الصرف
إقتصادياً، ما من علاقة بين سعر صرف الدولار في السوق السوداء والدولار الجمركي. ويؤكّد الخوري، أنّه عندما يُقَلَّص عجز الموازنة نكون في صدد تخفيف طبع العملة، وبالتالي نكون قد حافظنا على استقرار الليرة. فهذه العملية المقفلة لا تضرّ سعر صرف الدولار أبداً، وكلّه يتوقّف على سياسات الإنفاق التي تعتمدها الحكومة.
أخيراً، إنّ كلّ الإجراءات يمكن ان تكون فعّالةً. فالأساس هو نظام الحوكمة الذي تتبلور من خلالِه، واستراتيجية الدولة للخروج من الأزمة، ولكن مع الأسف هذا ما لا نلمِسُه اليوم. فالدولة لديها إجراءاتٌ للخروج من الأزمة وليس «استراتيجية»، بانتظار إنضاجِ هذه الأخيرة والخروج بأقل أضرار ممكنة بهدف إعادة إنهاض اقتصادِنا المأزوم.