لم تنجح التحذيرات الكثيرة التي تم إطلاقها منذ سنتين إلى اليوم، في تجنيب المواطن اللبناني، تجرع الكأس المرّة الذي بات يشربها يومياً، ويدفع ثمنها من جنى عمره وتعبه في السنوات الماضية.
وبات اليوم حلم الـ1500 للدولار بعيد المنال، لا بل شبه مستحيل، كمن يحاول إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
كل المؤشرات تنذر باقتراب الكارثة، ولعل ما حكي في اليومين الماضيين، في إطار الردود على موضوع رفع الدولار المصرفي من 3900 الى 8000 ليرة ، هو مقدمة للتبدل الكبير في الإقتصاد اللبناني ، في ضوء الإنزلاق نحو نسب غير مسبوقة من التضخم في البلاد ، وبالتالي، زيادة الهوة بين الطبقات الإجتماعية.
وفي هذا الإطار، يؤكد الخبير الإقتصادي رازي الحاج، أنه “كلما استمرت الأزمة كلما ارتفع انعكاسها السيء على القطاعات الإقتصادية وعلى الناتج الاجمالي، على وقع استمرار الهجرة، ما يؤثر سلباً على القطاعات الإقتصادية المبنية على الطاقة البشرية والمستثمرين”.
فبحسب الحاج فان المصانع الكبرى باتت تقفل فروعها في لبنان وتنتقل الى دول أخرى في المنطقة، هذا فضلاً عن هجرة الأطباء والمهندسين والمحامين ، الذين كانوا أحد أبرز ركائز الإقتصاد.
وكشف عن مخطط لتحميل اللبنانيين والمودعين، الجزء الأكبر من الفجوة القائمة مع المصارف، عبر اعتماد نوع من الـ Haircut المقنع.
ولفت الحاج، في حديث عبر “لبنان 24” إلى أن الفريق المشرف على الواقع الاقتصادي، يؤكد أنه كلما كانت الخسائر أخف على جيوب الناس، وكان الحل سريعاً، شرط أن يتم بعدها العمل على تسوية أوضاع كبار المودعين، مشيراً إلى أن “العين اليوم هي على أصول الدولة وممتلكاتها وعقاراتها ” لتعويض الخسائر الكبيرة التي منيت بها، الاّ أن هذا الأمر خطير للغاية.
وحذر من ضرب الطبقة الوسطى ، لأن في ذلك ضربا لكل شيء لأن هذه الطبقة هي التي تسعى دوماً إلى التغيير، وبالتالي فإن الخسائر التي لحقت بهذه الطبقة، قد تضاعفت ثلاث مرات في الآونة الأخيرة، في حين أن الدولة، والتي يجب أن تكون في خط الدفاع الأول، تواجه انهيار اً خطيراً على كل المستويات.وبحسب التجارب فإن جهنم من دون أرضية ولم نصل بعد إلى القعر، وبالتالي فإن الإنهيار سيبقى مستمراً من دون ارتطام، ونحن نتجه من سيء الى أسوأ.
وقال الحاج” إن الخشية اليوم، لا تكمن فقط من الإنهيار، بل من تداعياته على المدى البعيد، وانعكاسات هذه الأزمة في المستقبل”.
ووضع ما جرى ويجري، في إطار المخطط الكبير الذي يهدف إلى إيصال البلاد إلى ما نحن عليه، فليس من باب الصدفة أن تبدأ هذه الأزمة، مع انطلاق التحركات الشعبية، حيث استفادت الطبقة السياسية من الإنتفاضة الشعبية، لتتمكن من تهريب نحو 4،33 مليار دولار.
وتابع: واليوم وبعدما أصبح الناتج المحلي الإجمالي بحدود الـ20 ملياراً، بات من الصعب تصحيح الإقتصاد، خصوصاً في ظل أزمة نقدية تحتاج الى علاج للاسباب وليس للنتائج السلبية.
وعن الحلول المطروحة، يؤكد الحاج أن المطلوب اليوم الذهاب نحو إجراءات سريعة في مجلس النواب والحكومة لضبط الوضع وذلك من خلال إقرار الكابيتال كونترول أو تخفيض فاتورة الإستيراد، والعمل على تنفيذ الإصلاحات التي يطالب بها المجتمع الدولي، والسعي إلى تخفيض العجز في الميزان التجاري.
وانطلاقاً من أن السوق قادر على إصلاح نفسه بنفسه، دعا الحاج الحكومة إلى السماح للشركات الناشئة بتنشيط الحركة الاقتصادية، وقال: من الضروري العمل على إطلاق الدورة الإقتصادية الطبيعية عبر نموذج استثماري إقتصادي لأن حجم الإقتصاد اللبناني صغير ، وبالتالي فهو قادر على إعادة النهوض سريعاً.
أما في الشق المالي، فمن الضروري العمل على ضبط سعر الصرف وإعادة الثقة بالقطاع المصرفي ليعود عمل المصارف إلى طبيعته وبالتالي زيادة الأموال “الصعبة ” في مصرف لبنان ما يسمح له بإنشاء منصة تضبط سعر صرف الدولار في السوق.
ورداً على سؤال حول مدى استعداد المجتمع الدولي لمساعدة لبنان في تخطي أزمته، قال الحاج، هناك أسباب جيوسياسية وإقتصادية تتحكم بقرارات المجتمع الدولي، الذي بات اليوم منقسماً حول لبنان، فالدول الاوروبية تريد الإستقرار في لبنان لأنه الملجأ للكثير من اللاجئين، ولا تريد أن يدخلوا أراضيها، وبالتالي تعمل تأمين الحد الأدنى من الإستقرار، في حين أن الولايات المتحدة الأميركية تهتم بالشق الأمني، وبدعم الجيش، وبالتالي تسعى الى ضبط الأمن خوفاً من أي تهديد للشمال الاسرائيلي، وبالتالي هناك شبه اجماع دولي على ضرورة المحافظة على لبنان ولو بالحد الأدنى”.