كتبت فرح نصور في” النهار”:
رحلة تغيّر أسعار السلع مع تقلّبات سعر صرف الدولار باتت طبيعية، في وضع غير طبيعي. وفيما ارتفع الدولار في اليومين الماضيين ليصل إلى سعر حوالي 29 ألف ليرة، انخفض اليوم ليصل إلى حوالي 26 ألف ليرة. هذا الانخفاض بحوالي 3000 ليرة يستدعي أسئلة كثيرة عن كيفية التسعير في السوبرماركت مع هذه التقلبات القياسية من حيث السرعة.
كيف يسعّر تجّار المواد الغذائية في ظلّ التقلبات السريعة لسعر الصرف؟ هل هم قادرون على إصدار لوائح يومية مواكبةً للدولار؟
“فعلاً، صعب جداً التسعير مع التقلّبات السريعة جداً لسعر الدولار”، هذا ما يورده رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية في لبنان هاني البحصلي في حديث لـ”النهار”.
وفيما “ما عمبلّحق التاجر تقلّبات الدولار”، كل شركة للمواد الغذائية تتصرّف وفق ما تراه مناسباً في ما يتعلق بالتسعير. وهناك شركات مثلاً، تقدّم لوائح أسعارها وتتريّث، “لكن ليس هناك نمط عام موحّد للتسعير، وهذا ناتج عن الفوضى الحاصلة، فمواكبة سعر الدولار ارتفاعاً وتراجعاً، أمر صعب على التجّار وسرعة هذه التقلبات تفوق قدرته على مواكبتها”، على ما يقول البحصلي.
ولا يمكن للتاجر الالتزام بلائحة اليوم والاستمرار في الالتزام نفسه في يوم غد مع تغيّر سعر الدولار. لذلك، لا حلّ لهذه المشكلة بأيدي التجار، “وإنّما الحل بيد الدولة، لأنّ البلبلة هذه ستؤثر سلباً على المواطن، وهو الحلقة الأضعف في هذا السياق”.
وعن إمكانية اعتماد التسعير بالدولار حلّاً لهذه المشكلة، بحسب البحصلي، التسعير بالدولار يحتاج إلى إقرار قانون، وهو أيضاً شأن نقابة السوبرماركت والمبيع، فالتجّار يعملون وفق مفهوم الـbusiness to business أي يتعاملون بالدولار في ما بينهم. لكنّ التسعير بالليرة يكون في نقاط البيع وعلى الرفوف، “لكن من المؤكّد أنّ التسعير بالدولار يصبّ أولاً في مصلحة المواطن”، بنظر البحصلي، لأنّه إذا كان الدولار على سعر 27 ألف ليرة مثلاً، فلن يسعّر التاجر على سعر 30 ألف ليرة، بل على سعر اليوم. وإذا ما انخفض سعر الدولار، يسعّر التاجر مباشرة دون انتظار لوائح الأسعار.
وفي ما يتعلّق باحتمال التوقّف عن توريد السوبرماركت في ظلّ التقلّبات السريعة لسعر الدولار، يجيب البحصلي: “من المؤكد كلا”. فصحيح أنّ لدى التجار وأصحاب السوبرماركت مصلحة شخصية في العمل، لكن “هناك أيضاً مصلحة وطنية لأنّنا نبيع موادّ غذائية، والتوقف عن توريدها ليس وارداً بأيّ شكل، على الرغم من الصعوبات الحاصلة، وقد يحدث أن يؤخّر تاجر ما التسليم ليوم أو يومين لترقّب سعر الدولار، لكنّ الإقفال وعدم التسليم ليس وارداً أبداً”.
ووسط العمل الشاق الذي يقوم به موظّفو السوبرماركت لتغيير الأسعار، مواكبةً لأسعار صرف الدولار، هناك محالّ تجارية غيّبت الأسعار عن السلع، واكتفت بسؤال الزبون عن السعر على صندوق المحاسبة أو على آلة الأسعار. هل تحذو السوبرماركت حذو هذه المحالّ؟
“كلا لا نتّبع هذه الإجراءات”، هذا ما يؤكّده نقيب أصحاب السوبرماركت، نبيل فهد، في حديث لـ”النهار”. ويوضح أنّه مع تقلّبات سعر الصرف السريعة، الطريقة التي تعمل على أساسها السوبرماركت، هي اعتماد لوائح أسعار الموَرّدين التي تتسلّمها السوبرماركت بالليرة.
ويعطي فهد مثالاً على ذلك أنّه منذ أمس حتى اليوم، لم تصل أسعار جديدة من المورّدين، فهم لا يغيّرون أسعار اللوائح كل يوم، لذلك “لم تتغيّر حالياً أسعار السلع في السوبرماركت”.
لكن السلع التي تُشترى بالدولار، وهي محدودة جداً، وتشكّل جزءاً صغيراً جداً من البضاعة المعروضة في السوبرماركت، كاللحوم والحبوب، قد تكون خضعت لتغيّر في أسعارها في بعض السوبرماركت صعوداً، ومع انخفاض الدولار، تُغيَّر نزولاً. لكن عادةً تشهد السوبرماركت تمهّلاً بتغيّر الأسعار، سواء لدى ارتفاع سعر الدولار أو لدى انخفاضه، ريثما يستقرّ سعر الصرف.
ومع انخفاض سعر الصرف من حوالي 29 ألف ليرة إلى حوالي 26 ألف ليرة اليوم، يؤكّد فهد أنّ “السوبرماركت لم تستطع تغيير الأسعار لأنّها لم تتسلّم لوائح أسعار جديدة، وكذلك ليس هناك تغيير سريع للأسعار ضمن اليوم الواحد، فالأمر لوجستياً صعب جداً”. ويوضح سبباً إضافياً في هذا السياق، وهو تراجع الشراء من قِبل المستهلِك، “فالناس، لدى تغيّر سعر الصرف، لا سيّما صعوداً، لا يشترون، وينتظرون كي تتغيّر الأسعار نزولاً”.
ورغم حلول موسم الأعياد، هناك تراجع ملحوظ في الاستهلاك في السوبرماركت، “إذ ليست الأعياد التي تحدّد حجم المبيعات حالياً، بل سعر الصرف هو الذي يحدّد ذلك، صعوداً أو نزولاً، فالناس ينظرون إلى قدرتهم على الشراء”، وفق فهد.
وعن مدى التأثير المباشر لارتفاع أسعار المحروقات على أسعار السلع، يفيد فهد أنّ “أسعار المحروقات تؤثّر على سلسلة التوريد، وريثما تصل السلعة إلى السوبرماركت يستغرق الأمر وقتاً لأن يتغيّر سعرها، بالتالي، لا تتأثّر بسرعة بتغيّر أسعار المحروقات”.