مـنـصور بـطـيـش
بـاتَ مَـمجـوجـاً ومُعـيـبـاً تَـكـرارُ الـتأكـيـد عـلى وُجـوبِ أنْ تَـكشِـفَ الحُـكـومة عَـن كـافَّـة الـدُيـون الـمُـتَـرَتِّـبة عـلَـيهـا، والالـتِـزامـات الـناجِـمة عَـن خَـسائِـر مَـصـرِف لـبـنان، وتُـحَـدِّد بِـالـتـالي حَـجـمَ الخَـسائِـر وكَـيـفـيَّة تَـوزيعِها، قَـبـل الـولـوج في مُـفاوضات مَع صُـنـدوق الـنَـقـد الـدَولي للاسـتِحصال مِـنه ومِنْ غَـيره مِنَ الـمـؤَسَّسَات الـدَولـيَّة، عـلى قُـروضٍ مُيَسَّـرة. لَكِـنَّ مَجـلِسَ الـوزراء عاجِـزٌ عَـن الاجـتِـماع مُـنـذُ أسابـيع، وتَعَـنُّـتَ الـمَـواقِـف غَـيـر الـمُراعِـيَة لِـواقِـع الـناس ولخُـطـورة الأزمَة الـتي تُـطبِـق عـلى الـبَـلَـد،
حَـقـائِـق الـدَيـن الـعـام وَتحـديـد الخَـسائِـر
بـاتَ مَـمجـوجـاً ومُعـيـبـاً تَـكـرارُ الـتأكـيـد عـلى وُجـوبِ أنْ تَـكشِـفَ الحُـكـومة عَـن كـافَّـة الـدُيـون الـمُـتَـرَتِّـبة عـلَـيهـا، والالـتِـزامـات الـناجِـمة عَـن خَـسائِـر مَـصـرِف لـبـنان، وتُـحَـدِّد بِـالـتـالي حَـجـمَ الخَـسائِـر وكَـيـفـيَّة تَـوزيعِها، قَـبـل الـولـوج في مُـفاوضات مَع صُـنـدوق الـنَـقـد الـدَولي للاسـتِحصال مِـنه ومِنْ غَـيره مِنَ الـمـؤَسَّسَات الـدَولـيَّة، عـلى قُـروضٍ مُيَسَّـرة. لَكِـنَّ مَجـلِسَ الـوزراء عاجِـزٌ عَـن الاجـتِـماع مُـنـذُ أسابـيع، وتَعَـنُّـتَ الـمَـواقِـف غَـيـر الـمُراعِـيَة لِـواقِـع الـناس ولخُـطـورة الأزمَة الـتي تُـطبِـق عـلى الـبَـلَـد، يُـهَـدِّد مـا تَـبَـقّى مِن مُـقَـوِّمات الصُمود. مَع ذَلِـك، ولأنَّـنا “مَحكـومون بالأمَـل” والَـعَـمَـل، لا بُـدَّ مِـنْ تَـوضيح بَعـض الحَـقـائِـق والأرقـام، عَـلَّـهـا تُـسهِـم في تَعـبـيـد الـطَـريـق نَحـوَ الحَـدِّ مِنَ الـخَسائِـر وإرسـاءِ أُسُـسٍ سَـلـيـمة لِـلـنُهـوض بِالـبَـلَـد واقـتِـصادِه.
انَّ إجـمـالي الـدَيـن الـعـام هُـو مَـجـمـوع الـدَيـن الـمُـسَـجَّـل عـلى الـخَـزيـنـة في وزارة الـمـالـيَّـة، ويُـسَـمَّـى الـدَيـن الـحُـكـومي، مُـضـافـةً إلـيـه فَـجـوَة مَـصِـرف لـبـنـان.
في أواسِـط الـعـام ١٩٧٦، كـانَ حَـجـمُ الـدَيـن الـعـام الـحُـكـومي صِـفـراً، وَفـقَ مـا وَرَدَ في خِـطـاب الـوِداع لِلـرَئيس الـراحِـل سـلـيـمان فـرنجـيّة بتاريخ ١٩ أيـلول ١٩٧٦، وكانَـت حِـسابات مَـصرِف لـبـنان مُـتـوازِنَـة مَـع فـائِـض احـتـيـاطـات حَـقـيـقـيَّـة مِـنَ الـذَهَـبْ والـعُـمـلات الأجـنَـبـيَّة.
بِـنهـايـة الـعـام ١٩٩٠، كـانَ حَـجـمُ الـدَيـن الـعـام أقَــلّ مِـنْ مـلـيارَي دولار، مُـعـظَـمُـه بالـلـيـرة الـلـبـنـانـيّـة، دُفِـعَ في خِـلال الـثَـمانـيـنات، لإعـادة تـأهـيـل الجَـيـش الـلـبـنـاني، وكـانَ احـتـيـاطي الـذَهَـب ولا يَـزال ٩،٢٢٢،٣٤١ أونـصَة هِيَ قِـرشُـنا الأبـيَـض الـمُـدَّخَـر آنَـذاك لِـيَـومِـنا الأسـوَد.
أمّا بِـنِهـايـة الـعـام ٢٠٢١، فَـسَـيكـون الـدَيـن الـعـام الحُـكـومي، بِـحُـدود ٩٦ ألـف مـلـيار لـيـرة لـبـنانـيّـة، وَقُـرابَة ٣٩ مـلـيار دولار امـيـركي مُـوَزَّعـة مـا بَـيـن:
٣١،٣١٢ مـلـيار دولار قـيـمَة الـيـوروبـوندز الاسـمـيّة (مِـنهـا ٤،٥٩٣ مـلـيار سَـنـدات اسَــتَحَـقّـت خِـلال عـامَيّ ٢٠٢٠ و٢٠٢١ ولَـمْ تُـسَـدَّد قـيـمَـتُها).
وَ ٤،٤ مـلـيارات دولار فـوائِـد (كوبّونات) غَـيـر مَـدفـوعَة، اسـتَحَـقَّـت عـلى مِحـفَـظَة الـيـوروبـوندز خِـلال عـامَيّ ٢٠٢٠ وَ ٢٠٢١.
ونَحـو ١،٣ مـلـيار دولار فـوائِـد تـأخـيـرعـلى السَـنَـدات والكوبّونات الـتي اسـتَحَـقَّـتْ خِـلال عـامَيّ ٢٠٢٠ وَ٢٠٢١ وَلَـمْ تُـسَـدَّد قـيـمَـتُـها.
وَنَحـو ٢ مـلـيار دولار قُـروض طَـويـلة الآجـال مَـمـنـوحَـة مِـن مـؤَسَّـسات دولـيّة، بِـفَـوائِـد مُـيَسَّرة.
تُـضاف إلى هَــذه الـمـبـالِـغ المُـتَـرتِّـبة عـلى الخَـزيـنة، فَـجـوَةٌ في حِـسابات مَـصـرِف لـبـنان بالـدولار لا تَـقِـلّ راهِـنـاً عَـن ٦٣ مـلـيـاراً، وهِـي خَـسائِـرُه الـتي تَـفـاقَـمَـتْ مِـنْ دون حَسـيـبٍ ولا رَقـيـب، وأُخـفِـيَـتْ في الـدَفـاتِـر عَـبـرَ السَـنَـوات وكـأنَّها مِنْ أسـرارِ الآلِـهـة. ولَـمْ يـتَجَـرّأ عَـن الـتَحـذيـر مِـنْ مَـخـاطِـرِها إلّا قِـلَّـةٌ مِـنَ السِـياسِـيّين والاقـتِصادِيّين والإعـلامِيّين، لـي شَـرَفٌ أنْ أكـونَ مِـنْ بَـيـنِـهِـم، بَــقَــوا أصواتَـاً صارِخة في الـبَـرِّيّـة، وخُـوِّنَ واتُّـهِـمَ كُـلُّ مَـنْ طَـرَحَ أسـئِـلـة فـي هَــذا الـمَجـال.
جَـديـرٌ بِالـذِكـر أنَّ مُسَـوَّدة الـتَـقـريـر التَـقـيـيـمي المُشتَـرَك لِصُنـدوق الـنَـقـد الـدَولي والـبـنـك الـدَولي في نـيـسان ٢٠١٦Financial Sector Assessment Program FSAP اسـتِـناداً الى حِـسـابـات مَـصـرِف لـبـنان، الـمَـوقـوفـة بـنِهاية ٢٠١٥، كـانَـت أوَّلَ مُـسـتَـنَـدٍ رَســمي يُـؤَشِّـر إلى خُـطورة الاخـتِـلالات في هَـذه الحِسابـات. فَـقَـد ظَهَـرَ بِـأنَّ صافي احـتـيـاطـات مَـصرِف لـبـنـان، بَـعـدَ احـتِـساب مَـوجـودات الـذَهَـب الـتي كانـتْ تُـساوي آنَـذاك ٩،٨ مـلـيارات دولار، كـان سَـلـبـيَّاً بـنَحـو ٤،٧ مـلـيار دولار. هـذا يَعـني أنَّ صافي احـتـيـاطي مَـصرِف لـبـنان مِـن عُـملات أجـنَـبـيَّة، مِـنْ دون احـتِـساب الـذَهَـب، كـان بِـنِهاية الـعـام ٢٠١٥ سَــلـبِـيَّـاً بِـقـيـمـة ١٤،٥ مـلـيار دولار (٤،٧+٩،٨)، غَـطّاهـا مِـنْ أمـوال الـنـاس الـمُـودَعـة في الـمَـصارِف الـتي كانَـت قَـد أودَعَـتْ مُـعـظَـمَها لَـدى مَـصرِف لـبـنان بِـفَـوائِـد مُغـرِيَـة.
حِـيـنَـذاك، وعِـوَضَ الشُـروع في تَصحـيـح الـوَضع، عَـمَـدَ مَـصرِف لـبـنان إلى الـطَـلَـب مِـن مُـعِـدّي الـتَـقـريـر عَـدَم نَـشـرِه بِـذَريـعـة ” الـمُحافـظة عـلى الاسـتِـقـرار”. وفي اوائِـل الـعـام ٢٠١٧، أصَـدَر صُـنـدوق الـنَـقـد الـدَولي تَـقـريـراً أغـفَـلَ ذِكـر حَـجـم الـخَسائِـر.
وإمـعـانـاً في تَـشـويه الـحَـقـائِـق والـتَـعـمـية عـلى الـواقِـع الألـيـم بِـغَـطـرَسَةٍ غَـيـر مَـعـهـودة، بَـدأت في خِـلال الـعـام ٢٠١٦ هَــرطَـقَـةُ مـا سُـمِّـي “هَـنـدَ سـات مـالـيَّة “. تَـزايَـدَ الـصافي الـسَـلـبي لاحـتـيـاطي مَـصرِف لـبـنـان بِـالـعُـملات الاجـنـبـيَّـة مِـن ١٤،٥ مـلـيار دولار بِـنهـاية الـعـام ٢٠١٥ إلى ٦٣ مـلـيار دولار بِـنهاية الـعـام ٢٠٢١، تَـغَـطَّى مِـنْ ودائِع الـنـاس بِـالـدولار، وتَـحَـوَّلَ إلى خَـسائِـر فِـعـلِـيَّـة تُـضاف إلى دَيـن الـخَـزيـنة الكَـبـيـر أصلاً.
مِـنْ نافِـلَـةِ الـقَـول بِـأنَّ حَـجـم الـمَـديـونـيَّـة الـعـامَّـة قَـد بَـلَـغَ هـذه الـمُسـتَـويـات الـكـارِثِـيَّـة نَـتـيجـة تَـراكُـمـات عـلى مَـدى ثـلاثـيـن عـامـاً مِـنْ سُـوء الإدارة وعَـدَم الـكـفـاءَة والـفَـساد والـهَـدر في مـالـيّـة الـدَولَـة ومـؤَسَّـسـاتِـهـا الـعـامّـة. يُـضافُ إلَـيـهـا الـزَبـائِـنـيَّـةُ والــرَيـعُ والـلّا إنـتـاجـيَّةُ في الاقـتِـصاد وعَـدَمُ الـمُساءَلـة، وتَـغـطـيَةُ ” الـسَـماوات بِالـقَـبـوات “، مِـمّـا تَـسـبَّـبَ بانهـياراتٍ لَـمْ يَسـبِق لها مَـثـيلٌ في العالَـم مُـنـذُ العام ١٨٥٧، وَفـقَ تَـقـريـر الـبَـنـك الـدَولي تاريخ ٣١ أيّـار٢٠٢١ بِـعُــنـوان « لـبـنـان يَـغــرَق Lebanon Sinking ».
وكانَـت الـمَـنـظـومَة الـسياسيَّة والـمـالـيَّة الـتي تَـكَـوَّنَتْ في أوائِـل الـتِسعـيـنات، قَـد حاوَلـتْ مُعالَجة الأزمَة بـحُـلـولٍ تَـرقـيـعِـيَّة اسـتَـنَـدَت بِـمُـعـظَـمِـها إلى الـقُـروض، عَـبـرَ مـؤتَـمَـرات عُـقِــدَتْ في الـخـارِج. فَـكـانَ باريـس ١ في ٢٣ شـباط ٢٠٠١، وباريـس ٢ في ٢٣ تـشـرين الـثـاني ٢٠٠٢، اســتُـتـبِـعـا بِـباريس ٣ في ٢٥ كـانـون الـثـاني ٢٠٠٧ عَـقِـبَ حَـرب تَـمُّـوز ٢٠٠٦.
وجـاءَت الأزمـة الـمـالـيَّة الـعـالَـمِـيَّة في الـعـامَـيـن ٢٠٠٨ وَ ٢٠٠٩ لِـتَـطمُـس حَـقـيـقَـة الـوَضع الـمُهـتَـرِئ في لـبـنان مُـذَّاك، فـتَـدَفّــقَـت الـمِـلـيارات وَفـاقَ مَـجـمـوعُـهـا عِـشريـن مـلـيار دولار في فَـتـرَة أربَـع سَــنـوات، مـِن ٢٠٠٧ إلى ٢٠١٠. لَـكِـنَّ هَــذه الأمـوال الـتي أُغـدِقَــتْ عَـلَـيهـا الـفـوائِـد، مـا لَـبِـثَـت أنْ غـادَرَتْ لـبـنـان تَـدريـجـيَّـاً ابـتِـداءً مِـنَ الـعـام ٢٠١١ مَـع انـدِلاع الأحـداث في سُوريّا، وازدادَتْ وتـيـرةُ الـتَحـويلات إلى الـخـارِج وحَـجـمُها عَـقِـب احـتِجـاز رئـيس الـحُـكـومَة الـلـبـنـانـيَّة في الـرِيـاض عـام ٢٠١٧.
انـفَـجَـرَ الـوَضع عـلى إثـرِ أحـداث تـشـريـن ٢٠١٩ وبـدأت الـحَـقـائِـق تَـتَكَـشَّـف، فُـطُـرِحَ الـتَـدقـيـق الـجِـنـائي واتَّخَـذَتْ الـحُـكـومة بِـتـاريـخ ٢٦ آذار ٢٠٢٠ قـراراً بِـإجـرائِـه لِـلـتَـثَـبُّـت مَـن حَـقـيـقـة الأرقـام ومَعـرِفـة كَـيـفَ هُـدِرَتْ الامـوال ومَـنْ كـانـوا الـمُـسـتَـفـيـديـن. وكـان لافِـتـاً أن يَـتَـحَـدَّثَ الـرئـيـس الـفَـرَنـسي في أيـلـول ٢٠٢٠ عَـن Ponzi Scheme لـبـناني.
إنَّ فَـجـوَةَ مَـصرِف لـبـنان، أي خَـسائِـرَه المُـتَـراكِـمة عَـبـرَ الـسِـنـيـن، والـمَخـفـيَّة في بُـنـود عِـدَّة مِـنْ مـيـزانـيَّـتِه، خُـصـوصاً ضِمـنَ “مَـوجـودات أُخـرى” خِلافاً لأُصول الـشَفـافـيَّة، والـتي لا تَـقِـلّ راهِـناً عَـنْ ٦٣ مـلـيار دولار، هـيَ الـفـارِق:
– بَـيـنَ إيـداعـات الـمَـصارِف لَـدى مَـصـرِف لـبـنان بـالـعُـملات الأجـنَـبـيَّـة، الـتي تَـفـوقُ راهِـناً
٨٢ مـلـيار دولار، تَـعـود بِـمُعـظَـمِهـا لِـودائِع الـنـاس في الـمَصارف، الـتي تَـبـلُـغ الـيَـوم ١٠٤
مـلـيار دولار.
– وبَـيـنَ مـا أقـرَضَه مَـصرِف لـبـنان لِلـدَولـة بِـمَـوجَـب سَـنَـدات يـوروبـوندز (٥ مـلـيار دولار)؛
والـرَصيد الـمُـتَـبَـقّي هـوَ مِـنَ الاحـتـياطي الإلـزامي.
ونُـشيـر إلـى أنَّ مـيـزانـيَّة مَـصرِف لـبـنان لَـمْ تَـلحَـظ دُيـونـاً عـلى الـقِـطـاع الـعـام سِـوى اكـتِـتَـابـاتِـه بِالـيـوروبـوندز وبـسَـنـدات الخَـزيـنة بالـعُـمـلَة الـوَطَـنـيَّة. كـما أنَّ دِراسـة أعَـدَّهـا الـدكـتـور تـوفـيـق كَـسـبّار في تـشريـن الأوَّل ٢٠٢٠ تُـبَـيّـن بِـأنَّ الـدولارات الـتي دَفَـعَها مَـصرِف لـبـنان لِـشـراء الـفـيـول لِـمَـصلَحة مـؤَسَّـسة كَهـرَباء لـبـنان، في خِـلال فَـتـرَة الـسَـنـوات ٢٠٠٩ إلى ٢٠١٩، تَـبـلُغ ١٧،٥ مـلـيار دولار اسـتَحـصل مُـقـابِـلَـها مِـنَ الخَـزيـنة عـلى سَـنـدات يـوروبـوندز، سَـدَّدَ قـيـمَـتَهـا لـيـراتٍ لـبـنانـيَّة.
بِـمَعـنى آخَــر، يُـقَــدَّر إجـمـالي الـدَيـن الـعـام (حُـكـومي+ فَـجـوَة مَـصرِف لـبـنان) بِحَـوالي ٩٦ ألـف مـلـيار لـيـرة لـبـنـانـيَّة وَبِـنَحـو ١٠٢ مـلـيار دولار (٣٩+٦٣). وَمِـنَ الـمُـفـتَـرَض تأكـيـد هـذه الأرقـام في الأسـابـيع المُـقـبِـلَـة لِـتَـستَـنِـد إلَـيهـا الـحُـكـومة في خُـطَّـتِهـا لـلـتَـعـافي، وَلِـتُـفـاوِض صُـنـدوق الـنَـقــد الـدَولي على أسـاسِها.
بـالـتـالي، يَـكــون مَجـمـوع الـمَـديـونـيَّـة الـعـامَّـة :
١٦٦ مـلـيار دولار عـلى أسـاس ١٥٠٠ لـيـرة لِلـدولار، لَــمْ يُـنـفَـقْ مِـنهـا لإعـادة إعـمار لـبـنان، في أواسِـط الـتِسـعِـيـنات، سِـوى ٤ إلى ٥ مـلـيارات دولار،
أو ١١٠ مـلـيارات دولار عـلى أسـاس ١٢ ألـف لـيـرة لِلـدولار،
أو ١٠٩ مـلـيارات دولار عـلى أسـاس ١٣٧٠٠ لـيـرة لِلـدولار،
أو ١٠٨ مـلـيارات دولار عـلى أسـاس ١٦ ألـف لـيـرة لِلـدولار.
ولأنَّ الـثَـروَة الـوَطَـنـيَّة تَـتَـمَـثَّـل بالـثَـروَة الـعَـقـاريَّة وبالـثَـروَة الـمالـيَّة مُجـتَـمِعَـتَـيـن، فَـلا بُـدَّ مِـنَ التَذكـيـر بِأنَّ اللبنانيّين بـاعـوا مِـنْ مَـوجـوداتِـهـم الـعَـقـارِيَّة في خِـلال الـثَـلاثـيـن سَـنة الـماضيَة بِـما يَـزيـد عَـن ١٥٠ مـلـيار دولار. بـالـتـالي، تَـكَـوَّنَـتْ خِـساراتٌ مـالـيَّة وعَـقـاريَّة مِن مَـصادِر مُـتَـعَـدِّدة، بِـنَـحـو ٣٠٠ مـلـيار دولار في ثـلاثَـة عُـقـود، عَـلاوةً عَـنْ هِـجـرَة أكـثَـر مِـن ٣٠٠ ألـف عـائِـلة لـبـنانـيَّة بَـحـثَـاً عَـنْ فُـرَصِ عَـمَـلٍ وعَـيـشٍ كَـريـمٍ.
أمًـا بالـنِسبَة لِـتَـوزيعِ الخَـسـائِـر بَـعـدَ تحـديـدِ حَـجـمِهـا، وَبـما أن صُـنـدوق الـنَـقـد الـدولي لا يـقـبَـل الإقـراض إلّا بَـعـد تَخـفـيـض حـجـم الـدَيـن الـعـام إلى اقـلّ مِـنْ اجـمالي الـنـاتِـج الـمَـحَـلّي مُـضافـةً إلـيَـه قـيـمَة الـذَهَـب الـتي تُـساوي بالأسعَـار الـرائِجـة قُـرابَة ١٦،٥ مـلـيار دولار، فـإنَّ الـدَيـن الـعـام الـمَـطـلـوب إبـقـاؤه في الـدَفـاتِـر، هـو بـحُـدود ٣٩ مـلـيار دولار. بِـالـتـالي، يُـفـتَـرَض إطـفـاء الجُـزء الأكـبَـر مِـنَ الـمَـديـونـيَّة الـعـامَّة بِـما فـيـهـا خَـسائِـر مَـصـرِف لـبـنان، ضِـمـنَ خُـطَّـة الـحُـكـومة لـلـتَـعـافي. وهُــنـا الـنِـقـاش حَـول مَـنْ سَــيَـتَـحَـمَّـل الخَـسائِـر وكَـيـفَ سَـتَـتَـوَزَّع!!!
في ســيـناريـو سِـعـر صَـرف الـدولار ب ١٦ ألـف لـيـرة مَـثَـلاً:
– يَـكـون قــد جَـرى إفـقـار مُعـظَـم الـشَعـب الـلـبـناني بحَـوالي ٥٨ مـلـيار دولار نَـتـيجة الـفـارِق في
سِـعـر الـدولار بَـيـن ١٥٠٠ وَ ١٦٠٠٠ لـيـرة (١٦٦ مـلـيار ــ ١٠٨ مـلـيار)،
ـ ويَـكـون مَـبـلَـغ الـدَيـن الـعـام، بَـعـدَ تَـخـفـيـضِ سِعـر الـصَرف وتَحـريـرِه (١٠٨ملـيارات دولار)،
نـاجِـمـاً عَـنْ خَـسـائِـر مَـصـرِف لـبـنـان بـنَحـو ٦٣ مـلـيار دولار، وعَـن رصيـد الـدَيـن الـعـام
الـحُـكـومي (٣٩ مـلـيار دولار+ ٦ مـلـيارات دولار بـالعُـمـلَـة الـوَطَـنـيَّة).
– ويَـكـون حَـجـمُ الخَـسـائِـر الـمَـطـلـوب شَـطـبُهـا، في إطـار خُـطَّـة الـتَـعـافي الـمالي وقَـبـلَ الاتِّـفـاق
مَع صُـنـدوق الـنَـقـد الـدَولي، ٦٩ مـلـيار دولار، ما يُـوازي حَـجـم خَـسائِـر مَـصرف لـبـنان زائِـد
قُـرابَة ٦ مـلـيارات مِـنَ الـدَيـن الـعـام الحُكـومي.
– ويَـكـون رَصـيـد الـدَيـن الـعـام، قَـبـل الحُـصـول عـلى قُـروضٍ مُـيَـسَّـرة، ٣٩ مـلـيار دولار (أدنـى
قَـلـيـلاً مـِن إجـمـالي الــنـاتِـج الـمَحَـلّي + قـيـمَـة احـتـيـاطي الـذَهَــبْ).
بِالـنِسـبَة لِـدُيـون الـقِـطاع الـخـاص الـمُـتَـعـثِّـرة، إمّا جـرى تَـسديـدهـا مِـن خِـلالِ بُـيـوعـات عَـقـارِيَّة، وإمّـا عَـمَـدَتْ الـمَـصارِف الى تَـكـويـن مَـؤونـاتٍ كـافـية مـقـابِـلُهـا.
أمّـا كَـيـفَ سَـيَـتَـوَزَّعُ الجُـزءُ الـمَـطـلـوبُ شَــطـبُه مِـنَ الـخَـسائِـر، بـقـيـمَة ٦٩ مـلـيار دولار، بَـعـدَ الإبـقـاءِ عـلى عـاتِـق الخَـزيـنـة ٣٩ مـلـيار دولار وبَـعـدَ تَحـمـيـلِ مُـعـظَـم الـشعـب الـلـبـناني عِــبءَ ٥٨ مـلـيار دولار، فَـبَـديهيٌّ أنْ تَـعـتَـمِـدَ الخُـطَّـةُ الـحُـكـوميَّةُ الـعـدالـةَ والإنـصاف على أسـاس مَـنْ اسـتَـفـاد أكـثَـر يَـتَحَـمَّـل أكـثَـر، وهـوَ مَـبـدأ طـالَـبَـتْ بِـه رئـيـسة صُـنـدوق الـنَـقـد الـدَولي في بَـيـانٍ أصـدَرَتهُ بِـتاريـخ ٩ آب ٢٠٢٠ حَـولَ الـوَضع في لـبـنان. تَحـديـداً، يُـفـتَـرَض أن يَـتَـوَزَّع بَـيـنَ الـمَـصارِف ومَـصرِف لـبـنان وحامِـلي الـيـوروبـوندز الآخَـريـن، وأيـضاً كِـبـار الـمُـودِعـيـن بالـعُـملات الأجـنَـبـيَّـة مِـنْ خِـلال إعـادة احـتِـساب مُـعَـدَّلات الـفَـوائِـد الـمُـرتَـفِـعـة الـتي حَـصَلـوا عـلَـيهـا، ومَعَ دَرس إمـكـانـيَّـة الاسـتِـفـادة مِـنْ إيـرادات بَـعـضٍ مِـنْ مَـوجـوداتِ الـدَولة بَـعـد إجـراء مَـسحٍ شـامِـلٍ لَـهـا.
أمّـا مُـحاوَلاتُ الـبَـعـض تَـحـويـلَ مُـعـظَـم مُـدَّخَـرات الـنـاس بالـدولار الى لـيـرات لـبـنانـيَّـة، فـهيَ اعـتِـداءٌ صارِخ عـلى مُـمتَـلـكـاتِـهـم وجَـنى عُـمـرِهِـم، ومُخـالَـفـةٌ فـاضِحـة لـمُـقَـدِّمَة الـدُسـتـور.
إنَّ هَـذهِ الاجـراءات الـمـالـيَّـة والـنَـقـديَّـة لَـنْ تَـفي بـالـغَـرَض إنْ لَـمْ تَـتَـرافَـق مَـعَ ذِهـنِـيَّـة جَـديـدة في الـتـعـاطي مَـع قـضـايـا الـشأن الـعـام، ركـيـزَتُها الـمُسـاءَلَة والـمُحـاسَـبة، ومَـعَ الـبَـدء الـفَـوري بِـإصـلاحـات بُـنـيَـوِيَّـة جَـدِّيَـة في كـافَّـة الـمـجـالات، لا سِـيَّـما الـسِـياسـيَّـة والاقـتِـصاديَّـة والـمـالـيَّـة والـنَـقـدِيَّـة والـمَـصرِفـيَّـة والـحِـمايـة الاجـتِـماعِـيَّـة والـرِعـايـة الصِـحـيَّـة، كـمـا عـلى الصَعـيـدَيـن الـتَـربَـوي والاسـتِـشـفـائي.
مـنـصور بـطـيـش
يُـهَـدِّد مـا تَـبَـقّى مِن مُـقَـوِّمات الصُمود. مَع ذَلِـك، ولأنَّـنا “مَحكـومون بالأمَـل” والَـعَـمَـل، لا بُـدَّ مِـنْ تَـوضيح بَعـض الحَـقـائِـق والأرقـام، عَـلَّـهـا تُـسهِـم في تَعـبـيـد الـطَـريـق نَحـوَ الحَـدِّ مِنَ الـخَسائِـر وإرسـاءِ أُسُـسٍ سَـلـيـمة لِـلـنُهـوض بِالـبَـلَـد واقـتِـصادِه.
انَّ إجـمـالي الـدَيـن الـعـام هُـو مَـجـمـوع الـدَيـن الـمُـسَـجَّـل عـلى الـخَـزيـنـة في وزارة الـمـالـيَّـة، ويُـسَـمَّـى الـدَيـن الـحُـكـومي، مُـضـافـةً إلـيـه فَـجـوَة مَـصِـرف لـبـنـان.
في أواسِـط الـعـام ١٩٧٦، كـانَ حَـجـمُ الـدَيـن الـعـام الـحُـكـومي صِـفـراً، وَفـقَ مـا وَرَدَ في خِـطـاب الـوِداع لِلـرَئيس الـراحِـل سـلـيـمان فـرنجـيّة بتاريخ ١٩ أيـلول ١٩٧٦، وكانَـت حِـسابات مَـصرِف لـبـنان مُـتـوازِنَـة مَـع فـائِـض احـتـيـاطـات حَـقـيـقـيَّـة مِـنَ الـذَهَـبْ والـعُـمـلات الأجـنَـبـيَّة.
بِـنهـايـة الـعـام ١٩٩٠، كـانَ حَـجـمُ الـدَيـن الـعـام أقَــلّ مِـنْ مـلـيارَي دولار، مُـعـظَـمُـه بالـلـيـرة الـلـبـنـانـيّـة، دُفِـعَ في خِـلال الـثَـمانـيـنات، لإعـادة تـأهـيـل الجَـيـش الـلـبـنـاني، وكـانَ احـتـيـاطي الـذَهَـب ولا يَـزال ٩،٢٢٢،٣٤١ أونـصَة هِيَ قِـرشُـنا الأبـيَـض الـمُـدَّخَـر آنَـذاك لِـيَـومِـنا الأسـوَد.
أمّا بِـنِهـايـة الـعـام ٢٠٢١، فَـسَـيكـون الـدَيـن الـعـام الحُـكـومي، بِـحُـدود ٩٦ ألـف مـلـيار لـيـرة لـبـنانـيّـة، وَقُـرابَة ٣٩ مـلـيار دولار امـيـركي مُـوَزَّعـة مـا بَـيـن:
٣١،٣١٢ مـلـيار دولار قـيـمَة الـيـوروبـوندز الاسـمـيّة (مِـنهـا ٤،٥٩٣ مـلـيار سَـنـدات اسَــتَحَـقّـت خِـلال عـامَيّ ٢٠٢٠ و٢٠٢١ ولَـمْ تُـسَـدَّد قـيـمَـتُها).
وَ ٤،٤ مـلـيارات دولار فـوائِـد (كوبّونات) غَـيـر مَـدفـوعَة، اسـتَحَـقَّـت عـلى مِحـفَـظَة الـيـوروبـوندز خِـلال عـامَيّ ٢٠٢٠ وَ ٢٠٢١.
ونَحـو ١،٣ مـلـيار دولار فـوائِـد تـأخـيـرعـلى السَـنَـدات والكوبّونات الـتي اسـتَحَـقَّـتْ خِـلال عـامَيّ ٢٠٢٠ وَ٢٠٢١ وَلَـمْ تُـسَـدَّد قـيـمَـتُـها.
وَنَحـو ٢ مـلـيار دولار قُـروض طَـويـلة الآجـال مَـمـنـوحَـة مِـن مـؤَسَّـسات دولـيّة، بِـفَـوائِـد مُـيَسَّرة.
تُـضاف إلى هَــذه الـمـبـالِـغ المُـتَـرتِّـبة عـلى الخَـزيـنة، فَـجـوَةٌ في حِـسابات مَـصـرِف لـبـنان بالـدولار لا تَـقِـلّ راهِـنـاً عَـن ٦٣ مـلـيـاراً، وهِـي خَـسائِـرُه الـتي تَـفـاقَـمَـتْ مِـنْ دون حَسـيـبٍ ولا رَقـيـب، وأُخـفِـيَـتْ في الـدَفـاتِـر عَـبـرَ السَـنَـوات وكـأنَّها مِنْ أسـرارِ الآلِـهـة. ولَـمْ يـتَجَـرّأ عَـن الـتَحـذيـر مِـنْ مَـخـاطِـرِها إلّا قِـلَّـةٌ مِـنَ السِـياسِـيّين والاقـتِصادِيّين والإعـلامِيّين، لـي شَـرَفٌ أنْ أكـونَ مِـنْ بَـيـنِـهِـم، بَــقَــوا أصواتَـاً صارِخة في الـبَـرِّيّـة، وخُـوِّنَ واتُّـهِـمَ كُـلُّ مَـنْ طَـرَحَ أسـئِـلـة فـي هَــذا الـمَجـال.
جَـديـرٌ بِالـذِكـر أنَّ مُسَـوَّدة الـتَـقـريـر التَـقـيـيـمي المُشتَـرَك لِصُنـدوق الـنَـقـد الـدَولي والـبـنـك الـدَولي في نـيـسان ٢٠١٦Financial Sector Assessment Program FSAP اسـتِـناداً الى حِـسـابـات مَـصـرِف لـبـنان، الـمَـوقـوفـة بـنِهاية ٢٠١٥، كـانَـت أوَّلَ مُـسـتَـنَـدٍ رَســمي يُـؤَشِّـر إلى خُـطورة الاخـتِـلالات في هَـذه الحِسابـات. فَـقَـد ظَهَـرَ بِـأنَّ صافي احـتـيـاطـات مَـصرِف لـبـنـان، بَـعـدَ احـتِـساب مَـوجـودات الـذَهَـب الـتي كانـتْ تُـساوي آنَـذاك ٩،٨ مـلـيارات دولار، كـان سَـلـبـيَّاً بـنَحـو ٤،٧ مـلـيار دولار. هـذا يَعـني أنَّ صافي احـتـيـاطي مَـصرِف لـبـنان مِـن عُـملات أجـنَـبـيَّة، مِـنْ دون احـتِـساب الـذَهَـب، كـان بِـنِهاية الـعـام ٢٠١٥ سَــلـبِـيَّـاً بِـقـيـمـة ١٤،٥ مـلـيار دولار (٤،٧+٩،٨)، غَـطّاهـا مِـنْ أمـوال الـنـاس الـمُـودَعـة في الـمَـصارِف الـتي كانَـت قَـد أودَعَـتْ مُـعـظَـمَها لَـدى مَـصرِف لـبـنان بِـفَـوائِـد مُغـرِيَـة.
حِـيـنَـذاك، وعِـوَضَ الشُـروع في تَصحـيـح الـوَضع، عَـمَـدَ مَـصرِف لـبـنان إلى الـطَـلَـب مِـن مُـعِـدّي الـتَـقـريـر عَـدَم نَـشـرِه بِـذَريـعـة ” الـمُحافـظة عـلى الاسـتِـقـرار”. وفي اوائِـل الـعـام ٢٠١٧، أصَـدَر صُـنـدوق الـنَـقـد الـدَولي تَـقـريـراً أغـفَـلَ ذِكـر حَـجـم الـخَسائِـر.
وإمـعـانـاً في تَـشـويه الـحَـقـائِـق والـتَـعـمـية عـلى الـواقِـع الألـيـم بِـغَـطـرَسَةٍ غَـيـر مَـعـهـودة، بَـدأت في خِـلال الـعـام ٢٠١٦ هَــرطَـقَـةُ مـا سُـمِّـي “هَـنـدَ سـات مـالـيَّة “. تَـزايَـدَ الـصافي الـسَـلـبي لاحـتـيـاطي مَـصرِف لـبـنـان بِـالـعُـملات الاجـنـبـيَّـة مِـن ١٤،٥ مـلـيار دولار بِـنهـاية الـعـام ٢٠١٥ إلى ٦٣ مـلـيار دولار بِـنهاية الـعـام ٢٠٢١، تَـغَـطَّى مِـنْ ودائِع الـنـاس بِـالـدولار، وتَـحَـوَّلَ إلى خَـسائِـر فِـعـلِـيَّـة تُـضاف إلى دَيـن الـخَـزيـنة الكَـبـيـر أصلاً.
مِـنْ نافِـلَـةِ الـقَـول بِـأنَّ حَـجـم الـمَـديـونـيَّـة الـعـامَّـة قَـد بَـلَـغَ هـذه الـمُسـتَـويـات الـكـارِثِـيَّـة نَـتـيجـة تَـراكُـمـات عـلى مَـدى ثـلاثـيـن عـامـاً مِـنْ سُـوء الإدارة وعَـدَم الـكـفـاءَة والـفَـساد والـهَـدر في مـالـيّـة الـدَولَـة ومـؤَسَّـسـاتِـهـا الـعـامّـة. يُـضافُ إلَـيـهـا الـزَبـائِـنـيَّـةُ والــرَيـعُ والـلّا إنـتـاجـيَّةُ في الاقـتِـصاد وعَـدَمُ الـمُساءَلـة، وتَـغـطـيَةُ ” الـسَـماوات بِالـقَـبـوات “، مِـمّـا تَـسـبَّـبَ بانهـياراتٍ لَـمْ يَسـبِق لها مَـثـيلٌ في العالَـم مُـنـذُ العام ١٨٥٧، وَفـقَ تَـقـريـر الـبَـنـك الـدَولي تاريخ ٣١ أيّـار٢٠٢١ بِـعُــنـوان « لـبـنـان يَـغــرَق Lebanon Sinking ».
وكانَـت الـمَـنـظـومَة الـسياسيَّة والـمـالـيَّة الـتي تَـكَـوَّنَتْ في أوائِـل الـتِسعـيـنات، قَـد حاوَلـتْ مُعالَجة الأزمَة بـحُـلـولٍ تَـرقـيـعِـيَّة اسـتَـنَـدَت بِـمُـعـظَـمِـها إلى الـقُـروض، عَـبـرَ مـؤتَـمَـرات عُـقِــدَتْ في الـخـارِج. فَـكـانَ باريـس ١ في ٢٣ شـباط ٢٠٠١، وباريـس ٢ في ٢٣ تـشـرين الـثـاني ٢٠٠٢، اســتُـتـبِـعـا بِـباريس ٣ في ٢٥ كـانـون الـثـاني ٢٠٠٧ عَـقِـبَ حَـرب تَـمُّـوز ٢٠٠٦.
وجـاءَت الأزمـة الـمـالـيَّة الـعـالَـمِـيَّة في الـعـامَـيـن ٢٠٠٨ وَ ٢٠٠٩ لِـتَـطمُـس حَـقـيـقَـة الـوَضع الـمُهـتَـرِئ في لـبـنان مُـذَّاك، فـتَـدَفّــقَـت الـمِـلـيارات وَفـاقَ مَـجـمـوعُـهـا عِـشريـن مـلـيار دولار في فَـتـرَة أربَـع سَــنـوات، مـِن ٢٠٠٧ إلى ٢٠١٠. لَـكِـنَّ هَــذه الأمـوال الـتي أُغـدِقَــتْ عَـلَـيهـا الـفـوائِـد، مـا لَـبِـثَـت أنْ غـادَرَتْ لـبـنـان تَـدريـجـيَّـاً ابـتِـداءً مِـنَ الـعـام ٢٠١١ مَـع انـدِلاع الأحـداث في سُوريّا، وازدادَتْ وتـيـرةُ الـتَحـويلات إلى الـخـارِج وحَـجـمُها عَـقِـب احـتِجـاز رئـيس الـحُـكـومَة الـلـبـنـانـيَّة في الـرِيـاض عـام ٢٠١٧.
انـفَـجَـرَ الـوَضع عـلى إثـرِ أحـداث تـشـريـن ٢٠١٩ وبـدأت الـحَـقـائِـق تَـتَكَـشَّـف، فُـطُـرِحَ الـتَـدقـيـق الـجِـنـائي واتَّخَـذَتْ الـحُـكـومة بِـتـاريـخ ٢٦ آذار ٢٠٢٠ قـراراً بِـإجـرائِـه لِـلـتَـثَـبُّـت مَـن حَـقـيـقـة الأرقـام ومَعـرِفـة كَـيـفَ هُـدِرَتْ الامـوال ومَـنْ كـانـوا الـمُـسـتَـفـيـديـن. وكـان لافِـتـاً أن يَـتَـحَـدَّثَ الـرئـيـس الـفَـرَنـسي في أيـلـول ٢٠٢٠ عَـن Ponzi Scheme لـبـناني.
إنَّ فَـجـوَةَ مَـصرِف لـبـنان، أي خَـسائِـرَه المُـتَـراكِـمة عَـبـرَ الـسِـنـيـن، والـمَخـفـيَّة في بُـنـود عِـدَّة مِـنْ مـيـزانـيَّـتِه، خُـصـوصاً ضِمـنَ “مَـوجـودات أُخـرى” خِلافاً لأُصول الـشَفـافـيَّة، والـتي لا تَـقِـلّ راهِـناً عَـنْ ٦٣ مـلـيار دولار، هـيَ الـفـارِق:
– بَـيـنَ إيـداعـات الـمَـصارِف لَـدى مَـصـرِف لـبـنان بـالـعُـملات الأجـنَـبـيَّـة، الـتي تَـفـوقُ راهِـناً
٨٢ مـلـيار دولار، تَـعـود بِـمُعـظَـمِهـا لِـودائِع الـنـاس في الـمَصارف، الـتي تَـبـلُـغ الـيَـوم ١٠٤
مـلـيار دولار.
– وبَـيـنَ مـا أقـرَضَه مَـصرِف لـبـنان لِلـدَولـة بِـمَـوجَـب سَـنَـدات يـوروبـوندز (٥ مـلـيار دولار)؛
والـرَصيد الـمُـتَـبَـقّي هـوَ مِـنَ الاحـتـياطي الإلـزامي.
ونُـشيـر إلـى أنَّ مـيـزانـيَّة مَـصرِف لـبـنان لَـمْ تَـلحَـظ دُيـونـاً عـلى الـقِـطـاع الـعـام سِـوى اكـتِـتَـابـاتِـه بِالـيـوروبـوندز وبـسَـنـدات الخَـزيـنة بالـعُـمـلَة الـوَطَـنـيَّة. كـما أنَّ دِراسـة أعَـدَّهـا الـدكـتـور تـوفـيـق كَـسـبّار في تـشريـن الأوَّل ٢٠٢٠ تُـبَـيّـن بِـأنَّ الـدولارات الـتي دَفَـعَها مَـصرِف لـبـنان لِـشـراء الـفـيـول لِـمَـصلَحة مـؤَسَّـسة كَهـرَباء لـبـنان، في خِـلال فَـتـرَة الـسَـنـوات ٢٠٠٩ إلى ٢٠١٩، تَـبـلُغ ١٧،٥ مـلـيار دولار اسـتَحـصل مُـقـابِـلَـها مِـنَ الخَـزيـنة عـلى سَـنـدات يـوروبـوندز، سَـدَّدَ قـيـمَـتَهـا لـيـراتٍ لـبـنانـيَّة.
بِـمَعـنى آخَــر، يُـقَــدَّر إجـمـالي الـدَيـن الـعـام (حُـكـومي+ فَـجـوَة مَـصرِف لـبـنان) بِحَـوالي ٩٦ ألـف مـلـيار لـيـرة لـبـنـانـيَّة وَبِـنَحـو ١٠٢ مـلـيار دولار (٣٩+٦٣). وَمِـنَ الـمُـفـتَـرَض تأكـيـد هـذه الأرقـام في الأسـابـيع المُـقـبِـلَـة لِـتَـستَـنِـد إلَـيهـا الـحُـكـومة في خُـطَّـتِهـا لـلـتَـعـافي، وَلِـتُـفـاوِض صُـنـدوق الـنَـقــد الـدَولي على أسـاسِها.
بـالـتـالي، يَـكــون مَجـمـوع الـمَـديـونـيَّـة الـعـامَّـة :
١٦٦ مـلـيار دولار عـلى أسـاس ١٥٠٠ لـيـرة لِلـدولار، لَــمْ يُـنـفَـقْ مِـنهـا لإعـادة إعـمار لـبـنان، في أواسِـط الـتِسـعِـيـنات، سِـوى ٤ إلى ٥ مـلـيارات دولار،
أو ١١٠ مـلـيارات دولار عـلى أسـاس ١٢ ألـف لـيـرة لِلـدولار،
أو ١٠٩ مـلـيارات دولار عـلى أسـاس ١٣٧٠٠ لـيـرة لِلـدولار،
أو ١٠٨ مـلـيارات دولار عـلى أسـاس ١٦ ألـف لـيـرة لِلـدولار.
ولأنَّ الـثَـروَة الـوَطَـنـيَّة تَـتَـمَـثَّـل بالـثَـروَة الـعَـقـاريَّة وبالـثَـروَة الـمالـيَّة مُجـتَـمِعَـتَـيـن، فَـلا بُـدَّ مِـنَ التَذكـيـر بِأنَّ اللبنانيّين بـاعـوا مِـنْ مَـوجـوداتِـهـم الـعَـقـارِيَّة في خِـلال الـثَـلاثـيـن سَـنة الـماضيَة بِـما يَـزيـد عَـن ١٥٠ مـلـيار دولار. بـالـتـالي، تَـكَـوَّنَـتْ خِـساراتٌ مـالـيَّة وعَـقـاريَّة مِن مَـصادِر مُـتَـعَـدِّدة، بِـنَـحـو ٣٠٠ مـلـيار دولار في ثـلاثَـة عُـقـود، عَـلاوةً عَـنْ هِـجـرَة أكـثَـر مِـن ٣٠٠ ألـف عـائِـلة لـبـنانـيَّة بَـحـثَـاً عَـنْ فُـرَصِ عَـمَـلٍ وعَـيـشٍ كَـريـمٍ.
أمًـا بالـنِسبَة لِـتَـوزيعِ الخَـسـائِـر بَـعـدَ تحـديـدِ حَـجـمِهـا، وَبـما أن صُـنـدوق الـنَـقـد الـدولي لا يـقـبَـل الإقـراض إلّا بَـعـد تَخـفـيـض حـجـم الـدَيـن الـعـام إلى اقـلّ مِـنْ اجـمالي الـنـاتِـج الـمَـحَـلّي مُـضافـةً إلـيَـه قـيـمَة الـذَهَـب الـتي تُـساوي بالأسعَـار الـرائِجـة قُـرابَة ١٦،٥ مـلـيار دولار، فـإنَّ الـدَيـن الـعـام الـمَـطـلـوب إبـقـاؤه في الـدَفـاتِـر، هـو بـحُـدود ٣٩ مـلـيار دولار. بِـالـتـالي، يُـفـتَـرَض إطـفـاء الجُـزء الأكـبَـر مِـنَ الـمَـديـونـيَّة الـعـامَّة بِـما فـيـهـا خَـسائِـر مَـصـرِف لـبـنان، ضِـمـنَ خُـطَّـة الـحُـكـومة لـلـتَـعـافي. وهُــنـا الـنِـقـاش حَـول مَـنْ سَــيَـتَـحَـمَّـل الخَـسائِـر وكَـيـفَ سَـتَـتَـوَزَّع!!!
في ســيـناريـو سِـعـر صَـرف الـدولار ب ١٦ ألـف لـيـرة مَـثَـلاً:
– يَـكـون قــد جَـرى إفـقـار مُعـظَـم الـشَعـب الـلـبـناني بحَـوالي ٥٨ مـلـيار دولار نَـتـيجة الـفـارِق في
سِـعـر الـدولار بَـيـن ١٥٠٠ وَ ١٦٠٠٠ لـيـرة (١٦٦ مـلـيار ــ ١٠٨ مـلـيار)،
ـ ويَـكـون مَـبـلَـغ الـدَيـن الـعـام، بَـعـدَ تَـخـفـيـضِ سِعـر الـصَرف وتَحـريـرِه (١٠٨ملـيارات دولار)،
نـاجِـمـاً عَـنْ خَـسـائِـر مَـصـرِف لـبـنـان بـنَحـو ٦٣ مـلـيار دولار، وعَـن رصيـد الـدَيـن الـعـام
الـحُـكـومي (٣٩ مـلـيار دولار+ ٦ مـلـيارات دولار بـالعُـمـلَـة الـوَطَـنـيَّة).
– ويَـكـون حَـجـمُ الخَـسـائِـر الـمَـطـلـوب شَـطـبُهـا، في إطـار خُـطَّـة الـتَـعـافي الـمالي وقَـبـلَ الاتِّـفـاق
مَع صُـنـدوق الـنَـقـد الـدَولي، ٦٩ مـلـيار دولار، ما يُـوازي حَـجـم خَـسائِـر مَـصرف لـبـنان زائِـد
قُـرابَة ٦ مـلـيارات مِـنَ الـدَيـن الـعـام الحُكـومي.
– ويَـكـون رَصـيـد الـدَيـن الـعـام، قَـبـل الحُـصـول عـلى قُـروضٍ مُـيَـسَّـرة، ٣٩ مـلـيار دولار (أدنـى
قَـلـيـلاً مـِن إجـمـالي الــنـاتِـج الـمَحَـلّي + قـيـمَـة احـتـيـاطي الـذَهَــبْ).
بِالـنِسـبَة لِـدُيـون الـقِـطاع الـخـاص الـمُـتَـعـثِّـرة، إمّا جـرى تَـسديـدهـا مِـن خِـلالِ بُـيـوعـات عَـقـارِيَّة، وإمّـا عَـمَـدَتْ الـمَـصارِف الى تَـكـويـن مَـؤونـاتٍ كـافـية مـقـابِـلُهـا.
أمّـا كَـيـفَ سَـيَـتَـوَزَّعُ الجُـزءُ الـمَـطـلـوبُ شَــطـبُه مِـنَ الـخَـسائِـر، بـقـيـمَة ٦٩ مـلـيار دولار، بَـعـدَ الإبـقـاءِ عـلى عـاتِـق الخَـزيـنـة ٣٩ مـلـيار دولار وبَـعـدَ تَحـمـيـلِ مُـعـظَـم الـشعـب الـلـبـناني عِــبءَ ٥٨ مـلـيار دولار، فَـبَـديهيٌّ أنْ تَـعـتَـمِـدَ الخُـطَّـةُ الـحُـكـوميَّةُ الـعـدالـةَ والإنـصاف على أسـاس مَـنْ اسـتَـفـاد أكـثَـر يَـتَحَـمَّـل أكـثَـر، وهـوَ مَـبـدأ طـالَـبَـتْ بِـه رئـيـسة صُـنـدوق الـنَـقـد الـدَولي في بَـيـانٍ أصـدَرَتهُ بِـتاريـخ ٩ آب ٢٠٢٠ حَـولَ الـوَضع في لـبـنان. تَحـديـداً، يُـفـتَـرَض أن يَـتَـوَزَّع بَـيـنَ الـمَـصارِف ومَـصرِف لـبـنان وحامِـلي الـيـوروبـوندز الآخَـريـن، وأيـضاً كِـبـار الـمُـودِعـيـن بالـعُـملات الأجـنَـبـيَّـة مِـنْ خِـلال إعـادة احـتِـساب مُـعَـدَّلات الـفَـوائِـد الـمُـرتَـفِـعـة الـتي حَـصَلـوا عـلَـيهـا، ومَعَ دَرس إمـكـانـيَّـة الاسـتِـفـادة مِـنْ إيـرادات بَـعـضٍ مِـنْ مَـوجـوداتِ الـدَولة بَـعـد إجـراء مَـسحٍ شـامِـلٍ لَـهـا.
أمّـا مُـحاوَلاتُ الـبَـعـض تَـحـويـلَ مُـعـظَـم مُـدَّخَـرات الـنـاس بالـدولار الى لـيـرات لـبـنانـيَّـة، فـهيَ اعـتِـداءٌ صارِخ عـلى مُـمتَـلـكـاتِـهـم وجَـنى عُـمـرِهِـم، ومُخـالَـفـةٌ فـاضِحـة لـمُـقَـدِّمَة الـدُسـتـور.
إنَّ هَـذهِ الاجـراءات الـمـالـيَّـة والـنَـقـديَّـة لَـنْ تَـفي بـالـغَـرَض إنْ لَـمْ تَـتَـرافَـق مَـعَ ذِهـنِـيَّـة جَـديـدة في الـتـعـاطي مَـع قـضـايـا الـشأن الـعـام، ركـيـزَتُها الـمُسـاءَلَة والـمُحـاسَـبة، ومَـعَ الـبَـدء الـفَـوري بِـإصـلاحـات بُـنـيَـوِيَّـة جَـدِّيَـة في كـافَّـة الـمـجـالات، لا سِـيَّـما الـسِـياسـيَّـة والاقـتِـصاديَّـة والـمـالـيَّـة والـنَـقـدِيَّـة والـمَـصرِفـيَّـة والـحِـمايـة الاجـتِـماعِـيَّـة والـرِعـايـة الصِـحـيَّـة، كـمـا عـلى الصَعـيـدَيـن الـتَـربَـوي والاسـتِـشـفـائي.
المصدر: أخبار البلد – مـنـصور بـطـيـش