كتب حسين زلغوط في” اللواء”:
تعكس التطورات اللبنانية اليومية على المستويات السياسية والاقتصادية والمالية، وما يرد من تقارير خارجية ونصائح دبلوماسية للمسؤولين أجواء سوداوية حيال الوضع اللبناني، ويقابل هذه الأجواء غياب تام لأي معالجات جدية لأي من الملفات المطروحة، وهو ما يبرر ما قاله رئيس مجلس النواب نبيه بري الأسبوع الفائت بأن لبنان أصبح في «منتصف الليل».
وإذا كان هناك اهتمام دولي لافت حول ضرورة أن يعمل المسؤولون في لبنان معاً لإيجاد مخارج لأزماتهم، غير أن هذا الاهتمام يقابل بلا مبالاة لدى هؤلاء المسؤولين الذين يخوضون يومياً سجالاً عاصفاً يوحي وكأن الأمور ذاهبة إلى الأسوأ في ظل مشهد من الفوضى على المستوى السياسي وسعر صرف الدولار، بالاضافة إلى الرقابة المفقودة على صعيد المواد الغذائية، وهذا المشهد الداخلي المؤلم يُؤشر إلى أن الأزمة السياسية التي تُرخي بظلها على كل شيء ستبقى في دائرة المراوحة الثقيلة التي تبعث على الخوف من أن تتفرع عن الأزمات الموجودة أزمات أخرى غير موضوعة في الحسبان تأخذ البلاد والعباد إلى ما لا يحمد عقباه.
وقد حذر الأمين العام للأمم المتحد أنطونيو غوتيريس من التقاهم من المسؤولين من مغبة الاستمرار في سلوك السياسات الخاطئة في معالجة المواضيع الداخلية، مشدداً على أنه لا يكفي أن يقف العالم مع لبنان، فيما المسؤولون فيه لا يكترثون للأزمات التي تشد على خناق المواطنين الذين لم تعد لديهم القدرة على مواجهة مشاكلهم، في ظل طبقة سياسية لا تضع في أولوياتها إلا مصالحها الخاصة.
وفي تقدير مصادر سياسية أن الزيارة المطولة للأمين العام للأمم المتحدة إلى بيروت والتي تنتهي اليوم الأربعاء تؤكد بأن العالم لن يترك الشعب اللبناني لمصيره، وهو كان واضحاً في تصريحاته بأن المجتمع الدولي لن يتوانى عن تقديم المساعدة للشعب اللبناني، وفي ذلك إشارة واضحة إلى الثقة المفقودة بين المجتمع الدولي والسياسيين اللبنانيين، وهذا ما يجعل أي زائر دولي يتحدث عن دعم للشعب اللبناني ويتغافل في الكلام عن أي إشارة إلى الحكومة اللبنانية التي تتلقى فقط النصح بضرورة الولوج في العملية الإصلاحية كممر وحيد لوصول المساعدات إلى لبنان، وهم يزيدون على ذلك في الوقت الراهن بضرورة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها وبشكل شفاف ونزيه للشروع في الحلول المطلوبة للأزمة في لبنان، وكان واضحاً السيد غوتيريس بهذا الخصوص، حيث أكد من قصر بعبدا في اليوم الأول لزيارته لبنان على ضرورة عبور لبنان إلى الانتخابات النيابية، وهذا يدل بوضوح على أن هذا الاستحقاق هو الآن الهدف الرئيسي الذي يسعى المجتمع الدولي للوصول إليه في ظل ظروف داخلية آمنة.
وتستغرب المصادر كيف أن العالم برمته الآن قد دخل مدار المتغيرات، حيث يظهر جلياً بأن المنطقة مقبلة على متغيرات جذرية على أكثر من صعيد، وهو ما تؤشر إليه المفاوضات الدولية في أكثر من مكان، والاتصالات واللقاءات التي تجري في الإقليم على أكثر من مستوى فيما المسؤولون في لبنان لا يواكبون هذه الحركة الخارجية ويستمرون في صراعاتهم التي تزيد الأمور تعقيداً على الصعد كافة.
وفي الوقت الذي بدأت الماكينات الانتخابية تتحرك في المناطق قبل انطلاق عجلة الانتخابات فإن المصادر السياسية تترقب ما ستؤول إليه المفاوضات بين الحكومة وصندوق النقد الدولي في ضوء الرغبة الدولية بالوصول إلى اتفاق بين الطرفين قبل حصول هذه الانتخابات، وهذه الرغبة تبلَّغها المسؤولون في لبنان على لسان منسق المساعدات الدولية من أجل لبنان، وموفد القصر الرئاسي الفرنسي بيار دوكان خلال زيارته بيروت الأسبوع الماضي، وزاد في ذلك أن جدد تأكيد باريس في المضي في حشد الدعم الدولي للبنان لفتح باب الحوار حول المشاريع التي أتت على ذكرها المؤتمرات الدولية التي انعقدت من أجل لبنان.
وحول ما إذا كان صندوق النقد سيلبي الحكومة بكل ما تطلبه من مساعدات أوضحت المصادر السياسية أن أي مساعدة لن تكون مفتوحة وهي ستعطى تحت سقف محدد، إذ أن صندوق النقد يأخذ في حساباته قدرة لبنان على سداد الدين، وقروض هذا الصندوق كذلك سدادها في وقت محدد أيضاً، إذ إن عملية السداد تبدأ بعد أربع سنوات تقريباً، وتمتد إلى عشر سنوات كحد أقصى بحسب قيمة القرض ومدته، على عكس قروض البنك الدولي الذي يعطي قروضاً طويلة الأجل تمتد على أكثر من عشرين عاماً.
وبرأي المصادر أنه في حال تم الاتفاق مع صندوق النقد قبل الربيع المقبل، فإن لبنان لن يكون في مقدوره البدء بالخروج من أزماته الحالية قبل خمس سنوات على أقل تقدير، وهو ما يعني أن اللبنانيين سيبقون تحت وطأة ما نعيشه اليوم لفترة ليست بقصيرة، هذا في حال جرت الرياح كما تشتهي سفن الحكومة اللبنانية.