كتبت سابين عويس في” النهار”:
في لجنة المال والموازنة، مشروع قانون قدّمه نواب “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” يرمي الى استرداد الأموال النقدية والمحافظ المالية المحوّلة الى الخارج بعد ١٧ تشرين الأول ٢٠١٩، تاريخ اندلاع الانتفاضة الشعبية، يلزم مجموعات محدّدة من الاشخاص، أن يعيدوا أية أموال عامة ومحافظ مالية حوّلوها الى الخارج بعد ذلك التاريخ.
مع تقدم البحث في هذا المشروع وإقرار ٣ مواد منه، بدأت مخاطره تتكشف، خصوصاً بعدما تبيّنت الأهداف التي يصبو إليها مقترحوه، والتي تحت شعارات شعبوية تدغدغ المودعين ‒ الناخبين على أبواب الانتخابات النيابية، ترمي الى إعادة الأموال المحوّلة الى الخارج، سيؤدي في واقع الأمر الى ضرب النظام الاقتصادي الحرّ كما نصّ عليه الدستور لجهة حماية حرّية انتقال الأموال، ويعيد لبنان الى العصور الحجرية بما يقضي في شكل كامل على النظام المصرفي.
فبدلاً من أن يأتي القانون ليشرّع إعادة الاموال المهرّبة من قبل أصحاب النفوذ أو من يُعرفون بالمعارضين سياسياً، أبعد هؤلاء عن مندرجات المشروع، وحصره بمساهمي المصارف الحائزين ما لا يقل عن ٥ في المئة من رأسمالها والمديرين التنفيذيين فيها ومحاميها والذين يقومون بخدمة عامة ويتقاضون مالاً عاماً وأزواجهم وفروعهم القاصرين. وفي التبرير لهذا الأمر يعتبر المشروع أن هؤلاء استعملوا نفوذهم والأسرار التي اطلعوا عليها، وخالفوا تعاميم مصرف لبنان التي دعا فيها المصارف الى حث عملائها على إعادة نسبة من الاموال المحوّلة.
يعاقب المشروع من لا يعيد التحويلات باعتبارهم حصلوا على أموالهم هذه بصورة غير مشروعة وبمبالغة قانون الإثراء غير المشروع وقانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، ما يجعلهم مرتكبين جرماً جزائياً عقوبته الحبس.
يتزامن بحث هذا المشروع في لجنة المال والموازنة مع الإعلان الأميركي الفرنسي الأخير عن التوجّه الى معاقبة الفاسدين في لبنان، علماً بأن هذا التوجّه يستهدف الطبقة السياسية المتهمة بعرقلة المسار السياسي في لبنان.
وبناءً على ذلك، تداعت جمعية المصارف أمس الى عقد جمعية عمومية استثنائية تناولت مشاريع القوانين والتوجّهات العامة لمعالجة الأزمة الاقتصادية، و”النمط السائد الرامي الى إثقال المصارف بالتزامات قانونية ونظامية لا طاقة لها على تحمّلها، واستنزافها لأغراض آنية من دون تحديد المسؤوليات ومعالجتها في شكل عادل”، كما جاء في بيان الجمعية، التي نبّهت الى “خطورة التشريع جزائياً بمفعول رجعي وفقاً لعدد من المشاريع المطروحة وهي مخالفة للدستور ومن شأنها إذا أقرت، حمل المصارف المراسلة الاجنبية على وقف التعامل مع القطاع المصرفي اللبناني وحمل المودعين ايضاً على وقف الإيداعات بما فيها الأموال الجديدة لدى المصارف اللبنانية”.
تفادت الجمعية تسمية المشروع باسمه واكتفت بالاشارة الى مشاريع القوانين، علماً بأن أكثر المشاريع إقلاقاً لها هو ذلك المتعلق بالتحويلات. لا يلغي ذلك القوانين الأخرى كالدولار الطالبي أو غيره من الإجراءات التي يفرضها المصرف المركزي بطلب من الحكومة على المصارف لتطبيقها.
ويأتي بيان الجمعية منسجماً مع الرأي القانوني الذي كانت قد طلبته من محاميها، وقد أورد فيه ملاحظاته على مشروع القانون والمخالفات الدستورية التي ينطوي عليها، إن في صيغة المشروع في حدّ ذاته أو في مخالفته للدستور اللبناني لجهة تجريمه تصرّفات تمّت قبل صدوره أي عندما لم تكن تشكل مخالفة لأيّ نص قانوني، أو لجهة مخالفته المادة الثامنة من الدستور التي تنصّ على احترام الحرّية الشخصية، أو مخالفته للمبادئ القانونية العامة التي تشكّل المدماك الأساسي لأيّ دولة.
في خلاصة الجمعية العمومية، قررت المصارف التوجّه نحو أصحاب الشأن والمعنيين من أجل شرح مخاطر المشروع، ولكن المشكلة الأساسية التي يواجهها أصحاب المصارف أنهم باتوا عاجزين عن الدفاع عن مؤسّساتهم ومصالحهم، بعد عامين على الأزمة عجزوا خلالهما عن إدارتها بما يحفظ ثقة المتعاملين. وهذا ما يجعلهم فريسة سهلة لتحمّل وزر الأزمة ودفع أثمانها، علماً بأن ما يخشاه مصرفيون أبعد من ذلك، إذ إن المسألة في رأي هؤلاء لا تقف عند حدّ إيجاد كبش محرقة للأزمة المالية وإبعاد أصحاب النفوذ عن تحمّل مسؤوليتها، كما أنها لا تقف عند ممارسات حاقدة على النظام المصرفي ومحاولة استهدافه ولا سيما من قبل من هم مدرجون على لائحة العقوبات الاميركية ويعجزون عن التصرّف بأموالهم، بل هي في الواقع عملية استهداف واضحة لتغيير وجه النظام الاقتصاد الحرّ ومدماكه القطاع المصرفي، بحيث يسقط القطاع بجريرة المصارف التي أخطأت، متحمّلاً وزر أخطائها.
ولأن الزمن اليوم هو زمن الانتخابات والخطابات الشعبوية، فإن تمرير مشاريع مماثلة يصبح أكثر سهولة، مهما تكن كلفته على البلد وعلى النظام الحرّ فيه. وهذه المخاوف تدفع المصرفيين المشار إليهم الى التنبيه الى هذه المخاطر وأخذها في الاعتبار عند إقرار المشروع بحيث يتم تعديله بما يتناسب مع صون النظام الاقتصادي، واستهداف المرتكبين الذين تثبت عليهم تهم الفساد والإثراء غير المشروع واستغلال الوظيفة العامة لتحقيق المكاسب المادّية
هل يمرّ المشروع؟ سؤال يقضّ مضاجع المصرفيين الذين يأملون ألّا تسيطر الحسابات الانتخابية والمزايدات حول استرداد الأموال المهرّبة على غيرها من الحسابات فتسقط المصارف ويسقط معها النظام الحرّ!