يقف اللبناني عصام أمام صندوق المحاسبة في أحد مخابز منطقة النويري في العاصمة بيروت، منذ الصباح الباكر حاملاً بيده سبع ربطات خبز من الحجم الكبير، بعدما سمع من المحيط أن أزمة رغيف تلوح في الأفق.
ويخبر عصام «الشرق الأوسط» بأن «الخبز هو الشيء الوحيد الذي يُشبعنا نحن الفقراء في هذه الظروف الصعبة»، ويعرب عن تخوفه من رفع الدعم عن الطحين أيضاً: «يعني ربطة الخبز قد تصبح بأكثر من 30 ألف ليرة لبنانية! ماذا يأكل الفقير؟ حتى الرغيف الفارغ قد نحرم منه»، يقول بقلق.
وأدى نضوب احتياطي الدولار لدى مصرف لبنان إلى رفع الدعم عن مواد حيوية مدعومة كالأدوية والوقود، وسط توقعات برفع الدعم عن الخبز أيضاً. ويسأل مصدر نقابي «الشرق الأوسط»: «ما الذي يمنع وزير الاقتصاد من رفع الدعم عن القمح؟ خصوصا بعدما رفع الدعم عن البنزين والمازوت والغاز والأدوية ولم يتحرك الشارع». ويقول: «في حال تم رفع الدعم عن القمح قد يتخطى سعر ربطة الخبز الـ30 ألف ليرة لبنانية (دولار وعشرة سنتات على سعر صرف السوق)، فلن يقبل أحد بأن يبيع بخسارة».
وشكا عدد كبير من أصحاب الأفران من انخفاض كميات الطحين المخصّصة لصناعة الخبز اللبناني التي تَصِلهم من المطاحن، بسبب عدم وجود القمح المدعوم لدى العديد من المطاحن.
وفي هذا الصدد، أجرت وزارة الاقتصاد والتجارة اتصالات مع مصرف لبنان لحل المشكلة، وبقي أصحاب المطاحن والمخابز بانتظار ما سينتج عنها قبل اتخاذ أي خطوات. وكانت معلومات وكالة الأنباء «المركزية» المحلية قد أفادت بأن النقص في مادة الطحين المدعوم ناتج عن تأخير توقيع وزارة الاقتصاد والتجارة فواتير استيراد القمح، وبالتالي توقف مصرف لبنان عن تنفيذ وصرف هذه الفواتير من دون تنسيق مع الوزارة المعنية مباشرة بموضوع الرغيف.
وفي هذا الإطار، قال رئيس تجمع أصحاب المطاحن أحمد حطيط لـ«الشرق الأوسط» إنه تبلغ أمس (الخميس) من اثنين من أصحاب المطاحن بأن مصرف لبنان وقع على شحنتي الطحين الخاصة بهما، وأضاف: «على ما يبدو أن الاتصالات بين وزارة الاقتصاد والمصرف المركزي قد أدت إلى حلحلة». ويوضح حسن الذي يعمل في أحد الأفران المشهورة في بيروت لـ«الشرق الأوسط»، أن الإنتاج في الفرن خفّض منذ حوالي الأسبوع نظراً لشح مادة الطحين، كما يشير في الوقت نفسه إلى وجود إقبال كبير على شراء الخبز في اليومين الأخيرين وأن الناس تقوم بتخزين كميات كبيرة خوفاً من انقطاعه من الأسواق أو رفع سعره.
ويستورد لبنان كل احتياجاته من القمح تقريباً. وبحسب حطيط فإن وزير الاقتصاد أمين سلام طرح موضوع القمح المدعوم على المجلس الأعلى للدفاع كما بحث فيه مع الرئيس اللبناني ميشال عون «ويبدو أن هناك نوعاً من التوافق على الاستمرار بدعم القمح»، لكنه يقول: «في هذا البلد لا شيء مضمون، حتى لو قالت الجهات المعنية إن الدعم مستمر ما الذي يجبرهم على الالتزام؟». ويرى أن «رفع الدعم عن الخبز حسّاس ومعنوي أكثر من أي موضوع آخر لأنه يمس بلقمة الفقير»، وبحسب تقديراته فإن الدعم سيستمر أقله إلى فترة ما بعد الانتخابات النيابية المقبلة. ويوضح حطيط أن المخابز ستشهد حلحلة في الأيام المقبلة، لافتاً إلى أن «هناك ثلاثة مطاحن نفذت كمية القمح لديها لكن البواخر موجودة في المرفأ ومع موافقة مصرف لبنان على الاستمرار بالدعم ستعود الأمور إلى طبيعتها خلال يومين أو ثلاثة».
وذكرت «الوكالة الوطنية» أمس أن مصرف لبنان وافق على فواتير استيراد القمح التي كانت متوقفة لديه بعد الجهود التي قامت بها وزارة الاقتصاد والتجارة معه، والتي أدت إلى صرف كل فواتير مبالغ دعم القمح للمطاحن التي كانت تنتظر تقييم كميات القمح المدعوم والارتفاع الملحوظ في أسعاره العالمية، مما سيمكن المطاحن من استيراد حاجاتها من القمح المدعوم لصناعة الخبز.
ومع استفحال أزمة المحروقات في لبنان وانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة في صيف عام 2021 تعطلت كل المرافق الحيوية في البلاد، وكان لرغيف الخبز نصيبه أيضاً، إذ أدى انقطاع مادة المازوت إلى توقف المخابز عن العمل، ثم تم رفع سعر ربطة الخبز أكثر من 50 في المائة مع رفع الدعم عن المحروقات.