ثمة من يعتقد ان بنود الصفقة الهالكة التي انهارت مع انتهاء مهلة المجلس الدستوري للبت بالطعن الذي تقدم به نواب كتلة لبنان القوي بالتعديلات التي وضعها مجلس النواب بات السقف الادنى لأي حل يمكن ان تنتهي اليه معظم المبادرات المطروحة للخروج من ازمة التعطيل الحكومي وباقي الازمات التي تناسلت ونمت على هامشها بعدما طالت وتشعبت على اكثر من مستوى قضائي ومالي وإداري منذ تعليق اعمال مجلس الوزراء في الثاني عشر من تشرين الاول الماضي واحداث الطيونة وعين الرمانة في الرابع عشر منه.
تعترف مراجع سياسية وحكومية في حديثها الى “المركزية” ان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي كان صادقا في توصيفه للواقع السياسي عندما لفت في احد تصريحاته منذ يومين الى ان “الأمور هي حاليّاً على صورتها المعروفة وعلى حالها من الجمود”. لكن توسعه وتوقعه بأنّ “كلّ المبادرات الممكنة مؤجّلة إلى ما بعد عطلة الأعياد المجيدة” فتح الافق على ضرورة مواكبة حركة الإتصالات المنتظرة في الأيام المقبلة لرصد مواقف الأطراف المعنية بما يمكن ان تأتي على ذكره من مخارج وحلول باتت صعبة للغاية.
قالت هذه المراجع ان معظم المواقف مما هو قائم من عقد باتت واضحة للغاية ولا سيما تلك المرتبطة بالمخرج المحتمل لمصير قاضي التحقيق العدلي طارق البيطار كما يراه “الثنائي الشيعي” ولم يظهر ان هناك من هو قادر على تغييره او تعديله والتخفيف من شروطه ايا كانت الكلفة المقدرة على البلد والمؤسسات المهددة بفعل الشلل الحكومي. فالمواقف المعلنة كما غير المعلنة ما زالت على تشددها وهي قلصت الاحتمالات الممكنة من خارج السلك القضائي الذي قال كلمته في أكثر من مناسبة ومحطة وعبر عن تمسكه بموقف البيطار. وهو ما جسده خطاب رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي سهيل عبود امام خريجي دورة معهد القضاة اخيرا وترجمته تعليمات النيابة العامة التمييزية للقوى الامنية التي تشكل الضابطة العدلية بتنفيذ مذكرة التوقيف الصادرة بحق النائب علي حسن خليل وتوقيفه وإحضاره مخفورا أمام القضاء العدلي خارج اعمال الدورة العادية لمجلس النواب وهما خطوتان عبرتا عن موقف ثابت للجسم القضائي لا يتزحزح وليس من السهل التلاعب به او تغييره تحت اي ظرف.
ولذلك فان الحديث عن تصلب الثنائي ليس له ما يبرره في مواجهة الجسم القضائي المحصن بمجموعة من الأنظمة والقوانين المرعية الإجراء وهو ما قصده القاضي عبود بكل كلمة عبر عنها في خطابه الذي حمل جوابا غير مباشر على الرسالة التي قصد رئيس مجلس النواب نبيه بري توجيهها اليه في لقائه مع أعضاء مجلس نقابة المحررين قبل أيام قليلة على حفل التخرج.
وان كان الثنائي الشيعي مصرا على اتهام العهد ممثلا برئيس الجمهورية وكتلة لبنان القوي بدعم البيطار ، فانه يتجاهل في الوقت عينه اصرار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على تجنيب القضاء التدخلات السياسية حفاظا على الحد الادنى من مبدأ الفصل بين السلطات وحماية الجسم الذي يعتقد بانه ما زال من الأعمدة التي يراهن عليها المجتمع الدولي الى جانب المؤسسات العسكرية والأمنية على انها من بقايا الدولة الصامدة والتي عليها الدور الأساسي في إدارة ملف العلاقات مع صندوق النقد الدولي والمؤسسات المانحة من باب حماية مبدأ الحوكمة الرشيدة والحد الادنى من الشفافية التي يطالب بها المجتمعان الدولي والأممي تمهيدا لاستعادة نوع من الثقة المفقودة بالدولة ومؤسساتها.
على هذه الخلفيات، تخشى المصادر من صعوبة ان يرى اي مخرج النور إن بقيت المواقف على حالها. فالتفرد الذي يقوده فريق العهد في مواجهة التفرد الذي عبر عنه الثنائي الشيعي وضع باقي الفرقاء إما على هامش المواجهة او انهم سقطوا على الطريق فباتت المواجهة محصورة بين الطرفين المتشددين وهو ما سيؤكد عليه او ينفيه رد فعل رئيس الجمهورية الذي كشف عن حديث متلفز له يوم الاثنين المقبل يتناول فيه الازمة الحكومية ومستجدات الوضع في البلاد تمهيدا للكلمة التي تحدث عنها رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في اطلالته الموعودة بعد رأس السنة بيومين. فإن لم يوسع باسيل من دائرة حلفائه سيؤكد مرة اخرى ان المواجهة ما زالت قائمة من ضمن فريق “مار مخايل” ولم يتدخل فيها سوى “حلفاء الحلفاء” ليبقى موقف ميقاتي وغيره من القوى السياسية خارج دائرة المواجهة وإن كانوا من المتأثرين بنتائجها.
وعليه، ومن دون الدخول في الكثير من التفاصيل تنتهي المراجع عينها لتقول ان بقيت الحلول المطروحة من ضمن الصفقة التي فشلت القوى المتدخلة فيها في ترجمتها، فإن الحديث عن المخارج سيبقى املا موعودا وبعيد المنال. وعندها قد تتخذ المواجهة اشكالا أخرى قد تؤدي الى شل مجلس النواب بعد رفض رئيس الجمهورية فتح الدورة الاستثنائية وتتأثر التحضيرات المطلوبة للانتخابات النيابية وتأهيل خط نقل الغاز المصري على الشبكة المتضررة بين حمص ودير عمار الى ما هنالك من معوقات مادية وإدارية ومالية تنتظر ان يقرها مجلس الوزراء. وعليه ستتفتح العيون صباح كل يوم بعد رأس السنة على أزمات يومية تتوالد وتتناسل الى ما شاء الله.
المركزية