كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:
جنوح أغلبية القطاع الخاص باتجاه دفع رواتب عماله بالدولار، قابله تخفيض بقيمة الرواتب الفعلية بنسبة تراوحت بين 30 و70 في المئة. فتسعير مختلف السلع والخدمات بالدولار النقدي، أو بما يوازيه بالليرة على سعر صرف السوق، وسّع هامش الدفع بالدولار في المؤسسات. بيد أن تراجع الناتج الوطني من حدود 56 مليار دولار إلى أقل من 20 ملياراً انعكس بشكل واضح على الدخل الفردي المقوم بالعملة الأجنبية. ما يحصل بطريقة طبيعية هو “إحدى الوسائل لوقف انهيار القدرة الشرائية للمواطنين، وإعادة الاستقرار النقدي للبلد”، برأي رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق د. باتريك مارديني، “إذ لا مخرج من الأزمة إلا بالدولرة الشاملة”.
المفارقة اليوم أن دولرة الرواتب لم تعد مع التعميم 161 مقتصرة على عمال القطاع الخاص، إنما طالت أيضاً موظفي الدولة وكل من يتقاضى مستحقاته من البنوك. وإذا كانت هناك من نية حقيقية لحل الأزمة النقدية “أنصح بالسماح لجميع المؤسسات في لبنان بالتسعير بالدولار كخطوة ثانية”، يقول مارديني. و”مع تكامل القبض والتسديد بالدولار النقدي لا يتأمن الاستقرار في الأسعار فحسب، إنما تتم المحافظة على المتبقي من القدرة الشرائية للعمال والموظفين. ذلك أن استمرار انهيار الليرة مقابل الدولار سيقضي على الرواتب والأجور. ومن غير المستبعد أن تصبح قيمة ما يتقاضاه العمال والموظفون بالدولار نصف أو حتى ربع قيمته الراهنة. انطلاقاً من هنا، فان دولرة الرواتب تمنع انهيار المداخيل بشكل كامل.
وفي حال الوصول إلى تسديد الرواتب والتسعير بالدولار، “لا يبقى إلا خطوة واحدة لوقف الانهيار الحر والمتسارع”، من وجهة نظر مارديني، “تتمثل في شراء مصرف لبنان الليرات بالدولارت الموجودة في حوزته على سعر صرف منصته. وعند هذه النقطة تلغى الليرة اللبنانية وننتقل إلى نظام مدولر. حيث يصبح الدولار هو العملة الرسمية. وذلك على غرار الأكوادور وغيرها من الدول”.
“ما يعتمد اليوم من حلول آنية ترقيعية، ولا سيما من خلال التعميم 161 يمكن أن يتحول جدياً إلى حل انقاذي مستدام من أجل وقف الانهيار النقدي، وما يتركه من آثار كارثية على قدرة المواطنين الشرائية”، برأي مارديني. وعن مصادر الدولار يعتبر مارديني أن الدولرة الشاملة تحول مداخيل الدولة من عوائد وضرائب ورسوم وجمارك إلى الدولار، ما يتيح لها الدفع من جهة أخرى لموظفيها بالدولار. وفي حال ترافقت هذه الخطوة مع الاصلاحات المطلوبة فان حصة الفرد من الدولار ترتفع سواء كان مستثمراً أو موظفاً في القطاع الخاص أو العام.
يبقى أن دولرة الرواتب التي قضت على ظاهرة الشيكات باللولار، أدت إلى إحجام مؤسسات القطاع الخاص عن التعامل مع المصارف وتعزيز الاقتصاد النقدي. وهذه الاشكالية الخطيرة على الاقتصاد لن تحل إلا بعد إعادة هيكلة البنوك وعودة الثقة بالنظام المصرفي.