بدأ العدّ العكسي لنهاية عام واستقبال آخر. قد لا تكون مناسبة “سعيدة” للاحتفال في لبنان، على وقع الضغوط السياسية والاقتصادية والاجتماعية غير المسبوقة. حتى من يرغب في “الاحتفال” قد لا يجد لذلك سبيلاً، إما لأنّ الأسعار باتت “خياليّة” بالنسبة إلى العملة “المنهارة”، وإما لأنّ الظروف “النفسية” في أسوأ أحوالها، وهي لم تترك مجالاً لأيّ “ترفيه” عن النفس، ولو كان أكثر من مشروع
لعلّه العام “الأسوأ” على الإطلاق في التاريخ الحديث هو ذلك الذي “يتأهّب” للرحيل، على الأقلّ في “وجدان” اللبنانيين. لا “مبالغة” في ذلك على الإطلاق، بعدما ضرب هذا العام الأرقام “القياسيّة” في معدّل “الانهيارات” التي طالت كلّ المستويات والقطاعات، من الاقتصاد إلى السياسة مرورًا بالأمن والصحة، حتى أضحت الحياة الاجتماعية “في خبر كان”، وما عادت “تنسجم” مع قدرات اللبنانيين وتطلّعاتهم، وحتّى أولويّاتهم.
هو أيضًا عام “الدولار” دون منازع، عامٌ أضحى فيه سؤال “قديش الدولار” الشغل الشاغل للبنانيين، يطرحونه مع كلّ يوم، وأحيانًا عدّة مرّات في اليوم، لا رغبة منهم في “صرف” دولاراتهم، التي باتت “عملة نادرة”، ولكن لمعرفة “القعر” الذي وصلوا إليه، والذي توحي كلّ الأجواء بأنّه “بلا حدود”، بعدما لامس الـ30 ألف ليرة، فيما “يبشّر” البعض بمستويات “قياسية” أخرى لن يتأخّر في الوصول إليها.
انهيار “شامل”
هو “الدولار” إذاً الذي استحقّ لقب “نجم العام” لبنانيًا، بعدما خطف كلّ الأضواء على وقع الانهيار غير المسبوق في العملة الوطنية، انهيارٌ انعكس على حياة اللبنانيين بشكل مباشر، بعدما تُرجِم ارتفاعًا فاحشًا في الأسعار، بحيث ما عادت تناسب يوميّات المواطنين، الذين أجبِروا على تغيير “نمط” حياتهم، بعدما تحوّل معظمهم إلى “فقراء جديد” وفقًا لتصنيف المؤسسات الدولية، بفعل أزمة قال الإعلام الغربيّ إنّها تحدث “مرّة في القرن”.
لكنّ الانهيار الذي شهده لبنان هذا العام، لم يكن اقتصاديًا محضًا، فالواقع السياسي لم يكن أفضل، وإن بدا الأمران “مترابطَين” في الكثير من المحطّات. فالفراغ كان سيّد الموقف لبنانيًا، قبل وبعد ولادة الحكومة، التي تعرّضت للضغوط من الداخل قبل الخارج، والخلافات بين المكوّنات السياسية لم تتوقف على امتداد العام، حتى أنّها مرجّحة للتفاقم أكثر في مستهلّ العام الجديد، وبدا كأنّ البعض يعيش “انفصامًا” عن واقع “الانهيارات” المتمادي.
ونتيجة للانهيار السياسي والاقتصادي، بدا الانهيار الأمني والاجتماعي “تحصيلاً حاصلاً”، فالجرائم ازدادت، والبطالة ارتفعت، والتضخّم تخطّى كلّ الحدود المرسومة. أما الطامة الكبرى، فكانت في القضاء، مع تحويل التحقيقات بجريمة انفجار مرفأ بيروت إلى أداة “ابتزاز” في السياسة، على وقع تعليق التحقيقات المتكرّر بفعل دعاوى “كفّ اليد”، وصولاً إلى “توتير” الشارع، كما حصل في أحداث الطيونة الدموية، التي كادت “تنزلق” نحو “الحرب”.
الحكومة “المعطَّلة”
وسط هذه الصورة السوداوية والضبابيّة، قد تكون ولادة الحكومة، بعد أشهر طويلة من الفراغ، “بارقة الأمل” الوحيدة التي حملها العام المنصرم، بعدما نجح الرئيس نجيب ميقاتي، وفق مبدأ “الثالثة ثابتة”، على تشكيل مجلس وزراء أراده متجانسًا ومنتجًا وفاعلاً، فاستطاع تقليص التباينات، وتقريب وجهات النظر، ليشكّل حكومةً حملت ولادتها إيجابيّة كبيرة، سرعان ما انعكست بخفض سعر الدولار في غضون أيام قليلة.
وإذا كانت الحكومة استطاعت تحقيق عدد من الخطوات في فترة وجيزة، وأطلقت “برنامج عملها” من خلال انطلاقها بالمفاوضات مع صندوق النقد، بوصفها “خارطة الطريق” التي لا بدّ منها للإنقاذ، إلا أنّ جهودها تعرّضت لضربة في الصميم، مع التعطيل والشلل الذي أصابها، جراء إصرار فريق أساسيّ فيها على “مقاطعة” جلساتها، مشترطًا “عزل” القاضي طارق البيطار للعودة إليها.
ولأنّ مثل هذا الأمر ليست من “صلاحيّات” الحكومة، وفق تأكيد رئيسها نجيب ميقاتي، الذي يرفض الدعوة لجلسة “بمن حضر”، لأنّ ذلك سيكون بمثابة إطلاق “الرصاص” على الحكومة ككلّ، فإنّ الأزمة “رُحّلت” إلى العام الجديد على امل اقتناع كل الاطراف بضرورة لم الشمل الحكومي لتنفيذ العمل المطلوب.
ينقضي عام 2021 على وقع المزيد من “الأزمات” إذًا، وكأنّ كلّ “انهيارات” العام لا تكفي. أما اللبنانيون، فلا يشغلهم سوى “سعر الدولار”، وخوفهم من ارتفاعات “قياسية” أخرى، تتخطى قدراتهم على “الصمود”، وقد باتوا على “آخر نفس”، بكلّ معنى الكلمة. وبالانتظار، يودّع اللبنانيون العام “الأسوأ”، ولسان حالهم: “هل ثمّة ما هو أسوأ”؟!