كتبت جويل رياشي في ” الأنباء الكويتية”:
عكس اقبال المواطنين على مراكز الأمن العام اللبناني طلبا للحصول على جوازات سفر، المشهد الذي دمغ سنة 2021 اللبنانية، التي تلفظ انفاسها الاخيرة بعد ساعات.
سنة الانهيار الاقتصادي، الذي تجلى خصوصا في القطاعين الصحي والتربوي وفي الدوائر والمؤسسات الرسمية، دفعت اللبنانيين الى المغادرة قسرا، طلبا لتأمين معيشة لائقة لأسرهم وتأسيس مستقبل للذين بدأوا حياتهم المهنية من الشابات والشبان. ولا ننسى ان مغادرة البلاد طلبا لفرص عمل أفضل تتيح الحصول على العملة الصعبة، وهي الوسيلة الوحيدة للحديث عن راتب لائق، في ظل تهاوي رواتب الموظفين اللبنانيين في القطاعين العام والخاص.
أمام الضغط غير المسبوق طلبا لجوازات السفر، وفي ضوء انخفاض كمية دفاتر الجوازات التي تطبع في الخارج، في مطابع معروفة بطبع العملة، لجأت المديرية العامة للأمن العام الى تحديد «كوتا» لكل من مراكزها المنتشرة على كافة الأراضي اللبنانية. وكان تدبير قضى بمنح المواطنين الراغبين الحصول على جوازات مواعيد مسبقة لتقديم طلباتهم، بفترة انتظار لا تقل عن ثلاثة أشهر.
الى ذلك، شهدت منطقة السوديكو في بيروت، ازدحاما غير معهود على مركز الأمن العام الذي يوفر خدمة الحصول على جوازات سريعة، وبدأت طوابير الانتظار منذ الساعة الرابعة صباحا، سعيا للحصول على «دور».
القطاع الصحي بخطر في هذا الاطار، تلقى القطاع الصحي ضربة قوية، عبر انخفاض قيمة رواتب الأطباء وطواقم التمريض، ما دفع بهؤلاء ايضا الى السعي لتأمين فرص عمل في الخارج، من دول الخليح العربي وصولا الى أوروبا.
كذلك يمكن الحديث عن انهيار نظام الحماية الاجتماعية الصحية، المتمثل بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وتعاونية موظفي الدولة، وصولا الى شركات التأمين التي عجزت عن الإيفاء بالتزاماتها مع الزبائن، جراء انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية، وبلوغ الدولار الأميركي عتبة قياسية غير مسبوقة ناهزت الـ28 الف ليرة.
هكذا انتقل اللبنانيون الى «اقتصاد الكاش»، وصار الرخاء متاحا لمن يملك سيولة نقدية بالعملة الأجنبية او اللبنانية (جراء خفض المصارف سقف السحوبات الشهرية بالليرة اللبنانية).
وقد طاول الانهيار الدوائر الحكومية التي يغيب عنها الموظفون جراء ارتفاع أسعار المحروقات بعد أزمة لم يعرفها لبنان في عز الحرب الأهلية.
ولارتفاع اسعار المحروقات قصة ثانية: فكل شيء تبدل من جرائها، وانعكس ارتفاعا لأسعار كل السلع، من السلع الغذائية وصولا الى وسائل النقل، حتى بات الحديث عن تخطي أسعار نقل التلميذ بالحافلة المدرسية كلفة القسط المدرسي السنوي.
القطاع التربوي لم يسلم، وقد هزته فضيحة تزوير شهادات من قبل إحدى الجامعات ومنحها شهادات مغشوشة الى طلاب عراقيين. وعلى صعيد آخر، فشل نظام التعليم عن بعد في التعليم العام خصوصا لأسباب عدة، في طليعتها عدم توافر خدمة الانترنت والحواسيب والالواح الذكية لكافة التلامذة. وكان قرار حاسم بفتح المدارس والجامعات وإقفال صفوف تقع فيها أصابات كورونا للتلامذة.
إلى الهجرة دربين المغادرين أنطوان وهو شاب مصرفي كانت تعده إدارة أحد المصارف لتولي مسؤولية مدير إقليمي بعد نجاحه في إدارة فرع كبير. الا انه اختار تلبية عرض للعمل في دبي بعد تدني قيمة راتبه.
كذلك يتحدث والد صبية وشابين عن عدم جدوى التحاق أولاده بالعمل في لبنان: «لأن ابنتي الحائزة شهادة في الهندسة الكيميائية لن تحصل على أكثر من خمسة ملايين ليرة، اي زهاء 186 دولارا، ما لن يكفيها لتسديد تكاليف النقل، والأمر عينه لكافة المتخرجين الجدد». كان الحديث في السابق عن «هجرة الأدمغة» وتحول في أيامنا هذه الى «هجرة جماعية بداعي العمل»، بعد انهيار الرواتب.
وفي المقابل، يتمسك كثيرون بالبقاء، وهم بغالبيتهم من الحاصلين على رواتب بالعملة الصعبة، فيما يقدم مغتربون على الاستثمار وشراء الشقق والأراضي إيمانا منهم «ان البلد سنهيض من جديد».
2021 اللبنانية كانت تتمة للانهيار الذي بدأ بالخروج الى العلن في القسم الأخير من 2019.
ولابد من الاشارة الى ان الساعات الأخيرة من 2021، شهدت سباقا بين إقبال ميسورين على السهر وعداد كورونا الذي عاد الى تسجيل أرقام قياسية.
تبقى السمة الأبرز لـ 2021 زوال ما كان يعرف بالطبقة الوسطى، وتحول أفرادها الى فئة الطبقة الفقيرة، وإن كان البعض منها تمكن من الصمود جراء حصولهم على رواتب بالدولار الأميركي او مساعدات من اهل لهم في الخارج.