شهد عام 2021 ظاهرة خطيرة تمثلت بفوضى لأسعار الصرف في لبنان، حيث إنتشر في لبنان عدد كبير من أسعار الصرف جرى إعتمادها بناء على تعاميم لمصرف لبنان، إلى جانب سعر الصرف في السوق السوداء الذي تتحكم به التطبيقات الهاتفية وسعر الصرف الرسمي الذي لا يزال معتمداً حتى الآن أي الـ 1500 ليرة.
وفي هذا الإطار، أكّد رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق الخبير الإقتصادي الدكتور باتريك مارديني على أن “تعدّد أسعار الصرف ظاهرة مؤذية للإقتصاد، الأمر الذي يسلّط الضوء على ضرورة توحيد سعر الصرف”. وأعلن أن “الطريقة الوحيدة لذلك هي من خلال إنشاء مجلس نقد يلغي السوق السوداء ويقوي الليرة ويثبّت الدولار، وبالتالي إمكانية تحويل الليرة الى دولار وبالعكس من دون قيد أو شرط”. وأشار إلى ان “أي معالجة لإنهيار سعر الصرف وتوحيده بعيداً عن إنشاء مجلس نقد هي آنية وغير مستدامة، ما يعني ان “إنشاء مجلس نقد هو الخيار الوحيد للحكومة في العام 2022 تجنبا للانهيار الإضافي لليرة.”
واعتبر مارديني أن “هناك مصالح خاصة تمنع انشاء مثل هذا المجلس، لأن هناك من يستفيد من التضخم المفرط من أجل التخلص من خسائر الحكومة الناجمة عن القروض التي اخذتها من القطاع المصرفي”.
مصير أسعار الصرف
وفيما لا توجد بوادر حقيقية توحي بالعمل على توحيد أسعار الصرف، يبدو ان مصير أسعار الصرف المتعددة سيكون واحد، وهو الإرتفاع:
سعر صرف الدولار الجمركي: هناك تأكيدات على أن القرار برفع سعر صرف الدولار للجمركي قد إتخذ والدولة اللبنانية تنتظر الوقت المناسب لتطبيقه. وتؤكد المعلومات أن القرار قد حسم بإعتماد سعر الصرف على منصة صيرفة كسعر صرف للدولار الجمركي، علماً أنه خلال 2021 جرى إعتماد أسعار صرف متعددة لسعر صرف الدولار الجمركي وصلت إلى 16 ألف ليرة.
سعر صرف الدولار على منصة صيرفة: إرتفع سعر صرف الدولار على المنصة من 12200 ليرة في 31 أيار 2021إلى 22600 ليرة في نهاية كانون أول 2021 في موازاة إرتفاع سعر الصرف في السوق السوداء. ومن المتوقع أن يتابع سعر صرف منصة صيرفة الإرتفاع بشكلٍ متواصل في عام 2022، مع إرتفاع سعر صرف دولار السوق السوداء، حيث حالياً المؤشرات تؤكّد أن سعر صرف السوق السوداء يسير في مسارٍ تصاعدي.
وأكد مارديني أن “الهدف من منصة صيرفة هو تمكين مصرف لبنان من خلال خلق آلية له للتدخل في سوق الصرف والإبطاء من وتيرة الانهيار من خلال شراء الليرة وضخ الدولار عبر منصة صيرفة لتهدئة الوضع المالي”.
سعر صرف دولار السوق السوداء: على رغم ضرورة لجمه، يؤكّد المتابعون لشؤون الإقتصاد اللبناني أن مسار سعر صرف الدولار في السوق السوداء سيكون تصاعدياً على رغم المستويات القياسية التي سجلها نهاية عام 2021. كما يؤكد الخبراء أن لا سقف لإرتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء، إذ أنّ كل الأرقام قد تكون خارج التوقعات في ظل التأزم السياسي الذي يعيشه لبنان والخلل الذي ضرب علاقات لبنان مع الدول الخليجية، ومواصلة طباعة العملة الوطنية وإنفلاش الكتلة النقدية بالليرة.
واعتبر مارديني أن “انهيار سعر صرف الليرة يعود الى سببين: زيادة الطلب على الدولار، والانخفاض في عرض الدولار. فالمصرف المركزي منذ بداية الأزمة رفع الكتلة النقدية بالليرة نحو 7 اضعاف، من 5 الاف مليار ليرة الى 45 الف مليار ليرة اليوم. إضافة إلى الكثير من الخضات السياسية التي جعلت الناس تشعر بالخوف وتحول الليرة الى دولار”.
وأشار مارديني إلى أن “الليرة اللبنانية ستشهد مزيداً من الإنهيار لا سيما في ظل الحديث المتواصل عن رفع الرواتب والاجور الذي سيموّل من طباعة الليرة”.
ووفقا لمارديني “بدل الحديث عن زيادة الأجور، الأجدى بالدولة تخفيض سعر صرف الدولار وتقوية الليرة بهدف دعم القدرة الشرائية للمواطن”.
سعر صرف الدولار المصرفي (اللولار) : في تشرين أول 2021، رفع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة سعر صرف الدولار للسحوبات المصرفية من 3900 إلى 8000. ويعتبر ارتفاع سعر صرف السحوبات المصرفية مرجّحاً بشكل كبير إلى الإرتفاع في عام 2022، لاسيما أنّ الفارق يكبر بينه وبين سعر صرف السوق السوداء والذي يفوق حالياً الـ20 ألف ليرة، ما يعتبره المودعون إجحافاً كبيراً جداً بحقّهم وسط إتّهامات لحاكم مصرف لبنان بمحاولة إطفاء خسائر المصارف عبر تحديد سعر صرف منخفض للسحوبات المصرفية.
سعر الصرف الرسمي (1507 ليرة): على رغم بأنه أضحى بحكم الميت منذ وقت طويل، بقي سعر الصرف الرسمي طيلة عام 2021 مستقراً على 1500 ليرة، إلا أنّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أعلن قرب نهاية العام أن السعر الرسمي للعملة الوطنية لم يعد واقعيّاً وأن تعديله حاجة لتوحيد سعر الصرف بمعزل عن إستقرار سياسي وقبل الإتفاق مع صندوق النقد الدولي.
وفي حين يؤكد بعض الخبراء أن تعديل سعر الصرف الرسمي ليس بالأمر السهل إذ أن أمام الدولة ومصرف لبنان مجموعة تحديات وفي مقدمها تعديل الأجور والرواتب ، يشير المتابعون إلى قرب تعديل سعر الصرف الرسمي بموازاة المفاوضات التي ستتم مع صندوق النقد الدولي. كما يؤكدون إنه في حال كان هناك موافقة من السلطة السياسية ستكون الطريق سالكة أمام تعديل سعر الصرف الرسمي رغم غياب الإصلاحات، ما قد يحمل مآسي للمواطن اللبناني بشكل كبير كون الكثير من الخدمات تتم على هذا السعر.
وعن كيفية إحتساب سعر الصرف الرسمي، تشير المعلومات إلى أنه في 17 تشرين أول 2019 كان حجم الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية 13.5 تريليون ليرة لبنانية في مقابل سعر صرف رسمي 1507 ليرة للدولار، أما اليوم فالكتلة النقدية تصل إلى 54 تريليون ليرة أي أنها تضاعفت 4 مرات تماماً. لذلك من البديهي أن يكون سعر الصرف مضاعف 4 أضعاف الـ1507 ليرة أي قرابة ال6000 ليرة.
ووفقاً لمارديني “في ضوء تعديل سعر الصرف الرسمي ورفعه الى 6 أو 8 الاف ليرة الى جانب رفع سعر صرف الدولار الجمركي، لن يكون بإمكان الدولة أو المصارف انشاء موازناتهم على اساس سعر صرف 1500 ليرة، الأمر الذي سيظهر عجزاً كبيرا في ميزانية الدولة بالليرة وحجم خسائر اكبر في القطاع المصرفي، كما سيرفع سعر السلع المستوردة عبر الجمارك.”
السعر الحقيقي للدولار مقابل الليرة
واعتبر مارديني إنه “إذا اراد أي مواطن لبناني أن يعرف سعر الدولار الحقيقي، وجب عليه شراؤه”. وقال: “هل نستطيع شراء الدولار على سعر الـ1500 ليرة او 8000 ليرة؟ الجواب طبعاً لا. ما يعني أن المصارف تسلب الودائع على دولار 8 الاف ليرة، والأمر نفسه ينطبق بالنسبة لباقي الأسعار الأخرى كسعر منصة صيرفة حيث بعض المحظيين يحصلون على الدولار وفق سعر الصرف الذي تعتمده”.
وأكد مارديني أن “السعر الحقيقي للدولار مقابل الليرة هو 30 الف ليرة، أما باقي الأسعار هي إصطناعية”.
المصدر : lebanon economy