كتبت د. نعمة جعجع في” اللواء”:
يشتدُّ الخناقُ على أعناق اللبنانيين ويغيبُ دورُ الدولة تمامًا وكأنها غير معنية بما يحلّ بمواطنيها فهي تغطّ في نومٍ عميق ولا تريد أن يوقظها أحد، تاركةً للمنظمات الأهلية والجمعيات تدبّر أمر القضايا الاجتماعية والإنسانية.
تأتي حكومةٌ وتذهب وتخلفها أخرى والمشترك بين الحكومات هو التعابير الخلاّقة التي تملأ بياناتها الوزارية، لكن اللبنانيين ما زالوا في غُرف الانتظار يتحرّقون للدخول في زمن الإصلاحات الموعودة.
وبغياب أي تصوّر واقعي للخروج من الأزمات التي تواجه اللبنانيين، لا بدّ من مواجهة سلوك الفساد والإنتهازية لدى أصحاب القرار بإرادة اللبنانيين الشرفاء وتصميمهم على الخروج من المستنقعات التي أوصلهم اليها أهل الفساد والإنحطاط الذين أجهزوا على العملة الوطنية، الإقتصاد، العدالة، الصحة، التربية، تمامًا كالجراد الذي عمّق آثار المجاعة إبّان الحرب العالمية الأولى.
لبنان ليس دولة مفلسة على الإطلاق، بل جعلوا منه دولة متعثرة غير قادرة على تلبية حاجات مواطنيها ونهَم وجشع مسؤوليها في آنٍ واحد، لكننا لا زلنا قادرين على النهوض بتبنّي أقصى درجات الشفافية والنزاهة والمساءلة وضبط الإنفاق بحيث لا تُقرَّر أي نفقات مالية غير إستثمارية جديدة من دون واردات إضافية، ويتم تكريس إستقلالية القضاء وإبعاد السياسة عنه على طريق تعزيز الثقة قولًا وفعلًا ليصبح بالإمكان جذب الإستثمار المحلي والعربي والأجنبي وإعادة تأكيد تنافسية إقتصادنا الوطني وإيجاد فرص عمل جديدة بدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة.
الإصلاحات المنشودة للنهوض في لبنان تبدأ بقطاع الطاقة الذي استنزف الخزينة نتيجة عجز كهرباء لبنان وسوء الجباية والهدر في التوزيع والتعرفة المتدنية عن الكلفة، ما تسبّب بحوالي نصف الدين العام، ونشوء ظاهرة المولّدات الخاصة التي أصبحت قدراتها تفوق إمكانات المؤسسة، وأصبحت شرًا لا بد منه لانتشال الناس من العتمة. لا قيامة لهذا القطاع إلا بتطبيق قانون الشراكة بين العام والخاص بحيث يُعهَد الإنتاج والتوزيع إلى القطاع الخاص، وتحتفظ كهرباء لبنان بمهمّة نقل التيار من المنتج إلى الموزّع منعًا للإحتكار، لتعود الكهرباء إلى المشتركين «سالمة» وبفاتورة واحدة أقلّ تكلفة من مجموع الفاتورتين المسدّدتين حاليًا.
في المقالات المقبلة «كل إثنين» سنسلط الضوء تباعًا على خطوات الإصلاح للنهوض في سائر القطاعات رغبةً في إضاءةِ شمعةٍ بدلَ لعنِ الظلام.