كتب محمد دهشة في” نداء الوطن”:
لم يرقَ الحراك الصيداوي الى مستوى الغضب الشعبي العارم على الارتفاع الصاروخي لسعر صرف الدولار الاميركي، بقي محدوداً واقتصر على تحركات خجولة قام بها سائقو السيارات العمومية (التاكسي) دون باقي القطاعات وحتى مجموعات الحراك، رفضاً لتردي الاوضاع المعيشية وغلاء المحروقات وامتداداً الى رغيف الخبز وبينهما الدواء وكل مقومات الحياة، من مواد غذائية واستهلاكية بات المواطنون عاجزين عن شرائها. واعتبر البعض ان الاحتجاج، على رغم محدوديته، مقدمة لتسخين فاعليات الاضراب العام الذي سينفذه قطاع النقل البري في لبنان غداً الخميس، للضغط على الحكومة لتحقيق مطالبه في دعم السائقين امام ارتفاع المحروقات، وأكثر من ذلك رسالة مؤداها انه اذا لم تقم الدولة بواجباتها سريعاً في تطبيق وعودها فان التحركات ستكون مؤلمة بقدر جوع الناس ووجعها.
“جوّعونا”… كلمة اختصرت كل صرخات السائقين، الذين قطعوا الطريق وسط ساحة النجمة وشارع رياض الصلح الرئيسي في صيدا، بسياراتهم والعوائق الحديدية قبل احراق الاطارات المطاطية. أغمي على السائق محمد الجردلي بعدما بح صوته وأخرج كل ما في صدره من وجع مزمن، قال: “لقد جوعونا، والناس بعدها ساكتة، حرام عليكم، ربطة الخبز اصبحت بـ 11 ألفاً وكرتونة البيض بـ 120 ألفاً، وتنكة البنزين بـ 375 ألفاً”، متسائلاً بغصة “كيف سيأكل الفقير، لم نعد قادرين على التحمل والصمود أكثر، نزلنا الى الطريق للاحتجاج على الطبقة الفاسدة، اليوم وكل يوم والخميس القادم سنقوم بالتحركات الاحتجاجية والاضراب، لسنا محزبين ولا مسيّسين نتحدث من حرقة قلبنا عني وعن غيري، الناس اختنقت والدولار يحلق عالياً”. دقائق قليلة واغمي عليه وسقط ارضاً، سارع زملاؤه الى نجدته، واتصلوا بفريق الانقاذ الشعبي الذي حضر وأسعفه حتى استعادة وعيه.
في المقلب الآخر، افترش السائق محمد خشان الارض بجسده، الى جانب اطارات مطاطية وحجارة وعوائق، رفض فتحها لانه ضاق ذرعاً بالركض وراء لقمة العيش والغلاء، قال: “لم اعد استطيع علاج ولدي المريض، الاستشفاء غال جداً والدواء بين مقطوع ومفقود. أعمل على التاكسي ليلاً ونهاراً ولا اوفر قوت اليوم فكيف بالعلاج”؟
سائقو التاكسي أجمعوا على تفاقم المعاناة مثل العداد، كل يوم بارتفاع، وأكدوا ان “العادة كانت أن يصدر جدول تركيب أسعار المشتقات النفطية مرة واحدة في الأسبوع، بينما اليوم أصبح يصدر جدولان أسبوعياً وقد نصل الى ثلاثة جداول وفق سعر الدولار، والمنطق ان تراعي الدولة الشعب وتحافظ على قدرته الشرائية، لا أن تلحق بالتجار بما يقررونه من دون الالتفات الى وجع الناس”.
صرخات السائقين في ساحة النجمة، صدى لاوجاع اللبنانيين الذين لازم كثير منهم المنازل، حيث لا يرون بعد الآن في حراك الشارع على حاله حلاً مجدياً، اذ لم تقم انتفاضة شعبية عارمة لا تغادر الطرقات والساحات. وقال محمود البني: “لقد استيقظنا اليوم على ارتفاع في سعر المحروقات ارتباطاً بارتفاع سعر الدولار الأميركي، وما نراه أن المافيات هي من تدير البلد ونحن خاضعون لها، يجب ان يكون تحركنا منظماً كي يأتي بنتيجة ايجابية لا ينعكس سلباً بالمزيد من اليأس والاحباط”.
في احياء المدينة وشوارعها، ترجم الوجع قلقاً متزايداً، اقبال على السوبرماركت والدكاكين للتزود بالاحتياجات والبضائع قبل ارتفاع اسعارها، ومثلها على الافران للتزود بالخبز، ولوحظ انها لم تعد توزع اكياس النايلون على الزبائن لوضع ربطات الخبز، الحمل بالمفرق كما الوجع، وامتداداً الى باعة الخضار فان بعضهم بات يضيف 500 ليرة ثمن كيس النايلون، لقد وصلت الامور الى هذا المستوى، فيما تتزايد الوعود بالمحاسبة في الانتخابات النيابية المقبلة وكأنها مفتاح الحل”.