كتب المحامي حسن بيان في ” اللواء”:
يسود انطباع شائع عند تناول سعر صرف الليرة اللبنانية تجاه الدولار الأميركي بشكل خاص، بأن الدولار يسجل ارتفاعاً متصاعداً تجاه العملة الوطنية، بحيث يبدو بأن سعر الدولار هو المتحرك صعوداً أو هبوطاً، فيما لا يؤشر على الليرة هبوطاً أو صعوداً. قد يكون ترويج هذا الانطباع مفهوماً أو مبرراً عند العامة، لكنه غير مبرر أن يروّج هذا المفهوم لدى الخاصة أو الوسائط الإعلامية والتي يفترض بها أن تقارب هذا الموضوع من زاويته العلمية وليس من خلال الانطباع الشعبي المتكوّن حول هذه الظاهرة.
ان الخاصة، والمقصود بذلك الذين يدركون عن علم ومعرفة قواعد احتساب أسعار العملات في سوق الصرف والعوامل المؤثرة في تحديد سعر صرف العملة تجاه المعيار الذي يعتمد كمرجعية تحتسب على أساسه أسعار العملات الأخرى، وقعوا في الخطأ الشائع الذي يطرأ حول التبدلات التي تطرأ على سعر صرف الليرة تجاه الدولار الأميركي.
قبل اتفاقية «بريتون وودز»، وهو الاسم الشائع لمؤتمر النقد الدولي الذي انعقد من ١ الى ٢٢ تموز ١٩٤٤ في نيوهامشر بالولايات المتحدة الأميركية، كان الذهب يعتمد كمرجعية لاحتساب سعر العملات والمعادن. لكن بعد ذاك المؤتمر أصبحت العملة الأميركية المرجعية النقدية التي تحتسب على أساسها سائر العملات الأخرى والمعادن والمواد الأولية. ومنذ ذاك التاريخ أنزل الذهب عن عرشه ليحلّ محله الدولار الأميركي الذي تحولّ من عملة داخلية الى عملة دولية كنتيجة طبيعية لصعود القوة الأميركية وخاصة في المجال الاقتصادي.
ان فرض الدولار الأميركي مرجعية نقدية تحتسب على أساسها أسعار العملات والمعادن والمواد الأولية، منح أميركا ميزة التحكم بنظام التحويلات المالية في ظل هيمنتها على المؤسسة النقدية الأهم وهي صندوق النقد الدولي والذي يهدف بحسب ما نص عليه نظامه الأساسي الى استقرار النظام النقدي العالمي، فيما البنك الدولي يهدف الى محاربة الفقر بتقديم المساعدة للدول ذات الدخل المتوسط والمنخفضة. ومع ان هاتين المؤسستين يفترض أن تعملا بتوجيه من الأمم المتحدة إلا ان الواقع غير ذلك لأن القرار الأميركي هو الذي يتحكم بأدائهما.
ومن هنا، فإن الدولار الأميركي الذي تحتسب بالنسبة إليه أسعار العملات والمعادن والمواد الأولية هو الثابت فيما العملات الأخرى تتحرك صعوداً أو هبوطاً بالنظر الى ما تنطوي عليه من عناصر قوة أو ضعف.
ان ما يجعل أية عملة في العالم تتسم بالقوة في تحديد قيمتها في سوق الصرف والتبادلات هو توفر جملة عناصر أبرزها خمسة:
العنصر الأول، متانة الوضع الاقتصادي الذي يرتكز على بنية اقتصادية قادرة على تأمين التوازن بين الإنتاج والاستهلاك.
العنصر الثاني، أن تكون العملة الوطنية مغطاة بكمية من النقد الذي يندرج تحت عنوان ما يسمى بالعملات الصعبة والمعادن الثمينة وخاصة الذهب، أي تلك التي يتم تداولها في البورصات الدولية باعتبارها عملات أو معادن ثمينة قابلة للتحويل بقدر كبير من الثبات تجاه الدولار الأميركي باعتباره المرجعية النقدية الذي تحتسب على أساسه العملات والمعادن في سوق التداول والتبادل.
العنصر الثالث، طبيعة النظام الاقتصادي الذي تتوفر فيه شروط المرونة في التحويلات المالية.
العنصر الرابع، الضمانات القانونية التي تمنح الرأسمال الداخلي أو الخارجي بيئة آمنة، خاصة بما يتعلق بالسرية المصرفية والتي تشكّل عنصراً جاذباً للمودعين من الخارج.
ad
العنصر الخامس، هو توفر شفافية في الأداء السلطوي للمرفق العام بكل مؤسساته، والتشدد في تطبيق المساءلة والمحاسبة بحق من يخرق قواعد الانتظام العام وتطبيق الحوكمة في إدارة المرفق الاقتصادي الخاص أو المختلط.
أما العناصر المرتبطة بالوضع السياسي فتأثيرها ليس أساسياً في تحديد قيمة العملة الوطنية في سعر الصرف، لأن العامل الاقتصادي هو الأساس في تحديد سعر الصرف. وإذا ما كان للوضع السياسي من تأثير فهو في أحسن حالاته لن يتجاوز حدود الهوامش المحدودة. والدليل على ذلك ان لبنان تعرّض لهزّات سياسية قوية على مدى العقود السابقة إلا ان عملته لم تشهد انهياراً كالذي تشهده الآن.
وعندما تكون العناصر الخمسة غير قائمة في الواقع الراهن للبنان، فإنه من الطبيعي جداً، أن تشهد العملة الوطنية انهياراً في سعر صرفها، وأن لا يكون هناك قعر لهبوطها.
من هنا فأن المطلوب هو تصويب التوصيف والتدقيق في استعمال المفردات وذلك بأن يستعمل تعبير مستوى هبوط الليرة بدل صعود الدولار. فالدولار هو ثابت، فيما الليرة هي التي تنهار.