كتب خالد أبو شقرا في” نداء الوطن”:
لا يلبث سعر الصرف أن يَخرج من «نفق» مضاربة المصارف، حتى يقَع في «حفرة» مصالح الصرّافين. المشترك بين «المُصيبتين» هو «زخّات» تعاميم مصرف لبنان. فمن جهة أدى التعميم 154 إلى أوسع عملية شفط للدولار من المصارف بالتواطؤ مع بعض الصرافين مطلع العام 2021، كانت نتيجتها ارتفاع سعر الصرف من حدود 9 آلاف ليرة إلى أكثر من 15 ألفاً، رغم نفي الاثنين معاً. ومن جهة أخرى فسح التعميم 161 المجال أمام الصرَّافين لجمع الليرة وتحقيق أرباح خيالية عبر إعادة شراء الدولار على منصَّة صيرفة بطريقة ما، لا يمكن أن تحصل إلّا بالتواطؤ مع المصارف كي لا نقول بمشاركتها. وتميَّز ذلك يوم أمس «بعرض غير مسبوق للدولار بأسعار أقلّ من السعر المتداول، وهو ما يدفع حالياً لانخفاض ملحوظ في سعر الصرف الذي لامس 30 ألف ليرة»، يقول الباحث في الشؤون الماليّة والاقتصاديّة البروفسور مارون خاطر.
أما الهدف، بحسب خاطر، فهو «الحصول على أكبر كميَّة من الليرة اللبنانية تحضيراً لتوظيفها في شراء الدولار على منصَّة صيرفة».
فما يحصل أن الكثير من الصرافين يبيعون الدولار على سعر 31 ألف ليرة، في الوقت الذي كان يبلغ فيه سعر الصرف 31500 ويتجه نزولاً. وبرأي البروفسور خاطر، فإنه «مع عودة الارتفاع في سعر الصرف والذي يتمُّ التحكُّم به عن بعد كما عن قُرب، سيعمَد الصرافون الى بيع دولارات المنصَّة لتحقيق أرباح من جيوب المودعين، مرَّة على السوق ومرَّة عبر استنزاف الاحتياطي الإلزامي». بمعنى أدق «سيتكوّن الربح من الفرق بين سعر منصَّة صيرفة وسعر السوق السوداء الذي يتحكمون به، وطالما هم مستفيدون من هذا الفرق سيبقى سعر الصرف يرتفع، ولن تستطيع «صيرفة» المركزي اللحاق به مهما «اخترعت» من هندسات».
وبحسب خاطر فان «كل من يحمل دولاراً اليوم يسعى الى بيعه على سعر مرتفع والحصول على الليرة لتصريفها على سعر صيرفة، ومن ثم اعادة بيع المبلغ والحصول على دولارات أكثر، ولذا نشهد بدء تراجع سعر الصرف. يشكِّل التعديل الأخير للتعميم 161 والذي سُمح بموجبه للمصارف شراء الدولار على سعر المنصَّة دون سقوف سابقة خطيرة، قد تؤدي الى تآكل جزء من الاحتياطي الإلزامي في غياب الضوابط. بذلك، وبدلاً من ترك المودعين وعموم المواطنين يستفيدون من التعميم 161 دخل بعض الصرافين على خط المضاربة ولن ينفع نفيهم».
في سياق متَّصل، عَمَدَ بعض الصرّافين الى شراء الشيكات بالدولار بنسبة 18 في المئة من قيمتها تمهيداً لإعادة بيعها بنسبة قد تصل الى 24 أو 25 في المئة، إن استمرَّ انخفاض الدولار. تأتي هذه الخطوة لتؤكد، بما لا يقبل الشك، وجود عرض كبير ومقصود للدولار.
البروفسور خاطر يرى أن وقف «الظواهر الشاذة» التي تنتجها تعاميم المركزي، «يتطلب في البداية توقف الأخير عن إصدارها ولا سيما أنه يعلم أنَّ سوق الصرف متفلِّتة وهي بالاساس لا تخضع لِسُلطته، وقد أكد الحاكم نفسه ذلك في أكثر من مناسبة». ويختم خاطر بالتشديد على أنَّ «معالجة سعر الصرف ليست سوى علاج لنتائج الأزمة، في الوقت الذي يبقى فيه علاج الاسباب غير جدّي، سواء كان من ناحية المنظومة أم من ناحية صندوق النقد وحتى المجتمع الدولي!