كتبت كارين عبد النور في” نداء الوطن”:
في وقت بدأت دول عدة النظر والشروع في إجراءات مخفّفة الهدف منها الانتقال إلى مرحلة التعايش الطبيعي مع فيروس كورونا، تأتي التعديلات التي طرأت على تدابير إجراء فحص الـPCR للوافدين الى مطار بيروت– والتي دخلت حيّز التنفيذ في العاشر من الشهر الحالي– لتضيف تعقيدات على ترتيبات السفر المعقّدة أصلاً.
بات على الركاب الوافدين إلى لبنان التسجيل على المنصة الالكترونية الخاصة بوزارة الصحة MOPH PASS، كما تحميل نتيجة فحص الـPCR وشهادة اللقاح (في حال توافرها)، والإبقاء على إجراء اختبار الـPCR عند الوصول، تسدّد قيمته (التي خُفضت من 50 إلى 30 دولاراً) إما عن طريق بطاقة ائتمان أو بواسطة الوثيقة الالكترونية المتنوعة EMD، التي يتم الحصول عليها بموجب وصل عند إتمام عملية الدفع في أحد مكاتب السفر التابعة لشركات الطيران في بلدان المغادرة.
في المقابل، لا يزال النزاع بين الجامعة اللبنانية والمديرية العامة للطيران المدني حول مبلغ الـ40 مليون دولار – الذي تطالب به الجامعة اللبنانية كلاً من شركتي الخدمات الأرضية LAT وMEAG مقابل توليها القيام بإجراء فحوصات الـPCR في المطار– قائماً. إذ في آخر التداعيات، بدأ مدعي عام ديوان المحاسبة، القاضي فوزي خميس، قبل أيام قليلة، تحقيقه في قضية الأموال «المفقودة» هذه.
عيّنات من المعاناة
ما إن بدأ العمل بالإجراءات المستحدثة أعلاه حتى انطلقت رحلة معاناة المسافرين. في ما يلي روايتان من مسافرين عما واجهاه مؤخراً في هذا الصدد.
مواطنة لبنانية قادمة من فرنسا لزيارة أمها المريضة سدّدت مبلغ الـ30 دولاراً المتوجب عليها وحمّلت نتيجة اختبار الـPCR على المنصة وانتظرت دون أن تحصل على وصل الدفع. وحين باءت محاولتها الأولى بالفشل، عاودت الكرّة لكن دون جدوى. ثم على الرغم من إصرارها على إبراز ما يؤكد حصول عملية الدفع (لمرتين متتاليتين)، إلا أن شركة الطيران أبت أن تسمح لها الصعود إلى الطائرة. فمن يعوّض خسارتها؟
لبناني آت من العراق يخبرنا هو الآخر عما حصل. فقد تعذر عليه استخدام بطاقة الائتمان الخاصة به لدفع مبلغ الـ30 دولاراً بسبب رفض النظام لها (وهي شكوى تتكرر كثيراً). لجأ إلى مكتب السفر الذي يتعامل معه في لبنان لتسديد المبلغ بالنيابة عنه وإمداده بالوصل. لكن كون شركة طيران الشرق الأوسط لا تعترف بالوثيقة الالكترونية EMD في لبنان، تعذر على المكتب تلبية الطلب. وهكذا اضطر المسافر للجوء إلى صديق له يعمل في مكتب الـMEA في إحدى المدن العراقية، ليتبين له إمكانية التسديد لدى التسجيل قبل المغادرة في المطار مقابل إصال، بما يتناقض مع ما سمعه مكتب السفر من شركة الطيران في لبنان. وهكذا حصل. فأين المركزية في القرار والتنفيذ؟ الأمثلة كثيرة، بخاصة أن كثيرين من المسافرين اللبنانيين، من غير العاملين في الخارج يحملون بطاقة إئتمان بالـ «فريش دولار»، ما يضطرهم إلى الإستعانة بأصدقاء! ما يدعو إلى التساؤل لماذا لا يكون تحصيل المبلغ متاحاً عبر بطاقات العملة الوطنية على سعر منصة صيرفة؟
في حديث مع إحدى مسؤولات قسم المبيعات في وكالة حجار للسياحة والسفر، وصفت لنا المعاناة اليومية التي تعيشها مع المسافرين قائلة: «نواجه مشاكل كثيرة في طريقة تسديد مبلغ الـ30 دولاراً لا سيما بسبب عدم اعتراف شركة الـMEA بوثيقة الـEMD في لبنان». وأشارت إلى حادثة حصلت في أحد البلدان، بعد أن اضطر أربعة مسافرين (لا يملكون بطاقات ائتمان وتعذّر عليها مساعدتهم من لبنان للسبب المذكور آنفاً) إلى الطلب من أحد موظفي المطار المساعدة، عبر استخدام بطاقته الشخصية متقاضياً 35 دولاراً عن كل شخص. ثم هناك الفوضى الحاصلة لدى تعبئة المعلومات الخاصة بالمنصة: «لا يملك جميع المسافرين المعرفة الكافية لتحميل صورهم الشخصية ونتيجة الاختبار وشهادة اللقاح كما إدخال معلوماتهم الأخرى». وتتساءل المسؤولة في هذا السياق إن كان ثمة بلدان أخرى يُطلب فيها من المسافر تحميل صورته وملفاته الخاصة كاملة دون أي اعتبار لسرية المعلومات وخصوصيتها. وما الحاجة لاختبار الـPCR لدى الوصول إذا كان المسافر ملقحاً؟ ولمَ التوقّف عن تقاضي ثمن الاختبار من ضمن بطاقة السفر كما كان الحال سابقاً؟
ما جدوى اختبار المطار وكيف تُحدّد التسعيرة؟
تواصلنا حول ذلك مع وزير الصحة، الدكتور فراس الأبيض، الذي لفت إلى أن المتحورات تدخل عبر الحدود، وبما أن حدود لبنان مفتوحة، فهناك خياران لا ثالث لهما: إما حجر المسافر عند الوصول (وهنا لا يمكن الاتكال على وعي الشعب فقط) وإما الخضوع لاختبار PCR في مطار بيروت. وأشار إلى محاولات لمعالجة الكثير من الثغرات أبرزها اعتماد النظام المعلوماتي في إدخال الداتا الخاصة بالمسافر. وعن التأخير في إرسال النتائج، فلم ينكر الأبيض وجود بعض المشاكل في هذا الإطار يجري العمل على تذليلها. وعن سؤال حول العوائق التي تمنع اعتماد الاختبار السريع بدلاً من الـPCR، وهو أسرع وأقل كلفة، قال الأبيض أنه لا يمكن الاعتماد عليه لا سيما في الحالات التي لا تظهر فيها العوارض، لكنه لم يستبعد في نفس الوقت إمكانية اللجوء إليه في المستقبل في حال تراجعت أعداد الإصابات عالمياً.
وتطرق الأبيض إلى موضوع تزوير نتائج الاختبارات مؤكداً العمل الجدي بالتعاون مع نقيبة أصحاب المختبرات الطبية، د. ميرنا جرمانوس، لضبط هذه الظاهرة بالقدر المستطاع. أما عن تكلفة الـPCR الحالية، فأوضح أن مبلغ الـ50 دولاراً الذي كان يُسدد من خلال تذكرة الطيران كبير جداً، ولدى استلامه المنصب الوزاري، عمل على تخفيض التعرفة إلى 30 دولاراً موزّعة على الشكل التالي: 12.5 دولاراً للجامعة اللبنانية، 7.5 دولارات لشركات الخدمات الأرضية التي تأخذ العينات في المطار، 5 دولارات لوزارة الصحة و5 دولارات للمديرية العامة للطيران المدني. وفي ما يختص بالأسس والمعايير التي اعتمدت لتحديد تسعيرة الـ50 دولاراً وبمصير مبلغ الـ40 مليون دولار الذي تطالب به الجامعة اللبنانية، كان الجواب: «اسألوا الذي حدّد المبلغ، الشعب اللبناني لديه ما يكفي من الذكاء ليفهم ما كان يجري قبل العاشر من كانون الثاني وما حصل بأموال الجامعة اللبنانية».
الجامعة اللبنانية ترفع الصوت
عن الأموال «المفقودة» والمقدرة بـ40 مليون دولار، كان لـ»نداء الوطن» حديث مع مدير كلية العلوم-الفرع الثاني في الفنار، الدكتور إيلي الحاج موسى، الذي أفادنا بأن دخول الجامعة على خط الـ PCR بدأ بعد النتائج غير الدقيقة التي صدرت عن بعض المختبرات. عندها أُوكلت مهمة إجراء الفحوصات على الحدود البرية وفي المطار إلى الجامعة اللبنانية بتاريخ 13/10/2020 نظراً لأنها تضم أحد أهم المختبرات الذي يُستخدم في البحوث العلمية. وبموجب الاتفاقية الموقعة بينها وبين وزارة الصحة والمديرية العامة للطيران المدني، كانت الجامعة اللبنانية تتقاضى المبالغ المخصصة لها بموجب شيكات بالدولار من قبل الشركتين المشغلتين في المطار في وقت كان سعر صرف السوق السوداء حوالى 5000 ل.ل للدولار الواحد. واستمرّت الأمور على هذه الحال إلى أن انهارت العملة بشكل دراماتيكي وتخطى سعر صرف السوق السوداء الـ18000 ل.ل. بالتوازي مع تلك التطورات، انهارت الموازنة السنوية للجامعة اللبنانية تزامناً مع إضراب الأساتذة والموظفين وعجز الجامعة عن تأمين المصاريف التشغيلية الأساسية. من ناحية أخرى، قُدّرت عائدات اختبارات الـPCR بـ50 مليون دولار أميركي، 30% منها خُصص للجامعة و70% للمختبر. ومع وصول الرئيس الجديد للجامعة البروفسور بسَّام بدران حاول الاستفادة من هذه المداخيل لتمكين الجامعة من الاستمرار في تأدية رسالتها، وقد تلقى نصائح من جهَّات رسمية عليا، بتقاضي مستحقات الجامعة بالدولار الطازج على اعتبار أن الأموال من حق الجامعة وكادرها التعليمي.
ويتابع الحاج موسى: «توجهت الجامعة إلى المديرية العامة للطيران المدني وإلى مصرف لبنان بحثاً عن الأموال المستحقة بالعملة الصعبة إلى أن حلّ شهر تموز 2021، حيث تمنَّعت الجامعة اللبنانية عن تسلّم مبلغ مالي إلى حين احتسابه على سعر الصرف». وبعد تسلم الوزير الأبيض وزارة الصحة في أيلول الماضي، تم إيكال مهمة أخذ العينات في المطار إلى شركة خاصة مع الإبقاء على دور الجامعة اللبنانية في تحليلها ضمن مختبراتها. وقد تمّ الاتفاق على أن تتقاضى الجامعة مبلغ 12.5 دولاراً مباشرة من الوزارة عن كل عينة، وبالدولار الطازج.
التمسك بالاتفاقية والتنفيذ بموجب القانون
مدير عام الطيران المدني، السيد فادي الحسن، أبدى إصراره خلال حديثنا معه على الالتزام بحرفية الاتفاقية الموقعة بين كل من وزارة الصحة، الجامعة اللبنانية والمديرية العامة للطيران المدني. فبحسب المادة الرابعة من الاتفاقية، يقول الحسن: «تستوفي شركات الطيران قيمة فحص الـPCR من الركاب القادمين، 50 دولاراً أو ما يعادله على سعر المنصة (أي 3900 ل.ل) على أن يعدّل لاحقاً بما يرتئيه الفريق الأول (أي وزارة الصحة)، وتقوم بتحويل المبالغ إلى شركات الخدمات الأرضية على ان تحوّل الأخيرة بدورها المبلغ إلى حساب الجامعة اللبنانية في مصرف لبنان».
وأردف الحسن أن رئيس الجامعة اللبنانية اتصل به حين أصبحت شركات الطيران تتقاضى المبالغ بالدولار الطازج، مطالباً بتحويل مستحقات الجامعة بالدولار الطازج أيضاً. فما كان من الحسن إلا أن أبلغه بأن قرار تعديل الاتفاقية هو بيد الوزير. وبتاريخ 15/11/2021 تم إرسال كتاب خطي من محامي الجامعة، الأستاذ جوزف مسعد، يطالب به مديرية الطيران المدني تحويل مستحقات الجامعة بالدولار ابتداء من شهر تموز 2021. لكن الحسن بقي متمسكاً بحرفية الاتفاقية. وفي معادلة حسابية بسيطة: الـ45 دولاراً التي تقاضتها الشركات المشغلة بقيمة 810000 ل.ل (على سعر صرف 18000، مثلاً) وحولتها للجامعة اللبنانية بما قيمته 175000 ل.ل (على سعر صرف 3900)، نتج عنها فارق بقيمة 635000 ل.ل عن كل اختبار. فأين ذهبت الأموال؟ يجيب الحسن: «الأموال موجودة، واليوم أصبح الملف بيد مدعي عام ديوان المحاسبة. حين يرتأي القضاء تحويل المبلغ لجهة معينة، عندها أنفّذ بموجب حكم قضائي».
بالمحصّلة، الملف يعتريه غموض وفوضى وإرباك، إذا أمكن التوصيف. وإلى حين جلاء الأمور، أسئلة كثيرة تُطرح على جميع المعنيين.