كتبت د. نعمة جعجع في” اللواء”:
توسّمنا خيرًا في معاودة مجلس الوزراء اجتماعاته لدرس مشروع موازنة العام 2022، لكن ما ترامى إلى مسامعنا من مضامينها لا يبشّر بالخير ويثير القلق إذ بدت الموازنة وكأنها «سلّة مليئة بالأفاعي» كل لسعة منها مميتة.
نفهم أن الخروج من جهنم يتطلب تدابير قاسية «لا قاتلة»، حتى القسوة لها شروط أوّلها؛ تلمّس وقف الإنعامات على المحاسيب، وضبط الإنفاق وتوجيه الموارد إلى الخزينة لا إلى جيوب أمراء الفساد. لكنّ جهابذة المال حصروا اجتهادهم في تحديد سعر الدولار الجمركي ودولار المنصة وما تيسّر من الرسوم التي تخنق المواطن ولم ينسوا رفع شعار «لا ضرائب جديدة» وكأنهم يخيّرونه إما أن ينتحر أو يُقتل!
واردات الدولة هي الأساس لتمويل النفقات، شرط أن تكون واردات سليمة لا تُرهق المواطن الجريح النازف، وأن يتم إنفاقها في مشاريع استثمارية تحقق النموّ، لا في مزاريب الهدر والصفقات التي أوصلتنا إلى الحضيض.
الواردات الصحيحة تبدأ من قطاع المحروقات، الذي تسيطر عليه 13 شركة تستورد المشتقّات النفطية وصلت قدراتها التخزينية للكمّيات المستوردة إلى حدود التحكّم بالقطاعات العامّة والخاصة وبالاقتصاد الوطني بكامله. وبتنا أمام «كارتيل نفطي» نظّم نفسَه وتعاضد لحماية مصالحه وقد بلغت أرباحه الصافية حوالي 500 مليون دولار سنويًا. وعندما تتهدّد تلك المصالح يبدأ التهديد بوقف إمداد السّوق بالمشتقّات النفطية.
ولكن مهلًا، هل ما زالت الدولة تتذكر أن استيراد المشتقات النفطية عائد لها وحدها بموجب المرسوم الاشتراعي رقم 79 تاريخ 17/6/1977 الذي حدّد الأصول المالية والاقتصادية والتنظيمية المتعلّقة بمنشآت النفط وبجميع صفقات بيع وشراء وتصدير واستيراد مشتقات النفط الخام التي تجريها المديرية العامة للنفط؟
إنّ إعادة بناء مصفاتي طرابلس والزهراني بطاقةٍ إنتاجية أكبر مما كانت عليه وبقدرةٍ على تكرير عدة أنواع من النفط، سيؤدي إلى تثبيت سعر المشتقات النفطية في السوق، وإلى إرساء استقرار اقتصادي ينعكس على تطوير سائرالقطاعات. فبدل أن يُستورد البنزين والمازوت والفيول وكاز الطيران بواسطة الشركات، يُستورد النفط الخام بعقود من دولةٍ إلى دولةٍ دون وسيط، فيتحقق اكتفاء السوق المحلي ويُباع الفائض مكرَّرًا، فتجني الدولة أرباحًا لا يُستهان بها.
فهل تجرؤ الدولة على إعادة بناء مصفاتيّ طرابلس والزهراني؟