كتبت سلوى بعلبكي في “النهار”:
أرجأ مجلس الوزراء مجدداً البحث في مشروع رفع سعر الدولار الجمركي الى الجلسة التي ستعقد اليوم في ظل سلسلة تحفظات وزارية قد تحول دون اقرار الموازنة العتيدة التي يعوّل عليها لتعبيد الطريق امام المفاوضات مع #صندوق النقد الدولي. فسعر صرف الدولار الجمركي يُعتبر العقدة الأصعب في بنود مشروع الموازنة لتأثيره الكبير على الأسعار، وعلى الاستهلاك العام، ومستوى معيشة اللبنانيين، الذين باتوا تحت مقصلة الاعباء المتزايدة لكلفة تدهور الليرة والاوضاع المالية والاقتصادية السيئة. فهل في مقدورهم تحمّل السعر الموعود للدولار الجمركي في ظل انعدام قدرتهم الشرائية؟
تؤكد مصادر اقتصادية أن ما تعوّل عليه السلطة من زيادة لإيرادات الخزينة عبر رفع سعر الدولار الجمركي هو ضربٌ من الخيال، ومناقض لواقع الحالة السياسية والاقتصادية المتردية، وفيه الكثير من التفاؤل، إذ سيصطدم حتماً بانحسار الاستهلاك وزيادة التهرب الضريبي، واستراتيجية الدفترين، وفواتير الإستيراد المزورة، من أجل تفادي مضاعفة الرسوم، وتحقيق الأرباح على حساب الخزينة العامة.
وإذا كان سعر الدولار الجمركي الملحوظ في مشروع الموازنة هو في حدود الـ 20 الف ليرة لبنانية، بَيد ان مصادر اقتصادية أكدت استحالة اقراره في مجلس النواب، بدليل الاعتراضات التي واجهته من كتل نيابية عدة، منها مَن رفض التعديل المطروح خوفاً من إثارة الشارع مجدداً، ومنها مَن اعترض تهيّباً من قسوة القرار على أعتاب انتخابات نيابية مُربِكة إقتصادياً ومادِياً للجميع. لذا يُتَوقّع الاستعاضة عن هذا الخيار بصيغة أقل إيلاماً على المستهلكين، وهو ما أكده وزير المال يوسف خليل في جلسة مجلس الوزراء الاخيرة بالجهر أنه يميل إلى زيادة سعر الدولار الجمركي الى حوالى 8 أضعاف، (من 1500 ليرة مقابل كل دولار إلى ما بين 10 آلاف و12 ألف ليرة)، مراهناً على رفع السعر إلى حدود يُقَدَّر لها أن تدرّ على الخزينة 14 ألف مليار ليرة. مع الاشارة الى ان وزارة المال أعدت أكثر من سيناريو للزيادة وانعكاسها على الإيرادات المالية والتضخم على حدٍّ سواء.
كيف ستتأثر السلع والمنتجات الغذائية والمحروقات؟
تبوّب إدارة الجمارك اللبنانية الواردات الجمركية ضمن 21 باباً، أهمها: حيوانات حية، منتجات المملكة النباتية، شحوم ودهون وزيوت، منتجات صناعة الأغذية والمشروبات والتبغ، منتجات معدنية، منتجات الصناعات الكيماوية، أحذية، معادن عادية ومصنوعاتها. هذه الأبواب تتضمن 98 فصلاً من تصنيفات السلع المستوردة ومحددة نسبة الرسوم الجمركية على كل سلعة مع نسبة الضريبة على القيمة المضافة الـ TVA، مع وجود إعفاءات للعديد من السلع من الرسوم الجمركية أو الـ TVAأو الاثنتين معا.
بالنسبة الى المحروقات وهي السلعة الأهم في حياة المواطنين، فإن المازوت معفى من الرسوم الجمركية ومن الـ TVA وتاليا لا تأثير للدولار الجمركي عليه. أما الغاز فهو معفى ايضا من الـ TVAلكنه يخضع لرسم مقطوع حوالى 40 ألف ليرة وقد يتم تعديله لاحقا، ويبقى البنزين وهو يخضع فقط للـ TVA إلا انه معفى من الرسوم الجمركية. وبعملية حسابية فإن رسم الـ TVA على صفيحة البنزين التي تبلغ كلفة استيرادها 193$ هو = 193x 11% = 21 دولارا تساوي وفق سعر الصرف الرسمي 1515 نحو 32000، أما على أساس سعر صرف الدولار الجمركي فتصبح الـ TVA تساوي 21x 20000= 420000، وتاليا تصبح الزيادة على صفيحة البنزين بحسب تأثير الدولار الجمركي تساوي 420000 – 32000= 388000 ستُضاف إلى سعر الصفيحة وفق الجدول الذي تصدره وزارة الطاقة، طبعا إلا إذا تم إعفاؤه من الدولار الجمركي.
في المقابل، ثمة سلع اساسية حياتية لا تأثير للدولار الجمركي عليها لأنها معفاة من الرسوم الجمركية والـ TVA في آن، نذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر: القمح، دقيق حنطة القمح المستخدم للخبز، الشعير، الشوفان، زيت الذرة وبزور عباد الشمس المستعمل للقلي، السكر المكرر الصالح للأكل.
كما ان هناك سلعاً أساسية في معيشة اللبنانيين لناحية السلع الاستهلاكية أو أدوات الإنتاج أو تدخل من ضمن عناصر إنتاج سلع أخرى سيطاولها الدولار الجمركي المرتقب، الامر الذي سيؤثر على سلة الاستهلاك بمكوّناتها الإثني عشر والتي من خلالها يتم احتساب مؤشر أسعار الاستهلاك، وسيعمل على زيادته زيادات جنونية مما سينعكس على معدل التضخم – ما يُعرف بتضخم التكاليف – الذي يُحتسب بالاعتماد على مؤشر أسعار الاستهلاك.
من السلع التي ستتأثر بالدولار الجمركي وستؤثر على كلفة استيراد الطن الواحد منها(الجمرك يُحتسب بالطن او الكيلو) على سبيل المثال: الأرز الذي سيؤدي الدولار الجمركي إلى زيادة 749,000 ليرة عن الكلفة الحالية لكل طن، البن 1,998,000، الشاي 1,455,000، البطاطا 5,367,000، ملح الطعام 123,000، مستحضرات التجميل 37,320,000، مستحضرات العناية بالبشرة 11,367,000، مستحضرات العناية بالفم والأسنان 18,809,000، مستحضرات استعمالات الحلاقة 18,091,000، الأحذية 8,824,000، أجهزة التكييف 6,064,000، البرادات، 3,837,000، الغسالات 2,164,000، أجهزة الهاتف 200,672,000، بُدل وأطقم وسترات 5,791,000، بلوزات وقمصان للنساء 12,536,000 وسراويل داخلية وقمصان نوم 3,787,000.
هذه الحسبة التي أجراها الاكاديمي والباحث في الشؤون الاقتصادية الدكتور ايمن عمر، تؤكد أن “أي ارتفاع في سعر أي سلعة مستوردة سيقابله ارتفاع مماثل في نفس السلعة التي تُنتج محلياً، وكذلك فإن ارتفاع هذه الرسوم لسلعة ما ليس بالضرورة أن يقابله ارتفاع في سعر السلعة بنفس النسبة حيث سيستغل التجار الوضع ويزيدون الأسعار بنسب أكبر كعادتهم بطريقة جشعة استغلالية”.
إذاً، من الثابت أن أي إضافات جمركية أو ضريبية يدفعها المنتج أو المستورد سيقوم تلقائياً باحتسابها ضمن تكاليف السلعة وتالياً نقل عبئها إلى المستهلك الذي هو من سيدفعها. وبناء عليه يؤكد عمر أن “الدولار الجمركي، بالإضافة إلى الضغوط التضخمية التي سيحدثها، سيؤثر على معيشة الناس لعدم قدرتهم على شراء العديد من السلع وستزداد بذلك معدلات الفقر، فيما سيختل الأمن الغذائي والصحي أكثر وأكثر”.
العلاقة بين الضرائب والرسوم من جهة، وإيرادات الدولة لتمويل خزينتها من جهة أخرى، علاقة حساسة ومعقدة، إذ ليس من الثابت أن زيادة الضرائب تؤدي إلى زيادة موارد الدولة المالية. ففي حالة الأزمة الاقتصادية التي نعاني منها ومع انكماش الاقتصاد لأكثر من النصف، فإن أي زيادة ضريبية سينتج عنها تخفيض في الاستهلاك العام بنسبة كبيرة، والذي يشكل أكثر من 62,74% من الطلب الكلّي فيحدث مزيداً من تراجعه وانكماشاً إضافياً في الاقتصاد، وتتأثر الإيرادات حكماً بطريقة سلبية ويبقى الاقتصاد يدور في حلقة مفرغة، على ما يقول عمر الذي يعتبر أن “مقاربة الدولار الجمركي هي مقاربة خاطئة وتدميرية لاقتصاد منهار ومالية مفلسة، إذ إن الوعاء الضريبي سيتقلص ويصبح أكثر حدة. إن توسيع الوعاء الضريبي لضمان زيادة الإيرادات العامة يتم عبر استحداث سياسات وإجراءات توسعية تنعكس نمواً اقتصادياً وليس عبر الضرائب والرسوم المقلّصة له. والأهم من ذلك كله ان إصلاح النظام الضريبي لا يمكن فصله عن الاصلاحات العامة سواء في النظام السياسي أو الاقتصادي، ويا حبذا لو توضع الخطط والإصلاحات لتحسين الجباية ومنع التهرب ومكافحته فهذا أفضل بكثير من رسوم وضرائب مرهقة وغير مضمونة النتائج في الجباية”. لكن المشكلة تكمن برأيه في “الضغوط التضخمية التي ستخلقها زيادة الدولار الجمركي على تقليص الاستهلاك وزيادة الانكماش والأثر التضخّمي لهذه الزيادة، والذي قد يصيب كل السلع سواء كانت خاضعة للرسم الجمركي أم لا. فالتضخّم هو بمثابة موجة لا تميّز كثيراً بين سلعة وخدمة، بل لها أثر تفاعلي واسع على مختلف القطاعات الاقتصادية”.