كتب العميد المتقاعد دانيال حداد في” نداء الوطن”:
أقرّ مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة الخاصة بإقرار الموازنة، المادة 135 المتعلقة باعطاء الموظفين في القطاع العام مساعدة اجتماعية، تساوي راتب شهر لمدةّ سنة، على ألّا تتعدى الزيادة 6 ملايين ليرة ولا تقلّ عن مليوني ليرة. وقد شملت هذه المادّة الموظفين المتقاعدين، مع فارق ألّا تقلّ الزيادة للمتقاعد عن مليون ليرة شهرياً.
القطبة المخفيّة في هذه المادّة، أنّ الزيادة وفق تفسيرها كما رشح من معلومات، ستمنح على أساس الراتب أو أساس المعاش التقاعدي، وليس على الراتب كاملاً أو المعاش التقاعدي كاملاً. ولكن ما الفرق بين احتساب أساس الراتب أو الراتب كاملاً؟
في قانون سلسلة الرتب والرواتب الذي أقرّ في العام 2017، تمّ تحديد أساسات رواتب العسكريين من مختلف الرتب بنسبة تتراوح بين 40 و60% من أساسات رواتب مثلائهم في القطاعات المدنية، كما تمّ الانتقاص من قيمة الدرجات الممنوحة لهم، فيما أستكملت تلك الرواتب، أي رواتب العسكريين ببعض التعويضات كمتممات لها. ومع ذلك، بقيت السلسلة مجحفة بحقّ العسكريين لجهة تأمين العدالة والمساواة بينهم وبين من يوازونهم في الفئة والدرجة من الموظفين المدنيين. أمّا الهدف من ذلك في حينه، فكان التخفيف من أعباء تعويضات نهاية الخدمة لدى العسكريين، لأنها تحتسب على أساس الراتب وليس على مجموع الراتب.
ثلاث ملاحظات رئيسة على المادة 135، التي تشكّل فضيحة بكلّ ما للكلمة من معنى. وهي تشير إلى أنّ المادّة صيغت بأصابع انتهازية، خبيثة، غايتها تحقيق مكاسب شخصية من جهة، واستهداف شريحة العسكريين من جهة أخرى، في ظلّ استغلال جهل قسم من الوزراء التمييز بين الراتب وأساس الراتب وبين المعاش التقاعدي وأساس المعاش التقاعدي. فأساس الراتب هو الراتب كاملاً لدى الموظفين المدنيين بعد أن دمجت التعويضات في صلبه، بينما أساس الراتب لدى العسكريين هو نصف الراتب تقريباً والباقي متمّمات.
وبالعودة إلى الملاحظات الثلاث على المادّة 135، فهي :
– احتساب المساعدة على أساس الراتب أو أساس المعاش التقاعدي، بدلاً من احتسابها على الراتب أو المعاش التقاعدي كاملين أي مع المتمّمات، ما يجعل العسكريين في الخدمة الفعلية والتقاعد يتقاضون نحو 50% مما يتقاضاه مثلاؤهم من الموظفين المدنيين الذين يوازونهم في الفئة والدرجة.
– زيادة الحدّ الأقصى للمساعدة خلافاً للصيغة الأساسية للمادْة، من 4 ملايين ليرة إلى 6 ملايين ليرة، وهذا ما يُظهر بوضوح بصمات تلك الأصابع، إذ سيحصل جميع موظفي الفئة الأولى والقضاة والجامعيين على الحد الأقصى من المساعدة، كون رواتبهم أو معاشاتهم التقاعدية تتخطى هذا الحد. كما سيحصل العديد من الموظفين من غير الفئة الأولى على أدنى من هذا الحدّ بقليل، فيما ستتراوح زيادة العسكريين بين ثلاثة ملايين وستمئة ألف ليرة كحدّ أقصى بالنسبة إلى العمداء وهم من الفئة الأولى، ومليون ليرة للجنود فقط.
– تخفيض الحدّ الأدنى للمساعدة خلافاً للصيغة الأساسية للمادة من مليوني ليرة إلى مليون ليرة للمتقاعدين، وهذه الزيادة الهزيلة ستطال معظم العسكريين المتقاعدين، لأنّ الغالبية الساحقة منهم تتراوح معاشاتهم التقاعدية بين مليون ليرة ومليوني ليرة، فيما بعضهم من معوقي الحرب الذين لم يمض على خدمتهم كثيراً من الوقت، تقل معاشاتهم التقاعدية عن مليون ليرة.
إن النيّة واضحة في استهداف العسكريين، أمّا حجّة وزارة المالية بأنّ قيمة المساعدة الاجتماعية للموظفين يجب ألاّ تتخطى مبلغ 7500 مليار ليرة سنوياً، فهي حجّة ساقطة، لأنّ ذلك لا يبرّر استهداف شريحة واحدة من الموظفين، فقد كان بالامكان تخفيض الحدّ الأقصى للمساعدة وزيادة الحدّ الأدنى مع تخفيض نسبة المساعدة إذا اقتضى الأمر، بحيث يتم توزيع المبلغ المرصود بعدالة ومساواة بين الجميع، وبما يكفل تحسين أوضاع الموظفين الأكثر تهميشاً وفقراً.
للحقيقة، لم يألُ وزير الدفاع الوطني وبعض الوزراء جهداً في سبيل الدفاع عن حقوق العسكريين خلال جلسات المناقشة، لكنّ ذلك لم يلق آذاناً صاغية أمام إلإصرار على توزيع المساعدة بالشكل الذي تم التخطيط له مسبقاً.
إلاّ أنّه وعلى الرغم من ذلك، يبقى الأمل معقوداً على متابعة وزير الدفاع جهوده، وعلى دور فخامة رئيس الجمهورية في رفع الغبن اللاحق بالعسكريين (خدمة فعلية وتقاعد) في الجلسة الختامية لاقرار الموازنة، قبل إحالتها على مجلس النواب.
ليس بهذا النهج التمييزي، الانتهازي، تعطي الحكومة النموذج الصحيح عن العمل المؤسساتي في الدولة، لأنها أولاً وآخراً هي المسؤولة، ولا يبنى مستقبل وطن بالتنكر لتضحيات آلاف العسكريين المعوقين وعائلات الشهداء، ثمّ الجنود الذين تحمّلوا ولا يزالون، مرارة العوز والفقر، ليحافظوا على أمن الوطن والمواطن، في حين انكفأ الجميع عن ساحات المسؤولية، التي كادت تخلو في هذه الحقبة المظلمة، العصيبة، إلاّ من وقع أقدامهم وضجيج تضحياتهم…