كتبت د. نعمة جعجع في” اللواء”:
مشروع موازنة العام 2022 الذي أقرّه مجلس الوزراء أم لا، شكّل صدمة للبنانيين لأن الموازنة الموعودة لم تجد سوى تضييق الخناق عليهم لتحقيق وارداتها، والأشد إيلامًا هو إلقاء اللوم عليهم وإفهامهم أنهم لن ينعموا بكهرباء وماء واتصالات مجانًا. لكن الحقيقة المرّة التي غابت عن بال الحكومة أن اللبنانيين دفعوا أعلى كلفة في العالم للحصول على الحدّ الأدنى من تلك الخدمات؛ دفعوا لأصحاب المولّدات الخاصة ما فيه النصيب بسبب إخفاق مؤسسة كهرباء لبنان في تأمين الكهرباء، ودفعوا لصهاريج نقل المياه بسبب إخفاق مؤسسات المياه في إيصالها إلى بيوتهم، ودفعوا لمقدّمي خدمات الإنترنت لأن الدولة عَجِزت عن توفير الإنترنت السريع وحتى البطيء!
أما واردات الموازنة فتستهدف ما تبقىمن أموال في جيوب المواطنين تحت مسمّيات مختلفة وبلا رحمة، بدل أن تجد خزائن المال الضائعة ولا سيما في قطاع الغاز بمختلف أنواعه؛ الدولة وحدها كانت تستورد غاز « بوتان Butane» للإستعمال المنزلي، وغاز «بروبان Propane» للأغراض الصناعية حتى في أيام الحرب اللبنانية، فيما تتولى الشركات الخاصة عملية التوزيع. فجأة وبموجب مرسوم مَنَحت الدولة حق إشغال مساحة في محلة الدورة لمدة 99 سنة لشركة خاصة احتكرت تخزين الغاز وباتت تستورد وحدها أكثر من 60% من الكميات المستوردة. وتلاه مرسوم لشركة أخرى في طرابلس تأسّست في لبنان عام 1972 ثم انتقلت إلى اليونان. بعد ذلك تأسس «تجمّع شركات الغاز» الذي عَمَد إلى استئجار جميع خزّانات الغاز على طول الشاطىء اللبناني التي بوسعها استقبال بواخر الغاز وتفريغها، كما استأجرالتجمّع خزّانات الغاز في منشآت النفط التي تتّسع إلى 3 آلاف طنّ غاز بحدود 700 ألف دولار أميركي وأقفلها كي لا تستعملها الدولة فتخلو الساحة لتجمّعشركات الغاز ليسرح ويمرح.
وهكذا إنضمّ قطاع الغاز إلى قطاع المحروقات ليستقرّ في أحضان الشركات الخاصة التي باتت تحتكر السوقوتفرض أسعارها وتضغط على الدولة والمواطن ساعة تشاء، ويصل متوسط أرباحها السنوي حوالي 42.2 مليون دولار. فهل تعي الدولة ما جنته على نفسها وعلى مواطنيها نتيجة هذا الإحتكار؟ وهل تستدرك ذلك قبل فوات الأوان؟
أيتها الحكومة، لا تطمئنّي إلى سكوت المواطن لأنه ليس علامة الرضى، بل هو كسكوت الجريح عن السكين المغروز فيه، ولا تنتظري وصفة سحريّة من صندوق النقد الدولي، بل بادري فورًاإلى استرداد موارد لبنان السائبة وأتركي المواطن يلتقط أنفاسَه بدل أن يُرمى في النار.