تزامن إصدار رئيس بعثة صندوق النقد الدولي راميريز ريغو بيانه المقتضب، الذي طالب فيه بمعالجة الحجم غير المسبوق لخسائر القطاع المالي في لبنان “بشفافية وبما يتفق مع التسلسل الهرمي للمطالبات”، مع الإجراءات المتخذة من قبل النائبة العامة الإستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون في حق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الأمر الذي قد يكون له تأثير كبير على مسار المفاوضات مع الصندوق، وفق ما يراه كثيرون من الخبراء الماليين.
وقد بّرر ريغو ما قاله بالإشارة إلى ما يجب أن تتضمنه الخطة من إعادة هيكلة للقطاع المالي ونظام نقدي ونظام سعر صرف موثوق به. وهذا يعني أنه على الجانب اللبناني أن يعيد النظر بخطّته وأن تكون أكثر شفافية، خصوصًا لجهة توزيع الخسائر بما ينسجم مع منهجية الصندوق القائمة على ما سّماه ريغو “التسلسل الهرمي للمطالبات”، أو ما يُعرف بالتسلسل الهرمي لتوزيع الخسائر، خلافًا لما تضمنته الخطة المقترحة، والتي لم تصبح نهائية بعد، خصوصًا لجهة “ليلرة” الودائع التي هي بقيمة 695 ألف مليار ليرة.
ويشير ريغو في البيان الختامي إلى وجوب أن يتضمن البرنامج الإقتصادي اللبناني إجراءات مستهدفة ومحددة زمنيًا عبر الركائز الخمس التالية:
1- الإصلاحات المالية التي تضمن القدرة على تحّمل الديون وأيضا مساحة للإستثمار في الإنفاق الإجتماعي وجهود إعادة الإعمار.
2-إعادة هيكلة القطاع المالي لتقوية الثقة ودعم الإنتعاش.
3-إصلاح المؤسسات المملوكة من قبل الدولة، وخاصة قطاع الطاقة لتقديم خدمات أفضل من دون إستنزاف الموارد العامة.
4-تعزيز أطر الحوكمة ومكافحة الفساد ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب لتعزيز الشفافية والمساءلة.
5-الحاجة إلى إتخاذ إجراءات حاسمة من قبل السلطات لمعالجة معضلة الفساد العميقة الجذور وتعزيز الشفافية.
أمام هذا الواقع الجديد يجد الوفد اللبناني المفاوض مع بعثة الصندوق نفسه مضطّرًا إلى إعادة النظر بالأسس التي إعتمدتها الحكومة، كمرحلة أولية، في خطّة التعافي بما يتوافق مع ما يطالب به الصندوق وبما يتلاءم والإمكانات المتاحة للحكومة في ظل الوضع المأسوي الذي تعيشه معظم المؤسسات العامة، أقله بالنسبة إلى ما سعت إليه من خلال محاولة تحقيق توازن مالي في مشروع الموازنة وتخفيض أرقام العجز، وفصل موضوع السلفة لشركة كهرباء لبنان عن الموازنة، وضرورة وضع خطة شاملة، فضلًا عن إعتمادها رؤية إصلاحية لإعادة هيكلة القطاع العام، والتشدّد في مكافحة التهّرب الضريبي والجمركي.
بالأمس، بدأت السلطة التنفيذية، بطلب من رئيسها، بوضع الإصبع على الجرح النازف، والذي ألحق ضررًا كبيرًا بمالية الدولة، وأصاب جميع المواطنين في حياتهم اليومية، بعدما إضطّروا لأن يدفعوا ثمن حصولهم على الكهرباء فاتورتين مكلفتين، على مدى سنوات، مع ما أصاب الإنقطاع المتواصل بالتيار الكهربائي، نتيجة سوء الإدارة وإنعدام رؤية واضحة وتمادي المستفيدين من “نهش” ما تبقّى من موارد الدولة، من ضرر كبير بالقطاعين الصناعي والزراعي، اللذين يعتمدان بشكل كبير على الطاقة.
ولم يعد خافيًا على أحد أن الخسائر بالكهرباء هي جزء أساسي من مسؤولية الإنهيار المالي الحالي بسبب اعتمادها المتواصل على السلف التي تصرف في غير المكان الصحيح، تمامًا كمن يضع ماء في وعاء مثقوب.
فإذا كان لدى بعض المسؤولين حسّ بهذه المسؤولية، فيجب إتخاذ قرار جريء ونهائي بوقف إستنزاف خزينة الدولة المتهالكة والإستمرار في صرف أموال طائلة على كهرباء غير مؤّمنة، وهذا الأمر، إذا حصل، سينعكس حتمًا على الإستقرار النقدي، ما من شأنه أن يرفع من حجم تدفقات الأموال الخارجية إلى لبنان، ويسمح بالتالي للمصارف بالقيام بأعمال منتجة من خلال إقراض القطاع الخاص وإعادته إلى النمو. ويؤدي هذا الإنتعاش إلى تحسين قدرة لبنان على استعادة التوازن المالي وسداد ديونه، ما يسمح للمودعين باسترداد نسب أكبر من ودائعهم.
هذه هي في إختصار “الوصفة السحرية” لبدء الخروج من سلسلة الأزمات المتتالية والمتتالية والمتراكمة.
المصدر: خاص “لبنان 24”