“ليبانون ديبايت” – المحرر الامني
لا شك أن أثر الأزمة الاقتصادية على موظفي القطاع العام كبيرة جداً، فقد تدنت رواتبهم بحيث فقدت أكثر من 85% من قيمتها، وهكذا لم يعد موظفي الدوائر الحكومي قادرين على الوصول الى مراكز عملهم فكان القرار بالعمل نهار واحد بالأسبوع، وهكذا لم يعد راتب أستاذ التعليم الرسمي يكفيه للحضور الى عمله فدخل الطلاب في عطلة لأكثر من شهرين، وهكذا باتت البلديات والضمان الاجتماعي ومؤسسات الكهرباء والمياه وغيرها الكثير من المؤسسات تعمل بربع انتاجيتها.. إلا في مطار بيروت بات حضور بعض العناصر مضاعفاً.
اذا أردنا الحديث عن الفساد المستشري في أروقة المطار فلن نكون قد أضفنا أي جديد على ما يعلمه وخبره اللبنانييون جيداً، إلا أن ما يحدث في هذه الأيام بات يفوق ذلك بأشواط، فلنبدأ بالمدير العام للطيران المدني بالتّكليف رئيس مطار بيروت الدولي فادي الحسن، ففي الوقت الذي ما زالت وزارة الصحة مصرّة على إجراء فحص الكورونا وتكبيد اللبنانيون مبلغ 30$ بحجج مختلفة، لا يتوانى الحسن عن السماح للمواطنين المحظيين بعطفه وحنانه بالسماح بنقلهم من الخارج الى مطار بيروت دون إجراء فحص الكورونا، ولتوضيح الفكرة، يمكن للمسافر الانتقال من مطار اسطنبول، على سبيل المثال، الى مطار بيروت دون إجراء فحص الكورونا بعد تواصل الحسن مع شركات الطيران في تلك البلدان. وعلى الرغم من إلغاء وزارة الصحة لطلب فحص الكورونا هذا، إلا أنه ما زال مطلوبا لغير الملقحين أو الذين مضى على تلقيحهم أكثر من 6 أشهر.
عطف وحنان الحسن لم يقف عند هذا الحد، بل بات يصدر قرارات تحت عنوان “لمن يهمه الامر”، يطلب بموجبه تسهيل مهمة أحد موظفيه الذي يتولى مهمة استقبال وتوديع المسافرين من باب الطائرة الى خارج المطار مع ما يرافق ذلك من تسهيلات.
من الحسن إلى الأجهزة الأمنية المنتشرة في المطار والتي بات اختصاص بعض عناصرها الاستقبال والتوديع لقاء بدل مادي، ومنعاً لتضارب المصالح بات هناك نوعاً من توزيع الطائرات بحيث من يتولى الطائرات القادمة من أفريقيا، مثلاً، يختلف عن العنصر الذي يتولى الطائرات القادمة من بلدان الخليج والعراق وباريس ولندن. فلنبدأ بالعنصر م. ح. الذي بات يحضر الى المطار باللباس المدني في غير أوقات دوامه من أجل استقبال وتوديع المسافرين، وهذه الخدمة تتضمن بطبيعة الحال استقبال المسافر من مدخل المطار مروراً بنقطة تفتيش قوى الأمن الداخل ومن ثم الأمن العام وصولاً الى الـ Cedar Lunch وذلك مجاناً طبعاً، مع العلم أن الـ Cedar Lunch مخصص لركاب الدرجة الأولى أو للمسافرين الذين يدفعون مبلغ معيّن لقاء ذلك. أما “أوفر” الخروج فيتضمن عدم انتظار المسافر في طابور الجوازات بحيث يعبر عن طريق نقطة الجوازات المخصصة للدبلوماسيين المعتميدن في لبنان، ومن ثم يقرر هذا المسافر إن أراد إجراء فحص الكورونا، فيتم تجاوز الطابور بكلمة السر المعروفة “لديه حالة وفاة”، وإن لم يريد إجراء فحص الكورونا فله ما أراد.
هذا العنصر، بات مضرب مثل بين مختلف العاملين في مطار بيروت، خصوصاً بعد أن قرر قضاء عطلة على مدى 10 أيام مع زوجته وأولاده الأربعة في اليونان في ظل الأوضاع الاقتصادية القائمة في البلاد، علماً أن راتبه لا يتجاوز الـ 70$ شهرياً.
أما العنصر م. ب. فمتخصص باستقبال وتوديع العراقيين وتصريف الأموال لهم، ولتصريف الأموال قصة مختلفة، فوفقاً للقانون يدفع القادمون الى لبنان من جنسيات غير لبنانية طابع مالي للفيزا بقيمة 40$ لفرع بنك البحر المتوسط في المطار، وهذا المبلغ يتقاضاه المصرف بالدولار الفريش أو بقيمته وفق سعر الصرف الرسمي أي 60 ألف ليرة، هذه الحالة الغريبة دفعت أ. ب. إلى العرض على هؤلاء الذين عادةً لا يملكون الاموال بالليرة اللبنانية، إلى تصريف أموالهم وفق سعر صرف منخفض، مما يسمح له بجني الأرباح من جهة ويسمح للمسافر بتوفير مبلغ كبير بحيث يتمكن من دفع 60 ألف ليرة بدل 40 دولار فريش. لذا، كان من الأجدى على وزير المالية أن يصدر قرار بإستيفاء الأموال بعملة الدولار مما يدخل أموال طائلة للخزينة اللبنانية بدل الانشغال بكيفية اقرار موازنة مليئة بالضرائب.
إلى جانب هؤلاء، هناك العديد من العناصر، مثل أ. ع. والعنصر ر. س. المتخصص بالطائرات القادمة من أفريقيا، يعملون على استقبال المسافرين ومرافقتهم بملابسهم المدنية خلافاً للقانون وربما بعلم من رؤسائهم وتواطئهم، ما يحمل ذلك من مخاطر أمنية. فقد كشف أحد الأجهزة الأمنية قيام العنصر ر. ب. بمرافقة إحدى العائلات من باب المطار الى الطائرة مع ما يُرافق ذلك من تسهيلات، وهذه العائلة التي كانت متجهة إلى أوروبا، ليتبّن أنها تحمل فيز مزورة، ورغم الكشف
عن هذه الحادثة إلا أن العنصر المذكور لم يتم استدعائه من قِبل القضاء ولا حتّى مسائلته من مسؤوله المباشر.
وللسوق الحرّة حصة من هذا الفساد المستشري، ففي الوقت الذي باتت أسعار السوق الحرة وفق سعر صرف منصة صيرفة، وبالتالي باتت الأرباح التي يجنيها المستثمر محمد زيدان كبيرة خصوصاً أنه ما زال يدفع الرسوم المتوجبة عليه بالليرة اللبنانية، ما زال موظفي السوق يتقاضون رواتبهم وفق سعر الصرف الرسمي. كما أن لبعض عناصر الجمارك زيارة شبه يومية لهذه السوق بحيث يقومون بشراء ما تيّسر منها لبيعها في الخارج.
هذه الفوضى التي تجتاح مطار بيروت لم تعد مقبولة، وتحويل المطار الى مزرعة بهذا الشكل بات يستوجب دق جرس الإنذار، فالحلول سهلة وبسيطة ويمكن أن تدّر الأموال على حزينة الدولة بدل أن تذهب لجيوب بعض الفاسدين، فعلى سبيل المثال، من يُريد الدخول سريعاً إلى البلاد يمكن أن يوضع خط خاص له مقابل دفع بدل مادي للدولة، إلا اذا كان المطلوب بقاء المطار بؤرة لهؤلاء.
Ch23