تُنذر التوترات القائمة حالياً بين روسيا وأوكرانيا، بأزمة غذاء في المنطقة وربما العالم، فالبَلَدان يستحوذان على أكثر من ثلث السوق العالمي للقمح، وغالبية دول المنطقة بينها لبنان تعتمد بشكل شبه تام على واردات القمح الأوكراني والروسي، وليس ارتفاع سعر طن القمح عالمياً في اليومين الفائتين سوى مؤشر على المخاطر المحدقة بإمدادات القمح وأسعارها، فيما لو تعاظمت التوترات بين البلدين وتراجع الإنتاج الأوكراني للقمح.
وفي حالة لبنان، قد لا تكون الأرقام التجارية التي تربطه مع أوكرانيا أرقاماً ضخمة، فلا تتعدى قيمة المستوردات اللبنانية من أوكرانيا ومعها الصادرات 300 مليون دولار. لكن تكمن الخطورة بماهية تلك المستوردات. فلبنان يستورد أكثر من 80 في المئة من حاجته للقمح من أوكرانيا فقط، في حين يستورد النسبة المتبقية من روسيا ودول أخرى. فما مصير مخزون القمح في لبنان مع احتدام الصراع في أوكرانيا؟ وهل يملك لبنان الإمكانات اللوجستية والمالية لمضاعفة إمدادات القمح وتخزينها؟
القمح الاوكراني
يبلغ حجم التبادل التجاري بين لبنان وأوكرانيا سنوياً نحو نصف مليار دولار في أحسن حالاته، وفي حين تبلغ الصادرات اللبنانية إلى أوكرانيا مستويات خجولة. ويستورد منها لبنان الحديد وزيت دوار الشمس والحبوب وغيرها. لكن بين لبنان وأوكرانيا ما هو أبعد من ارقام الاستيراد والتصدير: بينهما مصير أمن غذائي عماده القمح. فلبنان استورد من أوكرانيا عام 2020 أكثر من 630 ألف طن من القمح، أو ما يمثل 80 في المئة من حاجته الاستهلاكية، مرتفعاً من 535 ألف طن من القمح استوردها عام 2019.
لم يكن لبنان يعتمد في السنوات السابقة بشكل شبه كلّي على القمح الأوكراني. ففي العام 2015 استورد لبنان نحو 30 في المئة فقط من حاجته الاستهلاكية من القمح الأوكراني، في حين استورد نحو 46 في المئة من روسيا، والباقي من دول أخرى. أما في السنوات اللاحقة، فارتفعت نسبة استيراد لبنان للقمح الأوكراني تدريجياً حتى وصلت في العام 2020 إلى 80 في المئة من أوكرانيا، و15 في المئة من روسيا، و5 في المئة من باقي الدول.
مخزون القمح في لبنان
تتصاعد المخاوف من الأزمة الأوكرانية الروسية، ليس فقط لكون البلدين من بين أكثر البلدان في العالم تصديراً للقمح، بل أيضاً من تأثر أسعار القمح العالمية سلباً بالأزمة الأوكرانية. وهذا حال لبنان الذي يملك مخزوناً من القمح حالياً يكفي لنحو شهر ونصف الشهر، في وقت هناك شحنات جديدة من القمح الأوكراني محجوزة بموجب عقود، وهي في طريقها إلى لبنان، وفق ما يؤكد المدير العام للحبوب والشمندر السكري في وزارة الاقتصاد، جريس برباري، في حديث إلى “المدن”، فلا خوف من نقص في مخزون القمح اللبناني. إنما الخوف من ارتفاع الأسعار العالمية وتأثيرها على لبنان الذي يعاني أزمة مالية ومعيشية.
أما المقصود بمخزون القمح فيقتصر على مخزون المطاحن المستوردة للقمح، والتي تستلمه من البواخر مباشرة وتنقله إلى مخازنها الخاصةز إذ منذ انفجار 4 آب 2020 فقد المرفأ إهراءات القمح، وبالتالي لم يعد بالإمكان تخزين القمح فيها، وهي التي كانت تستوعب نحو 120 ألف طن من القمح، أي حاجة 3 أشهر. أما اليوم، فمستوردات القمح تأتي إلى لبنان عبر بواخر صغيرة، حسب رئيس غرفة الملاحة الدولية إيلي زخور، في حديث إلى “المدن”، فتتراوح سعة الباخرة بين 5 آلاف و7 آلاف طن فقط، باستثناء بعض الشحنات التي تبلغ سعتها 15 ألف طناً، وتكون عائدة إلى أكثر من مستورد، ويتم نقل القمح من البواخر عبر شاحنات إلى مستودعات المطاحن مباشرة. ويكفي مخزون الأخيرة لنحو شهر ونصف الشهر.
لا يتخوف برباري من تعثر استيراد القمح من أوكرانيا في حال حصل، “فليست عملية استيراد القمح من دول أخرى بالأمر الصعب”. إنما القلق من ارتفاع تكلفة الاستيراد من دول تبعد عن لبنان جغرافياً أكثر من اوكرانيا وروسيا.
بين لبنان وأوكرانيا
ولا تقتصر العلاقات التجارية بين لبنان وأوكرانيا على استيراد القمح فقط، وإن كانت تأخذ الحيز الأكبر من حجم التبادل. فلبنان يستورد من أوكرانيا الحبوب المختلفة والحديد والصلب والزيوت والحيوانات الحية وغيرها.. وتتجاوز نسبة استيراد الحبوب 50 في المئة من مجمل المستوردات.
أما لبنان فيصدر إلى أوكرانيا فواكة وخضراوات وتبغ ومصنوعات بلاستيكية وغيرها.. لكن لم تتجاوز قيمة مجمل الصادرات اللبنانية إلى أوكرانيا في عام 2020 المليون دولار فقط (نحو 950 ألف دولار)، في حين يبلغ حجم المستوردات اللبنانية من أوكرانيا 271 مليون دولار عام 2020، متراجعاً من قرابة نصف مليار دولار في الأعوام السابقة، تحديداً في العامين 2013 و2017.
المصدر : المدن