مع صعود أسعار النفط لمستويات قياسية تجمع الآراء بأن تحركات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العسكرية أثارت مخاوف الأسواق، وقد تولد تغييراً قادماً. ويؤكد باحثون في شؤون النفط لـ”اندبندنت عربية “إن طول فترة الحرب الروسية- الأوكرانية والتي ستتحكم في حركة أسواق السلع الأساسية بما فيها النفط، قد تشعل المزيد من الأسعار، وهو ما يلقي بظلاله على تعافي نمو الاقتصاد العالمي. وبحسب الباحثين، فان موسكو أضافت مستوى جديداً تماماً من التقلب وعدم اليقين في الأسواق، على الرغم من وجود الكثير من أساسيات السوق. وكانت أسعار النفط العالمية، تجاوزت 105 دولارات للبرميل للمرة الأولى منذ 2014، مع بدء عملية عسكرية روسية على أوكرانيا. ومنذ بداية العام الحالي، زادت أسعار خام “برنت” القياسي بأكثر من 33 في المئة، فيما ارتفعت أسعار الخام الأميركي بنحو 30 في المئة.
عملية عسكرية
وأعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ساعة مبكرة من صباح الخميس 24 فبراير (شباط) الحالي، عن تنفيذ “عملية عسكرية” في إقليم دونباس شرق أوكرانيا، الذي يضم منطقتي لوغانسك ودونيتسك. وحث بوتين الجنود الأوكرانيين في منطقة القتال بشرق أوكرانيا على الاستسلام وإلقاء الأسلحة والعودة إلى ديارهم. ولم يعطِ أي تفاصيل عن حجم العملية، وإن كانت ستقتصر على شرق أوكرانيا أو ستكون أوسع.
تهديد الإمدادات
من جهته، تحدث الباحث النفطي كامل الحرمي عن ارتفاع أسعار النفط بقوله “يأتي تأثير العملية العسكرية الروسية في أواكرانيا على رأس الأسباب، التي أشعلت الأسعار كون روسيا من أكبر منتجي النفط في العالم، مؤكداً بأن هذه التوترات بلا شك ستثير القلق في استمرار إمدادات الخام، حيث تنتج موسكو نحو واحد من كل 10 براميل من النفط على مستوى العالم.وتابع: “جاء الصعود القياسي في الأسعار كنتيجة لرد فعل المستثمرين تجاه الهجوم الروسي على أوكرانيا وسط قلقهم من التأثير المحتمل للصراع على إمدادات النفط والغاز الحيوية من تلك المنطقة”.وأضاف “أن الضرر الأكبر سيكون على أوروبا التي تعتمد بنسبة تصل إلى 27 في المئة على النفط الروسي في حين تصل صادرات الغاز إلى الاتحاد بنسبة تزيد على 40 في المئة وهو الأمر الذي يعطي موسكو قوة كبيرة في سوق الغاز والنفط، لافتاً إلى أنه في حال انقطاع هذه الإمدادات جزئياً، لن يكون بإمكان الدول الكبرى المنتجة الأخرى التعويض عن ذلك إلا بقدر محدود إلى جانب مدى سرعة وصول هذه البراميل إلى الأسواق”.
وأشار إلى “أن ذلك يتزامن مع تضاؤل الطاقة الإنتاجية العالمية الفائضة والقلق من مستويات المخزون، الأمر الذي يمثل عاملاً مؤثراً في أسعار الخام مما سيواصل الدفع بها لمستويات أعلى، متوقعاً استمرار صعود أسعار الخام بشكل حاد مع تصاعد الصراع وزيادة المخاوف بشأن اضطرابات الإمدادات، فيما سيشكل التوصل إلى اتفاق نووي إيراني ضغوط سلبية إضافية”.
تأثير سلبي
وقال مدير مركز “كوروم” للدراسات الاستراتيجية في لندن، طارق الرفاعي “إن العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا يفسر القفزة القوية في الأسعار والتي ترجع في الأساس إلى تزايد المخاوف من تعطل الإمدادات الفعلية للخام ولا سيما إلى أوروبا وسيطول تأثيره السلبي أيضاً الاقتصاد العالمي”. وأضاف الرفاعي “أنه في حال توسع نطاق الحرب سيتسبب في مشاكل الإمدادات في السوق النفطية، وسترتفع معه الأسعار بشكل كبير ما سيعزز الضغوط التضخمية ويؤثر في الأسواق المالية ونمو الاقتصاد العالمي”.
أمر طبيعي
من جانبه أكد طلال البذالي، الأكاديمي في كلية هندسة البترول في جامعة الكويت، أن “ارتفاع أسعار النفط بالتزامن مع نشوب الحرب الروسية- الأوكرانية أمر طبيعي، لأن هناك خوفاً على أمن الإمدادات النفطية حول العالم وعبر الممرات المائية”.وأوضح البذالي “أن الأسعار ستظل مرتفعة مع استمرار الحرب بين البلدين، ولن تنخفض الأسعار، إضافة إلى أن هناك أنباء من أن الصين تتحرك على تايوان، وهذا مشكلة إضافية، مما يعزز من مخاوف نقص الإمداد النفطي العالمي”. وأضاف “أن أسعار النفط لن تسلك مساراً هبوطياً إلا بعد وقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا، بجانب تهدئة كبيرة بين الصين وتايوان”. وتابع: “ارتفاع أسعار النفط فوق 100 دولار قد لا يكون جيداً للدول المنتجة لأن مستويات الأسعار المرتفعة قد تحفز على إيجاد بدائل للاستهلاك النفطي، وهذا في ظل الظروف الطبيعية البعيدة عن الحروب أو التوترات الجيوسياسية”.
وأفاد البذالي، بأنه على رغم ذلك فإن ارتفاع أسعار النفط يعتبر تحولاً إيجابياً لميزانيات الدول المنتجة والبلدان الخليجية التي تعتمد على إنتاج النفط كمصدر للدخل، ولكن ستكون جيدة على المدى القصير إلى المتوسط، مضيفاً: “من غير المعلوم متى ستنتهي الحرب؟ قد تطول شهراً أو عدة أشهر أو سنوات”.
ارتفاع مؤقت
وأشار المتخصص في الشؤون النفطية خالد بودي، إلى أن تصاعد أسعار النفط سببه القلق من تعثر الإمدادات أو انقطاعها نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا.وبين المحلل في شؤون الطاقة “أن هذا التصاعد من المتوقع أن يستمر مع تفاقم الأزمة ومواصلة العمليات الحربية لذلك ليس من المستبعد أن تصل أسعار النفط إلى 120 دولاراً للبرميل وقد تتجاوز هذا المستوى”.ويرى بودي، أن الارتفاع سوف يكون مؤقتاً ثم لا تلبث أن تعود الأسعار إلى مستوياتها السابقة بين 90-80 دولاراً للبرميل بعد انتهاء الحرب، واستقرار الأوضاع الأمنية في منطقة النزاع.
وبيّن بودي “لكن إذا استمر وجود شح في الإمدادات حتى بعد انتهاء الحرب نتيجة تعثر وصول النفط الروسي إلى الأسواق فقد تستمر الأسعار مرتفعة عن مستويات ما قبل الحرب لفترة قد تطول إلى أن ترجع صادرات النفط الروسي إلى مستوياتها الطبيعية، بخاصة إذا علمنا أن الطاقة الإنتاجية الاحتياطية محدودة ولا يمكنها تعويض النقص في صادرات النفط الروسي إلا بشكل محدود إن حصل هذا النقص”. وقال: “ليس من المستبعد أن نشهد تفاقماً في الأزمات الاقتصادية والمالية لتضرب العالم بشكل عام والدول النامية المستوردة للنفط بشكل خاص ليشهد العالم أزمة اقتصادية جديدة بعد بدء تعافيه من جائحة كورونا”. وأوضح أنه بالنسبة لمنطقة الخليج العربي فقد لا تكون بمنأى عن الآثار الاقتصادية التي قد تترتب على هذه الأزمة وإن استفادت دول المنطقة من ارتفاع أسعار النفط.
بدائل سريعة
من جهته، قال رئيس الباحثين في شركة “وود ماكينزي” سيمون فلورز، إنه لا يمكن التفكير في فرض عقوبات على صادرات السلع الأساسية الروسية، فلا توجد بدائل سريعة في حالة قطع الإمدادات. وتابع فلورز، أن منظمة “أوبك” أشارت بالفعل إلى أنها لن تكثف الإنتاج لخفض الأسعار، ولكن في حالة قطع إمدادات النفط الروسية، وهو أمر غير مرجح نتوقع أن تفكر المنظمة في توفير نفط إضافي لتعويض الخسارة لتجنب حدوث أزمة اقتصادية عالمية. وأضاف أن أسعار السلع المرتفعة بدعم الأزمة الحالية هي مفيدة لروسيا، وقد تعزز عائدات التصدير المرتفعة الفائض المالي للدولة وترفع حجم الاحتياطيات الأجنبية. وتابع: “روسيا حددت تحركها من موقع قوة، والذي جاء بوقت يلتمس فيه الاقتصاد العالمي انتعاشاً مطلوباً، وهو ما يحتاجه العالم من متطلبات جميع السلع التي يمكنه الحصول عليها، وليس أقلها صادرات روسيا من الغاز والنفط والفحم والمعادن والبتروكيماويات والأسمدة”.
المصدر : اندبندنت عربية