هل تكون الأزمة الروسية الاوكرانية ذريعة إضافية لتأخير السير في خطة الكهرباء، خصوصاً ان الأرقام التي كانت موضوعة قبل ارتفاع اسعار المحروقات ما عادت تصلح اليوم مع اقتراب سعر برميل النفط من 120 دولاراً بما يفرض اعادة خلط اوراق الخطة التي بالأساس لم يكن مرضيّاً عنها؟
فاقَمَ ارتفاع اسعار المحروقات عالمياً أزمة الكهرباء، اذ لا يمكن لمؤسسة كهرباء لبنان ان تستمر بالانتاج بكلفة 30 سنتا للكيلوات موضوعة وفق سعر برميل نفط 20 دولارا فيما وصل سعر برميل النفط عالميا الى نحو 120 دولارا. حتى الدعم المالي المطلوب في السنة الاولى من خطة الكهرباء والمحدّد بقيمة 250 مليون دولار لن يؤدّي الغرض منه بعدما زاد سعر البرميل نحو 25 دولارا في غضون شهر.
وحديث وزير الطاقة الاخير وليد فياض عن ان التعرفة الجديدة يجب ان تساوي نصف الفاتورة التي يدفعها المواطن اليوم لاصحاب المولدات لم تعد واقعا لأن حتى فاتورة المولد المرتقبة نهاية الشهر الجاري لا بد ان ترتفع حوالى 40% عن الشهر الذي سبقه لأن سعر طن المازوت ارتفع من 800 دولار الى 1250 دولارا.
اما اذا كانت كلفة الكهرباء السنوية تبلغ 800 مليون دولار (وفق تقدير وزير الطاقة) وليس لدينا كهرباء، علماً ان سعر برميل النفط كان يتراوح ما بين 60 الى 80 دولارا، فكيف الحال اليوم مع سعر من المتوقع ان يتخطى الـ150 دولارا.
إنطلاقاً من كل ذلك واستنادا الى كل المتغيرات التي طرأت على اسعار المحروقات مؤخرا بسبب الحرب الروسية على اوكرانيا، يبدو ان هناك حاجة لإعادة النظر في خطة الكهرباء وانّ قابل الايام سيكون اسوأ كهربائياً، خصوصا ان استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الاردن دونهما عقبات.
في هذه الاثناء، وفيما لا جديد على صعيد اي تقدم في خطة الكهرباء حكوميا، هل لا يزال مطلب تأمين سلفة او دعم مالي بقيمة 250 مليون دولار لمؤسسة كهرباء لبنان لغرض تأمين الفيول ورفع ساعات التغذية ذا جدوى في ظل ارتفاع اسعار المحروقات عالميا؟
يقول مدير المعهد اللبناني لدراسات السوق باتريك مارديني ان سلفة الخزينة تطرح اشكاليات كبيرة اولها انها ترفع عجز الموازنة العامة التي يتوجب على الدولة تسديدها فهل تملك الدولة اللبنانية فائضاً في الموازنة العامة لدفعها؟ بالحقيقة، ووفق ارقام الحكومة، تسجّل الموازنة عجزا بقيمة 7 آلاف مليار ليرة قبل الحديث عن سلفة الكهرباء، بما يعني ان هذه السلفة ستزيد العجز فمن اين سيتم تمويله؟ وإذا كان لبنان يتجه فعلا نحو اجراء اصلاحات هيكلية وينوي الاتفاق على برنامج اصلاحي مع صندوق النقد فإن من احد شروطه وقف العجز في الكهرباء وبما ان ذلك يستحيل اليوم فالمطلوب من الدولة ان تقدم خطة للسنتين او الثلاث المقبلتين لوقف العجز وهذه السلفة ستزيد العبء وستكبّر المشكلة.
أما الاشكالية الثانية فهي ان الدولة اعطت الاموال للكهرباء بالليرة اللبنانية الا انها بحاجة لتحويلها الى دولارات لشراء الفيول من الخارج وليس امامها سوى المصرف المركزي للقيام بذلك، وهو لإتمام هذه العملية سيستعمل ودائع اللبنانيين او ما تبقى منها. وبالتالي، سيخسر مزيدا من احتياطاته بغض النظر عن سعر الصرف الذي سيعتمد. وبالخلاصة إن هذه السلفة ستكون مسؤولة عن خسارة الدولارات الاحتياطية، وستكبر فجوة المركزي وتزيد مشكلة المودعين وتكبر الأزمة المصرفية. انطلاقا من ذلك يرى مارديني ان موضوع سلف الخزينة لتمويل الكهرباء في غير محله، وعلى وزارة الطاقة التفكير بمصادر اخرى للتمويل مثل البيع، بحيث تكون الفواتير المجباة قادرة على سد كلفة الانتاج (الفيول، اليد العاملة قطع الغيار..) فلا يمكن لأي شركة ان تبيع بخسارة على مدى 30 عاما.
التعرفة
أما بالنسبة الى التعرفة، فيقول مارديني انه استنادا الى دراسة قام بها المعهد يتبيّن انه اذا ارادت مؤسسة كهرباء لبنان ان تبيع الكهرباء التي تنتجها بسعر الكلفة ومن دون تسجيل اي خسارة يجب ان تبيع الكيلوات بنفس السعر الذي يبيعه اصحاب المولدات الخاصة، لأن كلفة انتاج ونقل وتوزيع الكهرباء تضاف اليها كلفة الهدر التقني وغير التقني توازي حتما كلفة انتاج الكيلوات من المولدات. واوضح ان وزارة الطاقة لطالما قالت انها ستعمل قبل رفع تعرفة الكهرباء على خفض الهدر والتسعيرة التي تقترحها ستكون على اساس تغطية كلفة الانتاج بعد خفض الهدر، وبهذه الطريقة ستكون التسعيرة الجديدة مقبولة نوعا ما من المشتركين.
واكد ان التعرفة التي ستحدّدها وزارة الطاقة لن تعكس كلفة الانتاج التي ستظل أعلى، لأن الوزارة تراهن على انها ستخفض الكلفة بطريقتين: الاولى خفض كلفة الانتاج مراهنة على استعمال الغاز الاردني، والثانية خفض الهدر من خلال الاستعانة بقوى الامن الداخلي لتتمكّن من جباية الفواتير ووقف التعديات، مع العلم ان الامر أسهل من ذلك بكثير، فمن يخالف ويتخلف عن الدفع تقطع عنه الكهرباء وانتهى. في جميع الاحوال اذا اردنا شراء الغاز من مصر والكهرباء من الاردن يجب ان نملك المال لندفع ثمنه بما يعني ان زيادة التعرفة حتمية. والواقع ان هذه الزيادة ستكون كبيرة لأن لبنان لا يملك الكفاءة لانتاج الكهرباء، ويعود ذلك للهدر الذي تصل نسبته الى 40% ما بين هدر تقني وغير تقني، الى جانب ارتفاع كلفة الانتاج بسبب الفساد الحاصل في الصفقات العمومية والتوظيفات العشوائية.
ورأى مارديني انه، وللحصول على كهرباء اقل كلفة، لا بد من السماح للشركات الخاصة ولموزعي طاقة مستقلين بإنتاج الكهرباء وبيعها للناس مباشرة، بكلفة اقل من تلك التي يفرضها اصحاب المولدات. أما التركيز على ان يكون القطاع العام هو المورّد الوحيد للكهرباء في البلد، فيخفّف من الكفاءة ويرفع الكلفة والتسعيرة.
ch23