في ظلّ انشغال الحكومة في تأمين الأمن الغذائي، يتداعى في الموازاة الأمن الصحّي والاجتماعي في البلاد، مع تعذّر المرضى الدخول الى المستشفيات الحكومية او الخاصة بسبب الفواتير الخيالية المتوجب تسديدها نقداً ومسبقاً، وحظر مرضى مختلف الجهات الحكومية الضامنة من الدخول الى المستشفيات قريباً!
قبل ان تحتفل الحكومة ببدء دفع المساعدات النقدية ضمن البرنامج الطارئ لشبكة الأمان الاجتماعية «أمان»، فلتعالج مشكلة الطبابة والاستشفاء، وتبدأ بتسديد ديونها لمؤسسة الضمان الاجتماعي، والتي تخطّت الـ5 آلاف مليار ليرة، وباتت تهدّد بانهيار المؤسسة، مع ما يترتب عن ذلك، من تبخّر لأموال المواطنين مرّتين، مرّة في المصارف ومرّة لدى الجهات الضامنة!
35 في المئة من الشعب اللبناني، هي نسبة المرضى الذين يتعالجون على حساب الضمان الاجتماعي، لاسيما انّهم باتوا اليوم رغم وجود تلك الجهة الضامنة، مضطّرين إلى سداد 95 في المئة من قيمة فاتورة الاستشفاء نقداً بسبب تسعيرة المستشفيات، لعدم تحديث تسعيرة الضمان، وتكبيد المرضى الفوارق في ارتفاع الاسعار. هذه النسبة ستصبح غير مؤهّلة لدخول المستشفيات مع انتهاء المهلة التي منحتها الأخيرة للحكومة، اواخر هذا الاسبوع، لإيجاد حلّ لأزمتها مع الضمان وتوقفه عن تسديد الدفعات الشهرية لها، بسبب تعثر الدولة في دفع مستحقات الضمان.
كذلك الامر، ستتوقف المستشفيات مع بداية الشهر المقبل عن استقبال مرضى موظفي المصارف، كإجراء مضاد، لقرار المصارف عدم تسديد اجور موظفي المستشفيات الموطّنة لديها، وفرض تأمين الاموال النقدية اللازمة بأكملها او بمعظمها، كي تسدّد هذه الاجور ضمن سقوف السحب التي يحدّدها كل مصرف.
وبالتالي، بعد أسبوع أو أكثر، ستصبح المستشفيات الخاصة تتعامل فقط مع مرضى شركات الضمان الخاصة او المرضى من أصحاب الدولارات الفريش او الدفع نقداً، لأنّ الجهات الضامنة الحكومية الاخرى، لم تعد أيضا تشكّل «ضمانة» لدخول المرضى المنتسبين لها الى المستشفيات، لأنّ هؤلاء، مجبرون ايضاً على تسديد فواتير الاستشفاء نقداً ومسبقاً، ومن ثم تحصيلها (وهو امر غير وارد حالياً) من الجهات الضامنة تلك.
لا يقع اللوم في هذه الأزمة على المستشفيات، إذ انّها مؤسسات خاصة، لا يمكنها ان تستمرّ في حال واصلت إقراض الدولة وتحمّل الأعباء المالية عنها، وهو الامر الذي لم يعد وارداً اليوم، بعدما أصبحت كل المعاملات التجارية (شراء المستلزمات الطبية والادوية وغيرها) تُسدّد نقداً. وبعدما حذّرت المستشفيات اوائل الاسبوع الماضي من التوقف عن استقبال مرضى الضمان والبدء بتقاضي كامل فواتير مرضى غسيل الكلى والأمراض السرطانية، في حال لم يسدّد الضمان مستحقاتها عن شهري كانون الثاني وشباط، عادت وأمهلت الصندوق أسبوعاً، بناءً على تمنٍ من رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الاسمر.
لكنّ هذه المهلة انتهت اليوم، فهل تمّت معالجة الأزمة؟
«يوماً بيوم»
أوضح نقيب اصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون لـ»الجمهورية» في هذا الإطار، انّ مجلس إدارة الضمان وافق على قرار دفع السلفات الشهرية المتأخّرة، ولا يزال يحتاج الى توقيع تلك الموافقة بعد 15 يوماً، مؤكّداً انّ المستشفيات ستستمرّ حالياً في استقبال مرضى الضمان بالإضافة الى مرضى غسيل الكلى والأمراض السرطانية، من دون تكبيدهم فروقات مالية، مع العلم انّ وزير الصحة وعد برفع تعرفة غسيل الكلى اوائل الشهر المقبل، على ان تعمد أيضاً كافة الجهات الضامنة الى رفعها تباعاً، مشيراً الى انّه في حال لم يتمّ رفعها ستضطر المستشفيات الى تكبيد هؤلاء المرضى فروقات مالية عن غسيل الكلى ايضاً.
واشار هارون الى انّ تلك الحلول كافة ليست مستدامة، إذ انّ تعرفات الضمان لا تزال وفقاً لسعر صرف الـ1500 ليرة، مما يكبّد المضمونين فوارق مالية كبيرة، في حين انّ مضموني القطاع العسكري قد رفعوا التعرفة حوالى 4 اضعاف، وهناك مساعٍ لرفعها مجدداً، بينما انّ تعاونية الدولة رفعت التعرفات ولكن بنسب ضئيلة جدّاً لا تكفي.
وختم مؤكّداً، انّ معالجة الأزمات تتمّ «يوماً بيوم» ولا تكاد تحلّ لتعود وتندلع من جديد.
المصدر : الجمهورية