كتبت دوللي بشعلاني في “الديار”:
دخل لبنان في مرحلة الخطر على أمنه الغذائي، وسط خشية المواطنين اللبنانيين على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم في ظلّ الإرتفاع الجنوني لأسعار المحروقات، والسلع الغذائية والحاجات الأساسية المعيشية، وانقطاع الدواء وعدم توافر المستلزمات الإستشفائية وما الى ذلك… ويبدو أن لا مفرّ للبنان أمام هذا االوضع الأليم، سوى أن يتطلّع الى الأمل الذي منحه الله، ألا وهو ثروته الغازية والنفطية الموجودة في المنطقة الإقتصادية الخالصة. ورغم دخول البلاد في حماوة المعارك الإنتخابية وفي مرحلة تشكيل اللوائح تحضيراً ليوم الإنتخاب في 15 أيار الجاري، لا يزال البعض يُصرّ على ضرورة التحاق لبنان بنادي الدول المنتجة والمصدّرة للغاز والنفط في أسرع وقت ممكن للخروج من النفق المظلم.
يوصّف الباحث في شؤون المياه والحدود الدكتور عصام خليفة الوضع الحالي في لبنان، نقلاً عمّا ورد في تقرير البنك الدولي بأنّه ثمّة انهيار إقتصادي ومالي خطير في لبنان، وأنّ أي بلد في العالم لم يشهد مثله خلال المئة سنة الماضية. فأموال المودعين مجمّدة في المصارف، والرواتب تُعطى بالقطّارة وعلى سعر الـ 1500 للدولار الواحد، فيما سعره يُحلّق في السوق السوداء، كما على منصّة «صيرفة»… وهناك 2000% زيادة في ثمن المواد الإستهلاكية، و 250% زيادة في أسعار المحروقات والنقل. كما أنّ الليرة اللبنانية قد تعرّضت لانهيار مريع إذ فقدت 93% من قيمتها الشرائية… والأخطر منذلك كلّه أنّه ليس من أفق للحلّ من قبل المسؤولين، وبالتالي فإنّ المصارف اللبنانية التي أخذت 90 مليون دولار بين عامي 1990 و 2020، ورواتب وأجور بقيمة 72 مليار دولار، ليس من خطة لديها لرؤية الضوء في آخر النفق.
وأضاف: «قال وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان، كما المونسينيور بول رتشارد غالاغر خلال زيارته الأخيرة الى لبنان وإلقائه محاضرة في الكسليك، جملة واحدة لا بدّ وأن يهتزّ لها الجميع وهي «أنّ لبنان معرّض للإنمحاء (أي للزوال). كذلك ذكرت الناطقة باسم الكي دورسيه كلير لوجاندر بأنّ «لبنان يواجه أزمة عميقة وخطيرة». وثمّة كلام خطير ورد في تقرير البنك الدولي وهو أنّ السياسيين في لبنان ينظّمون الإنهيار ويسيرون به. فضلاً عن ذيول وجود أكثر من 2.7 مليون نازح سوري، وما تكبّدته العاصمة بيروت وسكّانها من خسائر مادية وبشرية ضخمة جرّاء انفجار 4 آب في العام 2020».
وأمام هذا الواقع المرير، يجد الدكتور خليفة بأنّه لدينا أمل هي الثروة الغازية والنفطية في منطقتنا البحرية. وثمّة تقرير أميركي عِلمي رصين (صادر عام 2010) يُقدّر بأنّ البلوكات اللبنانية العشرة في شرق المتوسط تحتوي على 40 تريليون قدماً مكعّباً من الغاز، أي ما يُوازي 240 مليار دولار أميركي تقريباً، و 4 مليارات برميل نفط ثمنها نحو 200 مليار دولار. هذا باستثناء أنّ مساحة «حقل قانا» أكبر بضعفين ونصف من «حقل كاريش».. هذه الثروة التي بدأ اكتشافها في العام 2000 والإهتمام بها من قبل الشركات الدولية مثل «توتال» الفرنسية، و»إيني» الإيطالية، و «نوفاتيك» الروسية، كما الشركات الأميركية وبدأت الإستكشاف فيها، ما أوجد نقاشاً لترسيم الحدود البحرية على ضوء القانون الدولي والإجتهادات في المحاكم الدولية.
وأوضح أنّ لبنان أخطأ في العام 2017، أثناء الترسيم مع قبرص، وقد أخذت منه 2300 كلم2 إضافة الى حصّتها البحرية. وأخطأنا كذلك مع العدو الإسرائيلي، في تحديد إحداثياتنا، فاعتمد النقطة 1 التي وضعها لبنان عن طريق الخطأ مع قبرص، على أنّها «ثلاثيّة»، ما جعله يعتمد الخط 1 خلال مفاوضات الترسيم غير المباشرة مع لبنان. كذلك يخسر في الحدود البحرية الشمالية 750 كلم2 مع سوريا. وبدلاً من أن تكون مساحتنا أكبر في البحر كان أقلّ، وثمّة دراسات عدّة حول هذا الموضوع. فيما الخط 23 يكشف المناطق اللبنانية أمام الرقابة الإسرائيلية، وليس العكس ويدخلنا في نقاش عقيم لأنّه لا يُعطي لبنان «حقل قانا».
وأشار خليفة الى أنّ الدولة اللبنانية بدأت بتعيين حدودها البحرية إبتداء من العام 2002، واستكملتها خلال حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في العام 2011، مع إرسال المرسوم 6433 الذي يعتمد الخط 23 الى الأمم المتحدة، وهو الذي حدّد حدود المنطقة الإقتصادية للبنان مع سوريا وقبرص و «إسرائيل». علماً بأنّ التقرير البريطاني نصّ على أنّه يُمكن للبنان الذهاب الى الخط 29. ولهذا طرح الوفد العسكري اللبناني هذا الخط على طاولة المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود مع العدو الإسرائيلي، وكانت حججه لا يُمكن ردّها لجهة ثبات ملفه القانوني، كما طرح المجيء بخبراء في القانون الدولي، أو اللجوء الى المحاكم الدولية. كذلك فإنّ الخطوط الثلاثة (أي 1، هوف، 23) لم تنطلق من رأس الناقورة بل من شماله (على بعد 28 م على الأقل)، وأعطوا لصخرة «تخليت» في البحر صفة جزيرة وهي تبعد 1800م جنوب رأس الناقورة. مع العلم بأنّ الجزيرة في القانون الدولي للبحار (1982، المادة 121) يجب أن تكون آهلة بالناس أو قابلة للسكن البشري، و»تخليت» تغمرها المياه. فيما الخط 29 ينطلق من نقطة الحدود البريّة، وهو الخط العلمي والقانوني والوطني الذي يستند الى الإتفاقيات الدولية ويحفظ الثروة البحرية اللبنانية، ويومّن مستقبل الأجيال المقبلة.
أمّا جوهر الصراع، فهو، على ما شرح، أنّ العدو الإسرائيلي يُصرّ على عدم الإنطلاق من الناقورة بل من شمال رأس الناقورة، ما يجعله يربح 700 كلم2 على الحدود، مع صخور «تخليت» 1800 كلم2، هذا ما يريدون أخذه من لبنان… وبعد توقّف المفاوضات، جاء الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين وطرح ممّا جرى استنتاجه، «الخط المتعرّج» الذي ينطلق من شمال رأس الناقورة على الخط 23، ويتعرّج في اتجاه «خط هوف»، ما يعني أنّ «إسرائيل» أخذت منطقة واعدة، يدخل ضمنها «حقل كاريش» (والباخرة الثانية تأتي الى «كاريش» قريباً بعد الباخرة الأولى التي أتت لجسّ نبض لبنان واعترض لدى الأمم المتحدة على عملها في منطقة متنازع عليها) وجزء من «حقل قانا»، وجزء من البلوك 8 شمالاً… وهي تعلم ماذا هناك بين الخطين 1 و29 فقد يكون هناك آباراً جديدة، لهذا تصرّ على الحصول على هذه المساحة البحرية…
وذكر الدكتور خليفة بأنّ المسؤولين اللبنانيين اتفقوا على «قتل الخط 29»، وردّوا على طرح هوكشتاين. أمّا النتائج السلبية التي تنجم عن «خط هوكشتاين». هذا الإقتراح اي الخط 23 كونه لا ينطلق من رأس الناقورة، فإنّ هذا الأمر سينعكس في البرّ، فعند الإنطلاق من النقطة المثبتة برّاً من رأس الناقورة (30 متراً شمالاً)، لا بدّ من تعديل كامل الخط الحدودي. وهذا مدخل مهم، علينا التنبّه له، لأنّه «بداية تغيير الحدود البريّة»، وهي مرسّمة ومثبّتة في عصبة الأمم في 4 شباط 1924، وفي إتفاقية الهدنة في 29 منه في المادة الخامسة. فيما الترسيم حاصل منذ العام 1949، ولا بدّ من «تثبيت الترسيم»، غير أنّهم مصرّون على الترسيم.