قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، في تقرير لها، إن “إمكانية اعتماد المملكة العربية السعودية على اليوان الصيني بدل الدولار الأمريكي، في تعاملاتها مع بكين، آخذ في الازدياد”.
وأشارت الصحيفة إلى ذلك سيكون اعتمادا على عدد من المعطيات التي قد “تُفرض” على السعودية بحكم حاجتها إلى تقوية علاقاتها مع المشترين لنفطها، مضيفة أن أبرز تلك المعطيات، هي “طبيعة الصادرات النفطية”، والتي تضع الصين، الأولى بين المستوردين من المملكة.
وأفادت بأن السعودية تخطط لإجراء محادثات مع بكين لتسعير بعض مبيعاتها النفطية لها باليوان، منوهة إلى أن هذه الخطوة ستقلل من هيمنة الدولار الأمريكي على سوق البترول العالمية.
وقالت: “منذ عام 1974، يتداول السعوديون النفط بالدولار، إثر صفقة عقدتها السلطات مع إدارة الرئيس الأمريكي السابق، ريتشارد نيكسون، تضمنت ضمانات أمنية للسعودية”.
وأشارت إلى استخدام الدولار بالنسبة لبكين أصبح عاملا معرقلا لاقتصادها، خصوصا بعد العقوبات الأمريكية على إيران بسبب برنامجها النووي وعلى روسيا ردا على غزوها لأوكرانيا.
وأوضحت أن الصين تحاول بشتى الطرق التقرب من السعودية، منوهة إلى أنها صعدت من مغازلة المملكة في السنوات الأخيرة، لأجل إقناعها بالتعامل معها باليوان، محاولة الاستفادة من تراجع علاقتها مع الولايات المتحدة، بسبب قضايا عدة.
ونوهت إلى أن “بكين ساعدت الرياض ببناء صواريخها الباليستية الخاصة، وبدأت الاستثمار في مشاريع ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، مثل مشروع “نيوم” المدينة المستقبلية”.
من جانبها، قالت الخبيرة الاقتصادية السعودية، نوف الغامدي، إن “السعودية ليست بحاجة إلى استخدام اليوان كونها تملك احتياطات أجنبية كافية، تمكنها من تغطية ديونها الخارجية بشكل مريح، مما يمنحها مستوى من الاستقرار يجعلها لا تفكر في استبدال الدولار، مقارنة بدول منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) الأخرى التي تعاني من عجز تجاري ومالي كبير”.
وأشارت الخبيرة السعودية، إلى أن اليوان الصيني، وعلى الرغم من كل المحاولات لم يستطع تحقيق أي مكانة في سوق التعاملات، منوهة إلى أن الصين استطاعت إبرام اتفاقيات ثنائية مع بعض الدول لاستيراد النفط والغاز باليوان بدلا من الدولار، إلا أنه اليوان لم يحقق حتى الآن أي تأثير حقيقي في مجال عملة الاحتياط.
وأضافت: “بحسب صندوق النقد الدولي، فإن وزن اليوان وصل إلى 2.5 في المائة فقط من حجم عملات الاحتياط، التي يشكل الدولار فيها 55 في المائة، يليه في ذلك اليورو 19 في المائة”.
ولفتت إلى أن “التنبؤ بالتأثيرات المتعلقة بالتقلبات الاقتصادية والتغيرات الجيوسياسية التي تحدث بين الحين والآخر، صعبة”، منوهة إلى أن “التطورات الأخيرة نتيجة الأزمة الروسية الأوكرانية من جهة، وتقلبات الاقتصاد الأمريكي من جهة أخرى، قد تحدث تغيرات غير مسبوقة على صعيد عملات الاحتياط في العالم”.
ماذا ستجني السعودية من استخدام اليوان؟
وفي سياق متصل، أكدت الصحيفة الأمريكية أن “استخدام اليوان في المعاملات العالمية محدود للغاية، مشيرة إلى أن نسبة استخدام اليوان في التعاملات التجارية العالمية لا تزال لم تتخط نسبة 2.7%، وهي نسبة متواضعة مقارنة بـ 41% التي يتمتع بها الدولار الأمريكي، الذي احتل المرتبة الأولى قبل اليورو الذي احتل المركز الثاني بـ 36.6%.
ونوهت إلى أن الجنيه الإسترليني يتفوق على اليوان الصيني، مشيرة إلى أنه بلغ 5.9% من استخدامات السوق، وهو ما يضاهي أكثر من ضعف استخدام اليوان.
ونبهت أن أهمية العملة الصينية لم تزداد ولم تتحسن إلا قليلا، على الرغم من الزيادة الكبيرة في أهمية الاقتصاد الصيني على مستوى العالم، منوهة إلى أن “حامل اليوان يواجه تهديدا مستمرا بانخفاض قيمتها بشكل مفاجئ وعدم القدرة على استخدامها بحرية في المدفوعات، وهذا بالضبط ما حدث في عام 2015، حين أعلن البنك المركزي الصيني عن تخفيض حاد لقيمة العملة”.
وتعليقا على ذلك، قالت الخبيرة الاقتصادية السعودية، نوف الغامدي، إن بكين تطمح لتسعير سلع عديدة باليوان الصيني، وعلى رأسها النفط، لرفع قوة اليوان كعملة احتياط، إلا أنها لا ترغب في حدوث ذلك بسرعة خوفا من ارتفاع سعر صرف اليوان الذي سيؤثر سلبا على صادراتها”، وهو ما يمكنه أن يعطل مشروع تعميم استخدامه (اليوان).
وأكدت الخبيرة أن استخدام اليوان كبديل عن الدولار الأمريكي، غير منطقي، مشيرة إلى أن سبب ذلك هو ضوابط رأس المال، والتسعير الثابت، والسياسة النقدية لبنك الشعب الصيني.
وأفادت بأن “شركات النفط الصينية الكبيرة تفضل الدولار الأمريكي في المعاملات الدولية على اليوان الصيني”، مشيرة إلى أن “استخدام اليوان في معاملات النفط العالمية محدود للغاية”.
وأضافت: “في الماضي عندما قبل منتجو النفط والسلع في بلدان أخرى، لا سيما أميركا اللاتينية، عملة الصين، فقد كان ذلك بسبب التزامات الديون الكبيرة التي حصلوا عليها مع العملاق الآسيوي”.
وخلصت “وول ستريت جورنال” الأمريكية في مقالها، إلى أن “الدول التي تنوي الحصول على اليوان بدلا من الدولار الأمريكي، يجب عليها الحذر، ومعرفة أن ضوابط رأس المال وتحديد الأسعار تشكل تهديدات مهمة للغاية، ولا يوجد مؤشر حقيقي على أن بنك الشعب الصيني سيغير أيا من هذه التهديدات مستقبلا”.
وأوضحت الصحيفة أن هذه المعطيات، تفيد بأن السعودية قد تستخدم بعض اليوان في صادراتها النفطية، لكن الحقيقة هي أنه لا توجد أي عملة ورقية مع ضوابط رأس المال كبديل حقيقي للعملات الأجنبية، لا سيما الدولار الأمريكي.
ولفتت إلى أن “الرياض قد تلجأ إلى الذهب أو العملات المشفرة، لكن الأخيرة لن تحل محل العملة الورقية المطبوعة، الآمنة، وهي الدولار الأمريكي”.
وفي هذا السياق قالت الخبيرة السعودية نوف: “تقوية اليوان على حساب الدولار ليست من مصلحة الدول المرتبطة عملتها المحلية بالدولار، كالدول الخليجية، والسبب أن قوة اليوان تعني ضعف الدولار، وبالتالي ضعف تلك العملات المرتبطة بالدولار”.
ونوهت إلى أن الصين نفسها ستتضرر في حال ضعف الدولار أمام اليوان، وذلك لأن صادراتها ستكون عالية الثمن على دول كثيرة مرتبطة بالدولار، بينما لديها استثمارات مهولة في الأوراق المالية الأمريكية من أسهم وسندات، وبالتالي فإن ضعف الدولار يعني ضعف عائدات استثماراتها كذلك”.
وأضافت: “موازين العملات الدولية واختلاف قوتها فيما بينها ليست بالمعادلة الهينة”
وتعد الصين أولى وجهات الصادرات الرئيسية للسعودية بـ45.8 مليار دولار ثم الهند بـ25.1 مليار دولار، بعدها اليابان بـ24.5 مليار دولار، ثم كوريا الجنوبية بـ19.5 مليار دولار، وبعد ذلك، الولايات المتحدة الأمريكية بـ12.2 مليار دولار، وذلك بحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وبحسب موقع “eurasiareview”، فإن السعودية كانت أكبر مصدر للنفط في العالم سنة 2019، وبلغت قيمة صادراتها 145 مليار دولار، في حين أن الصين كانت أكبر مشترٍ بـ 204 مليار دولار.