لم تتأخر إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في قراءة الرسالة المشتركة السعودية-الإماراتية التي بعثت بها منتصف الأسبوع الحالي حول كيفية المحافظة على استقرار الأسواق، لذا قررت دراسة خطة لإطلاق مليون برميل من النفط يومياً من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي لمدة تصل إلى 180 يوماً، وفق ما ذكرت صحيفة النيويورك تايمز، وتضيف الصحيفة ان من شأن هذه الخطوة أن تضيف كمية كبيرة من النفط إلى السوق العالمية.
ويتم تخزين مخزون الطوارئ في الولايات المتحدة، في كهوف تحت الأرض في تكساس ولويزيانا، وتم إنشاء الاحتياطي بعد الحظر النفطي 1973-1974 من قبل الأعضاء العرب في أوبك، وتمّ استغلاله في حالات الطوارئ مثل الاستعداد لحرب الخليج العربي في العام 1991 وأعقاب إعصار كاترينا في العام 2005، عندما تضرر الكثير من البنية التحتية النفطية على طول خليج المكسيك.
إن مراقبة احوال اسواق الطاقة عموماً، والنفط خصوصاً، في ظل عدم وضوح الرؤية لما ستؤول اليه الحرب في اوكرانيا، تبين ان صعود الاسعار لمنتجات هذه الاسواق، صار اتجاهاً ثابتاً، على الرغم من التقلبات التي بدت أنها طارئة وغير ثابتة. وهذا ما حدث يوم الأربعاء الماضي في 30 آذار/ مارس، عندما عوّضت أسعار النفط خسائرها الكبيرة لترتفع بنحو أربعة في المئة يوم الأربعاء، فزادت العقود الآجلة لخام برنت 4.29 دولارات، أي بنسبة 3.89 في المئة لتسجل 114.52 دولار للبرميل، لتعوّض خسائر بنسبة نحو اثنين في المئة، كما ارتفعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 4.29 دولارات أي بنسبة 4.12 في المئة إلى 108.53 دولارات للبرميل، بعد تراجعها بنسبة 1.6 في المئة قبل يوم واحد.
بالطبع، لا تزال ضغوط الحرب في أوكرانيا تلقي بثقلها على أسعار النفط، وهذا ما أشارت اليه مذكرة شركة جيه.بي.سي إنرجي الاستشارية حول ” غياب مليون برميل إضافية من الإنتاج الروسي في حال تدهور العلاقات مع أوروبا وفرض حظر نفطي”.
كيف نقرأ المشهد من الموقف الأخير للإدارة الأميركية؟ يجيب مايكل شير في النيويورك تايمز ان خطة إطلاق مليون برميل من النفط يومياً، هي “لمكافحة ارتفاع الأسعار.” ولفتت الصحيفة الانتباه الى ان الرئيس بايدن “يتعرّض لضغوط سياسية متزايدة منذ أشهر مع ارتفاع أسعار البنزين بشكل مطرد، ويرجع ذلك جزئياً إلى عدم الاستقرار الناجم عن الغزو الروسي لأوكرانيا وخمسة أسابيع من القتال هناك”.
وقد بلغ متوسط سعر غالون البنزين أعلى مستوى له عند 4.17 دولارات، متجاوزاً الذروة السابقة البالغة 4.11 دولارات التي تمّ تحديدها في العام 2008، والتي لم يتم تعديلها وفقاً للتضخم. وسلّط ارتفاع تكلفة البنزين الضوء على تضخم أوسع نطاقاً في الولايات المتحدة أثّر على جيوب الأميركيين الذين يكافحون بالفعل للتعافي من الوباء المستمر منذ عامين.
وتستهلك الولايات المتحدة ما يقرب من 20 مليون برميل من النفط يومياً. وساهم ارتفاع أسعار الطاقة في ارتفاع التضخم ودفع أوبك بلس، وهي كارتل منتجي النفط الذي يضم منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وروسيا وغيرها، إلى ضخ المزيد من النفط.
تحت عنوان “أوبك تنظر إلى ما هو أبعد من السياسة وتركز على خطط الإنتاج طويلة الأجل” ، كتبت إيرينا سلاف على موقع “أويل برايس” الالكتروني، تقول: “على الرغم من أن الأسواق الجديدة ستكون من الناحية النظرية أخباراً جيدة لمصدّري النفط، إلا أن أوبك لا تزال تحد من إنتاجها، وبعض الأعضاء يفشلون في ضخ حتى تلك الكمية المحدودة التي وافقت عليها مجموعة أوبك+…أوبك لديها أولوياتها، وهي متمسكة بها، حتى في مواجهة الضغوط المتزايدة من شركائها السياسيين في الغرب. وقد تحتاج هذه الأخيرة إلى أن تكون أكثر إقناعاً في تأكيداتها بأنها ملتزمة بهذه الشراكة، وحتى ذلك قد لا يكون كافياً للتأثير على الكارتل لإنتاج المزيد من النفط”.
في سياق متصل، قال محمد باركيندو الأمين العام لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) إنه يتعين على مجموعة “أوبك بلس”، عشية اجتماع المجموعة يوم الخميس في 31 آذار مارس “الحفاظ على المسار” في ما يتعلق بقرارات المجموعة بالتمسك باتفاق قائم لزيادات تدريجية في الإنتاج تدريجياً.
ونقل بيان لأوبك عن باركيندو قوله إنه يجب على دول “أوبك+” أيضاً أن تواصل متابعة تطورات السوق عن كثب. وأشار باركيندو، إلى أحدث تطورات السوق قائلاً: “نحث زعماء العالم على ضمان تدفق مستقر وآمن ولا يعوقه شيء للطاقة إلى العالم بأسره”.
ماذا عن الرسالة السعودية-الإماراتية المشار اليها آنفاً؟ خلال القمة العالمية للحكومات، استضافتها دبي الأسبوع الحالي، أكد وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان على “تحقيق التوازن في سوق النفط الخام وتلبية احتياجات المستهلكين”، مشيراً إلى “أن أمن الإمدادات يمثل أولوية الآن، وأن بعض الدول تتجاهل مسألة القدرة على تحمل تكاليف الطاقة”. وأضاف: “أعلنا أننا لم نعد مسؤولين عن نقص الإمدادات البترولية، لأن تلك المسألة لا تحظى بالاهتمام اللازم، فأمن إمدادات الطاقة مسؤولية العالم أجمع”. وخلص الى القول: “نعمل بشكل جماعي لضمان أمن الطاقة، ونفذت دول الخليج المطلوب منها في تلك المسألة، لكن ينبغي على الآخرين الوفاء بتعهداتهم”.
من جهته، قال وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي في المناسبة ذاتها: “لدينا مهمة واحدة لا غير، وهي استقرار السوق، لذلك لا يمكننا تسييس المنظمة أو جلب القضايا السياسية إليها بإجراء هذا النقاش، هدفنا هو تهدئة السوق”. وتابع: “إذا طلبنا من أحد ترك المجموعة، فهذا سيرفع الأسعار، ونكون قد قمنا بشيء يتعارض مع ما يريده أي مستهلك”. وقال وزير الطاقة الإماراتي: “المنطقة تتعرض لهجمات من المنظمات الإرهابية، ويجب أن يتوقف ذلك إذا كنا سنلتزم بتطوير المزيد من الموارد في المستقبل”، مؤكداً إلى أن أمن الطاقة أصبح أولوية.
باختصار، ما قاله وزيرا الطاقة في السعودية والامارات، هو ضرورة التعامل مع الأسواق بشروطها، وليس وفق ما تمليه السياسة، كما ظهر في تداعيات الحرب الاوكرانية. وبالتالي، فإن المطلوب ببساطة هو النزول عن شجرة إملاء الشروط التي صعد اليها المتنازعون في هذه الحرب.