إعادة “الحاكم” إلى “كنف” الحوكمة أول غيث الخروج من الأزمة

شكلت الصلاحيات الواسعة التي تجمّعت بين يدي حاكم المركزي «سيفاً ذا حدين». فالاستقلالية التي أعطيت للسلطة النقدية جنّبت من جهة القطاع المصرفي الاضطرابات السياسية في أكثر من محطة، وساهمت في جذب الرساميل وإعلاء شأن القطاع، إلا أنها أدّت مؤخرا من الجهة المقابلة إلى «نحر» الاقتصاد من الوريد إلى الوريد. ولا سيما بعد عقود من الاستئثار بالصلاحيات وانعدام المساءلة، و»تخدّر» السلطة السياسية بالرفاه الاصطناعي الذي كان لهذه الصلاحيات دور أساسي بتعزيزه.

لم تعتبر السلطتان السياسية والمالية عشية 17 تشرين الأول 2019 من مغبة ترك حبل التصرف بالاقتصاد مرخياً على جرار استنسابية حاكم مصرف لبنان. وبدلاً من لجم حبل الصلاحيات أفلتته كلياً، تاركة للحاكم حرية إدارة الإنهيار بالتعاميم، التي بدأت مع التعميم 148 ولن تنتهي بالتعميم 161. هذا الواقع دفع بصندوق النقد الدولي إلى التوقف ملياً عند هذه النقطة. وهو لن يخطو خطوة واحدة بحسب المعلومات ما لم تبادر السلطة اللبنانية إلى إقرار قانون إطار لإعادة هيكلة القطاع المصرفي، بدءاً من المركزي وصولاً إلى البنوك التجارية. ووضع ضوابط وقواعد للحوكمة الرشيدة داخل المؤسسة النقدية.

ممّا يطلبه صندوق النقد الدولي فصل السلطات الرقابية والقضائية والتشريعية والتنفيذية في مصرف لبنان، وتعديل قانون السرية المصرفية. فالحاكم هو الرئيس الأعلى لهيئة التحقيق الخاصة التي يعود لها القرار برفع السرية المصرفية عن العملاء، ورئيس الهيئة المصرفية العليا، المنوط بها فرض العقوبات والإجراءات على المصارف. وللهيئتين طابع قضائي. وهو أيضاً رئيس هيئة الأسواق المالية، والمطّلع بشكل دائم على تقارير لجنة الرقابة على المصارف. المشكلة من وجهة نظر المحامي أنطوان مرعب تتمثل بأن «الحاكم الحالي أخذ صلاحيات أكثر مما يسمح به القانون. وتحديداً في ما يتعلق بهيئتي التحقيق الخاصة والأسواق المالية. حيث «فرض» نفسه رئيساً على الهيئتين. مع العلم أن القانون الذي أنشئت بموجبه هيئة التحقيق الخاصة لم يشترط ترؤس الحاكم شخصياً، بل شخصية من مصرف لبنان أو قاضٍ». فيما تمثلت الفضيحة في ترؤس الحاكم هيئة الأسواق المالية، إذ إن «القانون الذي ساهمت بإعداده شخصياً، كان ينص على وجوب ترؤس أحد نواب الحاكم هذه الهيئة أو من ينتدبه، قبل أن يعود ويخرج القانون بشكله النهائي برئاسة الحاكم»، يقول مرعب.

فـ»هدف الحاكم كان وضع يده على كل تفصيل، وعدم مرور أي «شاردة أو واردة» إلا بأمر مباشر منه، حتى لو كان القانون لم يعطه هذا المقدار من الصلاحيات الاستثنائية والاستنسابية. وما زاد من الفوضى برأي مرعب «هو التواطؤ بين السلطتين النقدية والسياسية، فغابت الرقابة على قرارات المركزي ولم يعترض مفوضو الحكومة المعيّنون من قبل وزارة المال على أي قرار، وهزلت التقارير المرفوعة إلى السلطة المالية. ولا سيما في ما يتعلق بتحديد سعر الصرف الذي ينص القانون على تحديده بالتوافق مع المالية. ولعلّ الفضيحة الكبرى وسبب كل الآفات تمثلت بتحديد سعر الصرف على 1500 ليرة في العام 1997 بقرار شخصي من الحاكم ومن دون الرجوع إلى المجلس المركزي أو وزارة المالية، وهو ما ندفع ثمنه اليوم.

من شروط صندوق النقد الدولي أيضاً، تعديل قانون السرية المصرفية الصادر في العام 1956، والذي يلزم مديري ومستخدمي المصارف بكتمان السرّ المصرفي كتماناً مطلقاً لمصلحة زبائن المصرف، وعدم إفشاء أسماء الزبائن وأموالهم والمعطيات المتعلّقة بهم لأيّ شخص أو سلطة عامة إدارية أو عسكرية أو قضائية. وهو الأمر الذي حال تاريخياً دون كشف جرائم «الفساد» كالرشوة وصرف النفوذ واستثمار الوظيفة وإساءة استخدام السلطة والإثراء غير المشروع والتهرب الضريبي. خصوصاً في حال رفض الشخص المشتبه في ارتكابه إحدى تلك الجرائم التنازل طوعاً وصراحةً عن السرية المصرفية. في المقابل حصر القانون حق رفع السرية المصرفية بهيئة التحقيق الخاصة، بعد إجرائها تحقيقاً في حسابات الشخص المشتبه فيه، أو في عمليات مصرفية مشبوهة، لصالح القضاء المختص. هذه السرية المصرفية التي كانت تغطي صفقات «البترودولار»، في ما مضى، وتشكل الملاذ الآمن للأموال الهاربة من بطش التأميم والانظمة الاشتراكية في دول عربية، «لم تعد تغطّي شيئاً إلا الفساد والمفسدين، ولا سيما بعدما نضبت التدفقات النقدية»، بحسب النائب السابق لرئيس هيئة الأسواق المالية سامي صليبا.

«عدا عن ذلك فإن السرية المصرفية كانت مهمة للبنان في حقبة السبعينات والثمانينات من القرن المنصرم، عندما لم يكن هناك قطاع مصرفي متطور وحديث في البلدان العربية يضاهي مثيله في لبنان. أما اليوم وحتى لو استعاد لبنان الثقة والازدهار وبدأ مرحلة الخروج من الأزمة والتعافي، فإن الأموال لن تعود لتتدفق إليه»، من وجهة نظر صليبا. حيث فاق حجم وتطور القطاع المصرفي في الدول العربية مثيله اللبناني بأشواط كبيرة. من هنا أصبح من الضروري تعديل السرية المصرفية لكشف جرائم الفساد، وعدم اعتمادها كحجة لتغطية تبييض الأموال والسطو على المال العام والإثراء غير المشروع والتهرب الضريبي».

على خلاف ما يعتقد الكثيرون، فإن رفع السرية المصرفية لا يعني حرية فضح الحسابات، إنما تسهيل الإجراءات القضائية للوصول إلى الحسابات المشكوك بنظافتها. ذلك أن رفع السرية عن الحسابات تبقى منوطة بالقضاء فقط. وهذا ما انتهجه معظم دول العالم بما فيها سويسرا، وأصبح يعمل بموجبه»، بحسب صليبا. حيث لا يجوز أن تبقى إجراءات السرية المصرفية وتعقيداتها القضائية عائقاً أمام ملاحقة الجرائم المالية.

عائق السرية برز بشكل واضح في التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان. حيث لم تتمكن الشركة المكلفة التدقيق «آلفاريز آند مارسال» من الحصول على المعلومات المطلوبة قبل أن يعمد مجلس النواب إلى سن قانون رفع السرية المصرفية 200/2020، لمدة عام. ومن ثم تمديد المهلة في شباط الحالي، لحين الانتهاء من التدقيق. ومع هذا فإن رفع السرية المصرفية لم ينطبق على كشف حسابات الموظفين الحاليين والسابقين في مصرف لبنان. حيث لم يبد المركزي استجابة لطلب تفاصيل حركة حسابات موظفي مصرف لبنان عن السنوات الخمس الأخيرة بحجة أنها غير مشمولة بالسرية المصرفية.

يتمتّع حاكم المصرف المركزي بحسب قانون النقد والتسليف المادة 26 بـ»أوسع الصلاحيات لإدارة المصرف العامة، وتسيير أعماله»، وتعود له الكلمة الفصل في الهيئات التي يرأسها ومن ضمنها المجلس المركزي. وفي ظل غياب الرقابة الجدية والتواطؤ مع السلطة السياسية يرتفع هامش سوء استخدام هذه السلطة، وتجنح نحو اتخاذ قرارات لا تصب في خدمة المصلحة العامة. وبحسب متابعين، فإن المشكلة ليست بقانون النقد والتسليف بقدر ما هي في ممارسات الحاكم التي لم يشهد لبنان مثيلاً لها منذ صدور القانون في العام 1963، وبالتالي إن كان لا بد من الاصلاح فيجب البدء بتغيير ما في النفوس قبل النصوص.

ch23

عن Majd Jamous

شاهد أيضاً

Crisis، Currency، Currency Board، Currency Exchange Rate، Currency Exchange Rate In Lebanon، Dollars Currency، Economy، Economy Crisis، Economy News، Lebanese Crisis، Lebanese Currency Exchange Rate، Lebanese Economy، Lebanese Economy Crisis، Lebanese Economy News، Lebanon Economy، Lebanon Economy News، The Lebanese Economic Crisis، The Lebanese Economy، The Lebanon Economic Crisis، أخبار إقتصادية، أخبار إقتصادية لبنانية، أخبار إقتصادية لبنانية محلية، أخبار إقتصادية محلية، أخبار إقتصادية محلية لبنانية، أخبار اقتصادية و سياسية في لبنان، إقتصاد، الأزمة الإقتصادية، الأزمة الإقتصادية اللبنانية، الأزمة الإقتصادية المحلية، الأزمة الإقتصادية في لبنان، الإقتصاد اللبناني، الإقتصاد في لبنان، تحديث سعر صرف الدولار الآن، سعر صرف الدولار، سعر صرف الدولار اليوم، سعر صرف الدولار اليوم السوق السوداء لحظة بلحظة، سعر صرف الدولار اليوم في السوق السوداء، سعر صرف الدولار اليوم في لبنان، سعر صرف الدولار اليوم في لبنان لحظة بلحظة، سعر صرف الدولار اليوم لبنان، سعر صرف الدولار اليوم لحظة بلحظة، سعر صرف الدولار في لبنان، سعر صرف الدولار في لبنان اليوم، سعر صرف الدولار في لبنان اليوم عند الصرافين، سعر صرف الدولار في لبنان لحظة بلحظة، سعر صرف الدولار لحظة بلحظة، سعر صرف الدولار لحظة بلحظة في لبنان، سعر صرف الدولار لحظة بلحظة… إليكم كم التسعيرة الحالية، تحليل الأزمة الاقتصادية في لبنان، الأسباب الكامنة وراء تدهور الاقتصاد اللبناني، أثر الأزمة الاقتصادية على حياة اللبنانيين، السياسات الاقتصادية في لبنان وتأثيرها على العملة، الدولار في السوق السوداء اللبنانية، أسعار الصرف الرسمية مقابل السوق السوداء في لبنان، التوقعات المستقبلية لسعر صرف الدولار في لبنان، تاريخ سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، استراتيجيات التكيف مع الأزمة الاقتصادية في لبنان، الدولار الأمريكي وتأثيره على الاقتصاد اللبناني، تحليل اقتصادي للوضع في لبنان، البنوك اللبنانية وأسعار صرف الدولار، التحديات الاقتصادية في لبنان، أحدث الأخبار الاقتصادية اللبنانية، التوقعات الاقتصادية للبنان، التحليلات الاقتصادية اليومية في لبنان، مستقبل الاقتصاد اللبناني، أخبار الدولار في لبنان، سعر صرف الدولار الرسمي اليوم في لبنان، أزمة الدولار في لبنان، التحديثات اليومية لسعر الدولار في لبنان، التحليل المالي للأزمة اللبنانية، أخبار السوق السوداء اللبنانية، أزمة العملة في لبنان، أثر الأزمة الاقتصادية على الليرة اللبنانية، التحليلات الاقتصادية عن لبنان، أخبار الدولار لحظة بلحظة في لبنان، مقارنة سعر الدولار بين الأسواق الرسمية والسوق السوداء، أهم الأخبار الاقتصادية في لبنان، أزمة السيولة المالية في لبنان، أخبار السوق المالية اللبنانية، تحليل سياسي اقتصادي للأزمة اللبنانية، الدولار في البنوك اللبنانية والسوق السوداء، التوجهات الاقتصادية في لبنان، سعر صرف الدولار في السوق السوداء اللبنانية، الوضع الاقتصادي الراهن في لبنان، تحليل سعر صرف الليرة اللبنانية، استراتيجيات الاستقرار الاقتصادي في لبنان، الأزمة المالية اللبنانية وأثرها على العملة، الاقتصاد العالمي وتأثيره على سعر صرف الدولار في لبنان، التحولات الاقتصادية في لبنان، تطور الأزمة الاقتصادية اللبنانية

تحديث سعر صرف الدولار اليوم ↑↓

سعر صرف الدولار الآن أو اضغط هنا لرؤية التسعيرة المستجدة للدولار في السوق السوداء لمتابعة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *