كتبت راجانا حمية في” الأخبار”:
بات وجود مليون و400 ألف مواطن في خانة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يشبه غيابهم عنه، إذ لم يعد ما يحصّله هؤلاء يساوي عُشر ما يدفعونه للصندوق. اليوم، يُذلّ المضمونون أمام أبواب الصيدليات والمستشفيات وعيادات الأطباء، يشترون صحّتهم على سعر السوق السوداء ويستردّونها من «الضمان» على سعر الـ1500 ليرة لبنانية
200 ألف ليرة هي كلّ ما استردّته رولا من فرع المرض والأمومة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بدل فاتورة أدويتها «المليونية». 200 ألف ليرة هي بدل تسعة أشهر من الانتظار وأربعة مشاوير إلى مبنى الصندوق انتهت بتحصيل مبلغ بالكاد صار يساوي 20% من قيمة ما دفعته وتدفعه لشراء أدوية مرضها المزمن التي ارتفعت أسعارها أربعة أضعاف، مع خروجها التدريجي من لوائح الدعم. «السوريالية» هنا ليست في كلفة المشاوير التي فاقت المبلغ المرصود، وإنّما في استلامها ذلك المبلغ بشيك مصرفي يفرض عليها رحلات أخرى إلى المصرف. من هنا، كانت تلك المئتين هي آخر المبالغ التي قبضتها رولا، والتي اتّخذت من بعدها القرار بقطع العلاقة مع الصندوق، بعدما باتت «أجرة الطريق أكبر بكثير ممّا استردّته من الضمان».
استرداد 20% من الكلفة
لكلّ تلك الأسباب، تراجع اهتمام الناس بخدمات الصندوق. وهناك أرقام رسمية تفيد بأنّ «نسبة ترك الناس للضمان ارتفعت في الآونة الأخيرة»، على ما تقول المصادر في الضمان، مشيرة إلى «80 ألف طلب نهاية خدمة مبكر تقدّم بها مضمونون خلال عام 2021، وغالباً ما تقدّم على أنها استقالة كي لا يحالوا إلى التفتيش». وهذا الإجراء، بحسب مصادر الضمان «هي لترك الضمان والتحوّل نحو وزارة الصحة العامة للتخفيف من كلفة الخدمات الصحية المرهقة». لهذا، لم تعد مشاهد الطوابير التي خفّت أمام فروع الصندوق هي ما يدلّل على الواقع الجديد، إذ يمكن الركون إلى الأرقام هنا لتبيان مدى التراجع في «لهفة» الناس لردّ جزء من قيمة فواتيرهم. وفي هذا الإطار، وسنداً للتقارير السنوية الصادرة عن مديرية التفتيش الإداري في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، فإن نسبة التراجع بلغت 50% ويزيد. وفي مقارنة بين السنة الماضية والسنوات الأربع التي سبقتها، بدا المشهد واضحاً، إذ في الوقت الذي بلغت فيه أعداد الاستمارات المستلمة من قبل المضمونين على التوالي 4.7% عام 2017 و4.8% عام 2018 و4.3% عام 2019، تراجعت النسبة عام 2020 إلى 3.3% لتبلغ عام 2021، 2.3%. وهي مرشحة للتراجع أكثر مع بقاء الواقع على حاله.
عملياً، يعد فرع المرض والأمومة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي هو الفرع الأساس. وبالنسبة لأهل الضمان «الضمان هو فرع المرض والأمومة». إلى هذا الحد هذا الفرع أساسي، خصوصاً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن مليوناً و400 ألف مواطن يستفيدون من تقديماته الاجتماعية. اليوم، يواجه هذا الفرع معركة خاسرة، فهو فرع «مديون» بالكاد يقدر على تغطية نفقات منتسبيه. ولذلك لا قدرة لإدارة الصندوق على إعادة دوزنة أسعار الأدوية في جدول الأدوية الجاهزة المعدّة للتسديد على غرار ما يجري في الصناديق الضامنة الأخرى، ومنها وزارة الصحة العامة، إذ لا ميزانية قادرة على التغطية.
اليوم، هناك رأيان متناقضان في ما قد يفعله الصندوق لإنصاف المضمونين، الرأي الأول منحاز بالمطلق إلى جانب المضمونين، إذ يفرض على الضمان «الالتزام بالمادة 17 من قانون الضمان نفسه والتي تفنّد التقديمات من جهة وتوجب من الجهة الأخرى التزام الأخير بالأسعار التي تحدّدها وزارة الصحة، على اعتبار أنها هي من تضع الأسعار لا الضمان من يقرر»، بحسب بعض أعضاء مجلس الإدارة في الصندوق.أما الرأي الآخر، فمناقض للأول، لناحية أن الضمان «لا يلزم إلا بجدول الأسعار الجاهزة والذي تتحدّد أسعاره بناء على رأي مسند من لجنة الأدوية التي يشكلها»، وأن أي تعديل بهذه الأسعار «يفترض صدور قرار بذلك عن مجلس الإدارة مجتمعاً، وهو ما ليس ممكناً اليوم»، على ما تقول المصادر. ولذلك، فإنّ التعديل في الجدول يفترض، بحسب هؤلاء، البحث عن مصادر أخرى. والعين اليوم على لجنة المؤشر، وما قد تأتيه من منافع في ما يخصّ زيادة الاشتراكات. ولكن، كل تلك الحلول لا تعوّض الإذلال الذي يواجهه المضمون لا في الصيدليات ولا في عيادات الأطباء ولا في المستشفيات التي بات المضمونون خارج حساباتها.