كتب غسان حجار في “النهار”:
في 30 كانون الاول 2019، خرجت “النهار” بالمانشيت الآتية “استعادة الاموال المهرّبة: مزايدات بلا نتيجة”. واليوم بعد سنتين واربعة اشهر لا يزال العنوان صالحاً اذ لم يتبدل شيء، وحتى تاريخه فان قانون “الكابيتال كونترول” لم يُقرّ نهائياً، ولم، ولن يدخل حيّز التنفيذ حيال ما جرى، اذ ليس له مفعول رجعي. وبالتالي فان ما جرى “تهريبه” من اموال النافذين، صار خارج حسابات القانون، خصوصا انهم لم يقدِموا على مخالفة قانونية في غياب اي قانون مانع أو منظم. اليوم يُقر القانون متأخرا سنتين ونصف سنة، وهو من دون جدوى، لان لا امكانية بعد لتحويل اموال الى الخارج، بل جُلّ ما يفعله القانون هو تحصين المصارف في مواجهة المودعين.
ولم تنفع آنذاك تهديدات رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، “اذا ما عملوا شي وكشفوا الأرقام وأصحابها، لازم نتحرك على اول السنة”، ولا مطالبة النائب الكتائبي الياس حنكش بـ”الحصول على معلومات عن نقل اموال الى الخارج عبر تحويلات مصرفية على رغم القيود التي فرضتها المصارف في هذا الشأن”، ولا كلام نائب “حزب الله” حسن فضل الله “عن 11 مليار دولار للمصارف في الخارج”، الذي اعتبر انه “يُفترض ان تبدأ هيئة وعد بها حاكم مصرف لبنان بجردة على العمليات التي لها علاقة بالتحويلات، واذا كانت الاموال المحوّلة غير شرعية فيجب ان تُستعاد”.
لكن المشكلة تكمن في تواطؤ اهل السلطة والمال، وهم انفسهم غالبا، اذ ان هؤلاء حموا انفسهم بعدم اقرار قانون “الكابيتال كونترول”، وبرفضهم اعطاء حاكم مصرف لبنان صلاحية لتقييد حركة التحويلات ومراقبتها، لان مجلس النواب “سيّد نفسه” ولا يعطي صلاحيات استثنائية للحكومة او لمصرف لبنان. لكن “سيد نفسه” هذا، تغاضى عن كل المخالفات، التي معظمها اخلاقي في غياب القانون، وينفض اليوم مع الحكومة، الغبار عن ملف قديم فقد صلاحيته، لكنه يستجيب لوصاية صندوق النقد الدولي، متناسيا تلك “السيادة”، وممارساً الغش والكذب على اللبنانيين على ابواب الانتخابات.
الاموال خرجت من لبنان بطريقة قانونية، لكن يمكن اعتبار تحويلها في هذه الظروف طريقة غير أخلاقية، وايضا تطبيقا استنسابيا يمكن ان يحاسب عليه القانون، اذ ميّز بين مودعين محظيين، لهم سلطة ونفوذ، ومنع الآخرين من الافادة من هذه الفسحة القانونية. ويمكن التمييز بين تحويلات لمودعين حصلت من بعض المصارف الى الخارج خلال هذه المرحلة، وبين جزء يتعلق بالتحويلات المتعلقة بالسياسيين والاداريين في القطاع العام وأصحاب المصالح خلال العام 2019 وحتى ما قبله، وهنا بيت القصيد، وهو الملف الذي يجب التحقيق فيه، والاهم التحقيق في مصدر هذه الاموال والحسابات، وعلى هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان او القضاء فتح تلك الملفات، فلا يصدر قانون مجرد من اي نتيجة ممكنة.
الطريف في هذا الملف هو استناد النائب الياس حنكش في كتابه الى “قانون حق الوصول الى المعلومات الصادر في العام 2017 وذلك حسماً للجدل القائم حول التحويلات المذكورة، ولا سيما بعد تصريحات لمسؤولين يؤكدون حصولها”. لكن حنكش وزملاء آخرين له وجدوا ضالتهم في الاستقالة من المجلس بعدما اكتشفوا الاستنسابية في تطبيق القوانين، بل عدم تطبيقها، وبقاء مطالباتهم صوتاً صارخاً في البرية، ربما لا يرجع صداه إلا عبر جيوش الكترونية شتّامة صارت الذراع الاولى للسياسيين والاحزاب.