كتبت باتريسيا جلاد في” نداء الوطن”:
بعد مرور عامين وثلاثة أشهر على تقنين السحوبات المصرفية بالدولار الأميركي، ها هي الليرة اللبنانية تسلك اليوم الدرب نفسه، ما ضيّق الخناق على المودعين لا سيما أرباب العمل والمستخدمين وأوجد سوقاً سوداء جديدة بالليرة اللبنانية.
وامام هذا الواقع، باتت مسألة توطين الراتب غير مجدية في ظلّ القيود على السحوبات واقتطاع نسبة 35 أو حتى 40% من “سحوبات الليرة”، ما دفع أصحاب السوبرماركات الى اتخاذ قرار عدم القبول ببطاقات الإئتمان كوسيلة للدفع بنسبة 100% بل بنسبة 50% فقط من قيمة الفاتورة الشرائية، فزاد مردود الـ”كاش” لديها وكذلك الأمر بالنسبة الى اصحاب محطات المحروقات وسائر التجار، الذين دخلوا في لعبة بيع المصارف “الليرة اللبنانية” مع اقتطاع نسبة 30% من إجمالي المبلغ على غرار رحلة شحّ العملة الخضراء التي بدأت منذ نهاية العام 2019 بـ”هيركات” على الشيكات والدفع من خلال بطاقات الإئتمان بنسب مئوية ارتفعت مع قفزات الدولار لتصل الى 80% و 83% اليوم.
ويؤكّد نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش لـ”نداء الوطن” أن “المؤسسات الخاصة كانت في البداية تُودِع رواتب الموظفين في المصارف عن طريق الشيكات، وفي مرحلة لاحقة الزمت المصارف أرباب العمل بإيداع نسبة 50% من قيمة الرواتب “كاش” و50% بموجب شيك. أما اليوم فكل المصارف باتت تطلب من المؤسسات والشركات إيداع المبالغ بأكملها نقداً ليتمكن الموظف من سحب كامل راتبه من المصرف. هذا الإجراء، جعل أرباب العمل يلجأون الى تسديد رواتب المستخدمين نقداً”. وسأل بكداش: “لماذا سيضع ربّ العمل النقد في المصرف ويتم اقتطاع نسبة مئوية من الراتب لتسديد المبلغ؟”، نافياً إمكانية استخدام الحسابات الموجودة في المصارف لتسديد الراتب وإنما تقتصر على الإيفاء بالرسوم والضرائب التي تترتب على المؤسسات للدولة.
من جهته، رأى المستشار المالي والإقتصادي غسّان شمّاس خلال حديثه الى “نداء الوطن” أن “هذا التدبير هو نوع من الـ”كابيتال كونترول” غير المعلن على الليرة. فالمؤسسات التي تتعاطى بـ”الكاش” مثل السوبرماركات والصيدليات…”تبيع” الليرة الـ”كاش” الى البنوك والصرّافين مع اقتطاع نحو 30% من إجمالي المبالغ. ما أدى الى خلق سوق سوداء بالليرة اللبنانية”. من هنا يرى شمّاس أن “الحلّ يكمن في السماح بالتداول بالليرة اللبنانية من خلال بالـ currency digital على أن يصار الى حصر إمكانية الدفع من خلال التحويلات عبر “صيرفة”، بالمستورد والصناعي ولو بنسبة 50%، وبذلك يصبح بإمكان صاحب السوبرماركت على سبيل المثال أن يسدّد للمستورد فاتورته من خلال التحويلات فتنتفي الحاجة الى تسديد المواطن نسبة 50% من فاتورته الشرائية نقداً”.
وكان مصرف لبنان طرح نحو 6 تريليونات ليرة لبنانية في السوق، ومع التعميم رقم 161 الإستثنائي الذي حوّل “كوتا” السحوبات من الليرة الى الدولار، تمكّن من “لمّها” لخفض التضخم، ما خلق شحاً إلا انه عاد وأتاح للبنوك في بيان اصدره بيع ما تشاء من الدولارات للحصول على النقد بالليرة اللبنانية الأمر الذي لم تفعله المصارف. وحول هذا الموضوع أكّد الخبير الإقتصادي نسيب غبريل لـ”نداء الوطن” أن “بيع الدولارات من المصارف يتطلب سحبها من البنوك المراسلة الأمر الذي يضرّ بالبنوك اللبنانية، علماَ أنها تستخدم السيولة من العملات الأجنبية للسحوبات وفقاً للتعميم 158”.
وأكّد غبريل ان “الكتلة النقدية بالليرة متواجدة في السوق ولكن بشروط. يخزّنها أولئك الذين لديهم ايرادات نقدية فيحولونها الى دولارات من خلال منصة “ًصيرفة”، وعندما تحاول المصارف شراء الليرة منهم يطلبون عمولة بنسبة 40%”. مع العلم أن “المصارف قبل التعميم 161، كانت أيضاً تشتري الليرة اللبنانية من “السوق” بسبب عدم كفاية السحوبات من مصرف لبنان، مقابل عمولة بنسبة 20%”.