كتبت فرح نصور في” النهار”:
أفرجت الحكومة عن خطتها للتعافي الاقتصادي والمالي، في ترجمة عملية للاتفاق المبدئي الموقّع مع صندوق النقد الدولي مؤخراً. وفيما يشترط صندوق النقد إقرار قانون “الكابتال كونترول” الذي تأخّر إقراره، من بين الشروط الأساسية للمضي بالاتفاق مع لبنان، تناقش اللجان المشتركة مشروع قانون “الكابيتال كونترول” الذي حوّلته الحكومة إلى مجلس النواب. وبينما تتضمّن خطة “التعافي” عناوين مالية واقتصادية كبيرة ومهمة لحلّ الأزمة الراهنة، لا يزال ملف المودعين يتصدّر المشهد. إذ ما يهمّ المواطنين هو معرفة مصير ودائعهم التي احتُجزت منذ أكثر من عامين.
كيف ينعكس إقرار قانون “الكابيتال كونترول” بصيغته الحالية – ناهيك عن جميع الملاحظات التي قدّمها الخبراء على مواد هذا القانون- على أموال المودعين؟ وماذا عن انعكاسه على سعر الصرف؟
في شرح دقيق لمفاعيل هذا القانون من الناحية التشريعية، ترى الأستاذة المحاضِرة في الجامعة اللبنانية والباحثة في القانون المصرفي، الدكتورة سابين الكيك، في حديث لـ”النهار” أنّ “هذا القانون يعلّق حقوق المودعين إلى أجل غير معروف ويعطّل أي إمكانية لاستعمال أموالهم، وهو يقضي على ما تبقّى من أمل لدى المودعين في الحصول على أموالهم، ويلغي أي فكرة ادخار مستقبلية، سواء استثمارية أو فردية، في بلد يقوم على الادخار ومدّخرات شعبه، فودائع الناس هي النظام المالي الذي يقوم عليه لبنان”.
ويمنع هذا القانون المودعين، بمفعول رجعي، ولأربعة أعوام آتية، من الحصول على أموالهم، إلّا بموجب الحصول على إذن من اللجنة التي سيرأسها رئيس الحكومة، لإصدار المراسيم التطبيقية لهذا القانون وتنفيذها. وبذلك، ستُرفع السرية المصرفية أمام هذه اللجنة. وإذا ما احتاج المودع أن يسحب من أمواله بشكل مُلحّ، يطرح السؤال: كم عليه أن ينتظر من الوقت للموافقة على طلبه؟
كذلك يعطي هذا القانون حق فرض غرامة من لجنة لا صفة قضائية ولا دستورية لها، إلى جانب عدم سماحه بإمكانية ملاحقة المصارف، إذ إنّ “الصياغة التشريعية لهذا القانون هشة وغير مهنية”، بحسب الكيك. وتضيف أنّ “ملفاً حيوياً ومصيرياً كإقرار هذا القانون، لا يناقَش في مجلس نيابي شبه منتهية ولايته على أبواب انتخابات تشريعية”.
في هذا الإطار، تعتبر الكيك أنّ هذا القانون لا يحمي حقوق المودِع، وهو تصفية للمرحلة السابقة في المصارف، ولتعليق التحويلات إلى الخارج. فإجراء “الكابيتال كونترول” أصبح مرتبطاً مباشرةً بأموال المودعين في لبنان، بينما بمفهوم صندوق النقد، وعالمياً، هذا الإجراء هو وسيلة لمراقبة احتياطات المصرف المركزي بالعملات الأجنبية، لمعرفة مدى حاجة المركزي من العملات الأجنبية لاستقرار العملة المحلية، وبالتالي تقييم حركة رؤوس الأموال وليس الودائع.
وترى أن “الحكومات السابقة والحالية تستغلّ هذا الإجراء لوضع نظام جديد في القطاع المصرفي، على قاعدة القيود على التحويلات والسحوبات المصرفية، لصالح المصارف. وابتُدعت لهذه الغاية تسميات غير مسبوقة في العالم، على غرار “الأموال الجديدة” و”الأموال القديمة”، و”هذا بحد ذاته تمييز بين المودعين. لكن المفارقة أنّ صندوق النقد بحاجة إلى تطبيق هذا القانون على “الأموال الجديدة” وليس فقط “القديمة”. لذا، فإنّ “هدف هذا القانون بصيغته الحالية، لا يخدم صندوق النقد”.
فحتى “الأموال الجديدة” في هذا الطرح، ليست الأموال “الفريش”، إنّما الأموال التي تُحوَّل من حسابات خارجية إلى داخلية عبر المصارف المراسِلة. أي بمعنى أوضح، فإنّ حملَة “الفريش” في لبنان، لن يتمكّنوا من تحويلها إلى الخارج. إضافة إلى منع عمليات الصرف، أي التبادل بالدولار داخل لبنان، والسعي إلى وضع اليد على كل الدولارات التي تدخل أو تخرج من لبنان. كذلك، يصنّف هذا القانون فروع الشركات الأجنبية في لبنان على أنّها مُقيمة، أي أنّه لا يحق لها إجراء تحويلات في ما بينها إلّا بالعملة اللبنانية. وبالتالي، اللبناني الذي يتقاضى راتبه من هذه الشركات، سيتلقى ضربة جديدة، وكذلك الحال بالنسبة إلى الأشخاص الذين يعتمدون على التحويلات الخارجية، ولا يُعرف بعد على أي سعر صرف سيتقاضون هذه الأموال”.
ووفق أحد بنود هذا القانون، يمكن للمودِع الحصول على 1000 دولار شهرياً بالليرة، من دون معرفة وفق أي سعر صرف. لكن استناداً إلى ماذا تم تحديد هذا المبلغ؟ تسأل الكيك. علاوة على أنّ المودعين ليسوا فقط لبنانيين، بل هناك عرب أيضاً، وبنود هذا القانون ستكسر ثقة الرساميل والاستثمارات الخارجية في لبنان.
الحدّ من دخول الدولار “الفريش” سيرفع من سعر الصرف
من الناحية المالية الاقتصادية، يفيد الخبير المصرفي، نيكولا شيخاني، في حديث لـ”النهار”، أنّ القانون المذكور “يحدّ من جذب رؤوس الأموال والتدفقات إلى لبنان، وبما أن لا دولارات “فريش” ستدخل بوجب هذا القانون، سيؤدي ذلك إلى ارتفاع في سعر الصرف”.
وفي إطار خطة “التعافي” التي يراها شيخاني أنها “خطة انهيار”، فهي تتّجه إلى الليلرة، سيدفع ذلك إلى تدهور في سعر الصرف، إذ “لا علاقة مباشرة بين “الكابيتال كونترول” وسعر الصرف، لكن سيقيَّد التداول بـ”اللولار” أكثر بموجب هذا القانون”.
ويؤثّر القانون المنشود كذلك على التجار المحليّين المصدّرين لبضائعهم إلى الخارج، وفق شيخاني، لأن أموال الصادرات هذه لن تدخل لبنان وستودَع في مصارف في الخارج.
وتكمن خطورة هذا القانون في أن تطبيقه سيتخطى مدة السنة، فيما هو عادة ما يُطبَّق ما بين 6 أشهر وسنة، ريثما تطلق الحكومات خطة تعافي. ويشرح شيخاني، أنّ الخطورة الأخرى تتجلّى في تشكيل اللجنة التنفيذية بصلاحيات استثنائية لتطبيق هذا القانون، فنصبح في “دكتاتورية مالية” على البلد.
كذلك، يعفي هذا القانون المصارف من أي ملاحقة، في حال رفضت التحويل، فهي ستحمي نفسها بموجب قانوني. لذا، جميع الدعاوى التي رُفعت ضد المصارف من قِبل المودعين وأهالي الطلاب في الخارج، وحتى الدعاوى التي رُفعت خارج لبنان ضد أي مصرف لبناني في لبنان، ستُلغى، لأنّ القانون سيُقرّ بمفعول رجعي منذ 17 تشرين الأول 2019. لكنّ القانون هذا، في المقابل، يفرض استرجاع المبالغ التي حُوِّلت استنسابياً بعد هذا التاريخ، وهي ما بين 6 إلى 8 مليارات دولار.
أمّا رئيس الاتحاد الدولي لرجال وسيدات الأعمال اللبنانيين MIDEL وعميد كلية إدارة الأعمال في جامعة القديس يوسف USJ، الدكتور فؤاد زمكحل، فيرى أنّ “الكابيتال كونترول” هو “شرّ لا بّد منه”. ويضيف: “شئنا أم أبينا، هو يُطبَّق لكن بشكل غير قانوني من قِبل المصارف. وتأخّر إقراره من سنتين حتى اليوم، لم يفِد الاقتصاد ولا المصارف ولا المودِع”.
“أموال المودعين غير موجودة”، يؤكّد زمكحل، وكي تعود، يحتاج الأمر إلى تفعيل الدورة الاقتصادية بشكلها السليم، وهذا يتطلب وجود عدة قوانين تسمح لقسم من الأموال الجديدة بالدولار بأن تدخل إلى لبنان، إلى جانب جذب استثمارات جديدة لتحريك القطاع الاقتصادي والمصرفي والتجاري بهدف إدخال الأموال تدريجياً إلى القطاع المصرفي. وهذا القانون، هو من بين الإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد وليس خياراً.