كتب مدير الأبحاث في اتحاد أسواق المال العربية د. فادي قانصو:
من الواضح بأن الخطة الحكومية المسرّبة تنطوي على السماح بتحرّك سعر الصرف الرسمي والحدّ من التدخلات لتجنّب اضطراب السوق دون الحؤول بتغيير اتجاهه على أن يقتصر التدخل في سوق صرف العملات الأجنبية على الحدّ من التقلّب الشديد في أسعار الصرف.
من الناحية النظرية، تحرير سعر الصرف هو مطلب اقتصادي لتوحيد أسعار الصرف المتعدّدة وإنهاء حالة الفوضى السائدة في سوق الصرف. ولكن في الاقتصاديات المدولرة وغير متقدمة كما هو حال لبنان، فإن مسألة تحرير سعر الصرف قد يكون لها تداعيات سلبية على الاقتصاد أو بالأحرى متطلبات أساسية لتفادي تداعيات عملية التعويم المرتقبة:
– أولاً، تحرير سعر الصرف يحتاج أقّله إلى استقرار اقتصادي، وتحديداً اقتصاد منتج يحقق نسب نمو اقتصادية، لتحقيق بعض التوازن في النظام المالي ولضبط سعر الصرف بعد التعويم، وهو ما يفتقده لبنان اليوم في ظل انكماش حاد في الناتج المحلي الإجمالي من حوالي 50 مليار دولار في العام 2019 إلى ما دون 19 مليار دولار اليوم. فكيف إذا كان باقتصاد يعاني أصلاً ليس فقط من ركود وإنما من ركود تضخمي، أي انكماش في الناتج وتضخم مفرط في الأسعار، وهو أسوأ مزيج قد يشهده اقتصاد ما. وإذا تعمقنا في البحث نرى بأن الدول التي حرّرت سعر صرفها هي دول متقدمة ونامية بامتياز.
– ثانياً، تحرير سعر الصرف يحتاج إلى استقرار سياسي، إذ أي خضة سياسية قد تؤدي إلى تفلّت كبير في سعر الصرف، ما يعني المزيد من التضخم ومن التآكل في القدرة المعيشية.
– ثالثاً، تحرير سعر الصرف يحتاج إلى غياب للفساد وشفافية مطلقة في السياسة الاقتصادية والمالية والنقدية وقدرة من قبل المؤسسات المالية المرجعية على التدخل لضبطه في حال حدوث خضات سياسية أو اقتصادية، وهو ما يفتقده اليوم مصرف لبنان في بلد تكثر فيه الخضات السياسية والاقتصادية ويعاني من سوء إدارة وفساد متغلغل.
– رابعاً، يستحيل تحرير سعر الصرف قبل تحديد الخسائر المالية وتوزيعها ومعالجتها، فاللحظة التي سيتم فيها اعتماد سعر صرف عائم وموّحد، بشكل يعكس قيمة الدولار الفعلية بحسب موازين العرض والطلب، ستكون لحظة انكشاف كتلة ضخمة من الخسائر المتراكمة داخل مصرف لبنان والمصارف، بعد أن يتمّ تقويم الالتزامات الضخمة للمودعين بحسب قيمة الدولار الجديد في مقابل الموجودات الضئيلة بالعملة الصعبة.
بإختصار، فإن ضبط سعر الصرف بعد تعويمه يحتاج إلى استعادة للثقة وبالتالي إلى تدفق العملة الصعبة من الخارج، وهو ما سيعتمد على قدرة الخطة المالية الجديدة على اعادة الإنتظام المالي ومعالجة خسائره بشكل جذري، وبالتالي من المبكر اليوم الحديث عن تعويم حرّ لسعر الصرف في ظل هذه الظروف المأساوية، أضف إلى ذلك أن التدابير المحاسبية اليوم، على أساس سعر صرف الـ1,500 ليرة أو 8,000 ليرة للدولار لمصرف لبنان والنظام المصرفي سمحت إلى حدّ ما بإخفاء نسبة لا بأس بها من الخسائر عبر خفض حجم الإلتزامات بالدولار التي يتمّ التصريح عنها بإعتماد سعر الصرف القديم المنخفض بدل التصريح عنها وفقاً لقيمة الدولار الفعلية في السوق. وبالتالي لا نظن بأن لبنان قد يكون مقبلاً على عملية تعويم حرّ لسعر الصرف في المدى القريب، ولكن قد نتجه في المرحلة الأولى نحو تعديل مرن في سعر صرف بشكل تدريجي ومُدار أم موجّه إلى حدّ ما، أي يقتصر التدخل في سوق صرف العملات الأجنبية على الحدّ من التقلّبية الشديدة في أسعار الصرف وبحدود ضيّقة نسبياً نظراً للتراجع الكبير في احتياطيات مصرف لبنان.
المصدر: Leb Economy